ظاهرة تتضخم في الاقتصادات الناشئة مخلفة أضراراً كبيرة

«التهرب الضريبي» واستنزاف ثروات الأمم

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال آدم سميث (1723- 1790)، مؤلف أحد الكتب الاقتصادية المتخصصة، والصادر عام 1776 «عام استقلال أميركا»، يعد المفكر الرائد بكل معنى، لدى النظام الرأسمالي، وهو الذي يبقى اسمه يتردد على ألسنة الدارسين والباحثين ممن يطلقون على كتابه المشار إليه الوصف التالي: «إنجيل النظام الرأسمالي».

وإذا كان سميث قد تناول بالبحث- كما ألمحنا- ثروة الأمم، وعمل على تكريس قانون العرض والطلب في ظل اقتصاد السوق، وتحدث عن «اليد الخفية» التي تحفظ التوازن المطلوب بين الجانبين، فها هو مفكر اقتصادي من زماننا الراهن يتناول في كتاب أصدره مؤخراً بالموضوع نفسه، ولكن من زاوية مغايرة تماماً.

ونرافق في هذه السطور ما ذهب إليه غابرييل زوكمان، أستاذ علم الاقتصاد المساعد بجامعة كاليفورنيا (بيركلي)، في كتابه الصادر مترجماً عن الفرنسية، تحت العنوان التالي: «ثروة الأمم.. المخفيــة».

وبديهي أن يطرح السؤال الفضولي البسيط عند تصفح الكتاب: لماذا هي مخفية أو مخبوءة؟

هنا يسارع المؤلف الشاب إلى الإجابة على صفحات الغلاف، ويوجز رده في العنوان الفرعي التالي: إنها آفة الملاذات الضريبية،

بل يحرص المؤلف- على أديم الغلاف أيضاً- أن ينشر عبارة أخرى يقول فيها: مقدمة بقلم توماس بيكيتي.

والإشارة هنا بالطبع إلى المفكر الاقتصادي الفرنسي الشاب الذي سبق إلى إصدار كتابه الأشهر بعنوان «رأس المال في القرن الواحد والعشرين»، بكل ما ناله الكتاب المذكور من شهرة ورواج.

ويوضح المؤلف كيف أن العالم حافل بالأقطار والدول والمواقع التي يطلقون عليها وصف «الملاذات الضريبية».

ويحرص المؤلف على تعريفها بأنها مواقع- دول تكفل النظم المعمول بها على صعيدها جباية قدر ضئيل من الضرائب مما يزود الأفراد والشركات المتعددة الجنسيات بفرص مغرية للتهرب من سداد الضرائب (في أقطارهم الأصلية).

ويرى مؤلف الكتاب أن هذه «الملاذات» تؤدي إلى تدمير السوق العالمي وإلى التسبّب في ضياع مئات المليارات من الدولارات على الحكومات عاماً بعد آخر، ثم يزيد موضحاً أنه منذ وقوع الأزمة المالية- الاقتصادية في العالم خلال عام 2008، ظلت قضية التهرّب الضريبي، ومن ثم وجود ونشاط الملاذات الضريبية مسيطرة على الأجندات السياسية في طول عالمنا وعرضه على السواء، بسبب ما أدت إليه هذه الظاهرة السلبية من ضرورات فرض إجراءات التقشف الاقتصادي مع ما ارتبط بتلك الإجراءات من حالات اللامساواة ومن شظف المعايش.

ويخلص المؤلف إلى العديد من التحذيرات من مغّبة ذلك التهديد المتصاعد حسب تصوراته، متمثلاً في تزايد عدد ونفوذ الملاذات التي لا تفتأ تلجأ إليها الأطراف المعنية، تهرباً من سداد الضرائب المقررة، وهي التي تعتمد عليها الحكومات من أجل الوفاء بالمتطلبات الأساسية لجموع المحكومين.

ومن مزايا كتابنا التي يتوقف عندها المحللون ملياً، ما جاء متمثلاً في المتابعة التاريخية لظاهرة «الملاذ الضريبي»، التي يرى مؤلفه أنها بدأت خلال الفترة التي أعقبت مباشرة انتهاء الحرب العالمية الأولى (عام 1918 وما تلاه).

وعمد مؤلفنا إلى استقاء إحصاءات كثيرة استند إليها، في سياق الفصول والصفحات إلى مصادر البنك الوطني السويسري، ومنها خلص إلى القول إن الثروات المخبأة يمكن أن تصل نسبتها إلى 8 في المائة من الأصول المالية العالمية وهو ما يكافئ- كما يوضح المؤلف أيضاً- مبلغ 7.6 تريليونات دولار على أقل تقدير.

وبصرف النظر عن حجم هذا المبلغ، فإن الظاهرة تزداد جسامة في حالة الاقتصادات الناشئة، ناهيك عن الاقتصادات الفقيرة أو المحدودة الموارد في قارة إفريقيا على وجه الخصوص، حيث يسجل الكتاب أن ثرواتها المالية التي تحتويها تلك الملاذات الضريبية تصل إلى نسبة 30 في المائة.

Email