قهر وفساد يستفحلان بفعل ضعف القوانين الدولية

مستبدو العالم ونهب ثروات الشعوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تفيد معاني لفظة «كلبتو» في اليونانية القديمة، بأنها فعل السرقة واغتصاب الأموال. وكان بديهياً أن يشتقوا منها اسماً وصفة يقولان بالتالي: كلبتوقراط (وتشير إلى المسؤول الحرامي) وكلبتوكراسي (وتنصرف إلى نظام أو حكومة السارقين..). وقد شاع هذا المعنى ومعه المصطلحات التي ارتبط بها.

وكان ذلك خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي وظل يتردد بالذات كي يصف حكم الرئيس الأسبق لبلد إفريقي هو الكونغو (زائير)..هو الجنرال «موبوتو» (1930- 1997). إن مثل هذه النماذج من حكم «الكلبتوكراسي»- اللصوصية كما قد نقول – هي التي دفعت البروفيسور جاسون شارمان، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كامبردج البريطانية، إلى إصدار واحد من أحدث مؤلفاته تحت العنوان التالي: «دليل المستبد إلى إدارة الثروة: عن الحملة الدولية ضد الفساد المريع».

وعمدت مجلة «الإيكونومست» اللندنية إلى وصف هذا الكتاب، بأنه يصدر بفعل تصميم المؤلف على التنديد بآفة اللصوصية ومنظومة سرقة الأوطان. وعندنا أن هذا الغرض الذي تتمحور حوله مقولات كتابنا إنما يتمثل في التنديد إلى حد التشهير- الإيجابي طبعاً-، بما يصفه المؤلف بأنه «الفساد المستشري».

ويقصد به سرقة الثروات الوطنية على يد القادة والزعماء المستبدين المتنفذين ومن والاهم من خدم وأعوان.

والطريف في هذا الخصوص أن البروفيسور شارمان يركز أبحاثه على أن الأوطان من ضحايا سلوكيات النهب التي تعرض لها فصول الكتاب، إنما تتمثل في غالب الأحيان في الأقطار الفقيرة من حيث طابعها وتصنيفها في قوائم العالم، في حين أنها غالباً ما تكون من البلدان الغنية من حيث الموارد الطبيعية (الماس كما أسلفنا في حالة زائير، فضلاً عن الكوبالت واليورانيوم أيضاً).

كما يلفت مؤلفنا الانتباه إلى أن ظاهرة سرقة ونهب الأوطان أصبحت حالة بارزة وماثلة على مستوى العالم، لدرجة أنه شهدت لندن مؤتمر قمة عقد في عام 2016 المنصرم، تحت عنوان «مكافحة الفساد»، وانتهى إلى تعهدات من جانب المشاركين بمواصلة الحرب التي ينبغي شنّها على هذا الضرب من الفساد.

المهم أن المؤلف حرص على الربط بين الاستبداد السياسي والفساد السلوكي.. وبمعنى أن المسؤول المستبد إنما يدفعه طغيانه وتحكّمه في مقاليد الأمور، حيث لا رقيب ولا حسيب، إلى مد يد الفساد نهباً واستحلالاً لموارد الوطن، وهو ما يفضي بالمعادلة نفسها، إلى حرمان جماهير شعبه وإلى إصابة أوسع قطاعات تلك الجماهير بآفات الفقر والجهل والمرض على السواء.

هنا يحرص المؤلف على إعداد ونشر قائمة تضم عدداً من هذه النوعية من مسؤولي القمة في أقطار شتى.. ومنهم سابقون ولاحقون، أحياء أو راحلون، وتتمثل خياراته في نماذج أربعة. إذ يضيف: إن أفراد هذه النماذج الأربعة وصل مجموع ما نهبوه، استحلالاً وقرصنة، من ثروات أوطانهم، إلى ما يقدر بمبلغ 55 مليار من الدولارات.

ولا يفوت المؤلف أن يشير إلى حالة النهب واستحلال الموارد والثروة القومية التي شهدتها أقطار عربية، مثل تونس وليبيا، على سبيل المثال، قبل نشوب الاحتجاجات والثورات.. فضلاً عن بلد في أوروبا الشرقية هو أوكرانيا التي تعرضت بدورها لكارثة النهب المنظم على يد ﭭيكتور بانوﭭيتش. ثم يزيد من فداحة السرقة المنظمة.

كما يبين المؤلف، أنها كانت... «منظمة»، بمعنى أنه جرى نهبها واغتصابها باستخدام أساليب مشروعة من ناحية الشكل والإجراء، كأن توظف مثلاً في مشاريع استثمارية في الداخل أو في الخارج على السواء، وطبعاً باستغلال وجود ثغرات في متون اللوائح والقوانين.

على الجانب المقابل من هذه الظاهرة، يوضح مؤلف الكتاب كيف أن هذه الأمور بدأت تجد من يحاول كشفها أو التنديد بها. كان ذلك – كما يقول البروفيسور شارمان- خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي..

إذ إنه، وفي تلك الفترة التي شهدت انتهاء الحرب الباردة، بدأت دوائر حاكمة من العالم تتخلى عن سلوك السكوت أو التجاوز والإغضاء على نوعية الحكام النهابيّن، وفي إطار هذه الموجة خرج إلى الوجود مشروع الأمم المتحدة – البنك الدولي لاسترداد الأصول المنهوبة.

لكن الجانب السلبي من هذه المبادرات لا يزال متمثلاً في أن ثمة دوائر حاكمة في أقطار شتى تمارس لعبة الإغضاء أو الإغماض عن تلك السلوكيات المرفوضة.

وينعى المؤلف النظام الدولي والأعراف القانونية المعمول بها حالياً على مستوى العالم، لأنها تلوذ بقاعدة القانون الدولي المعروفة: قاعدة سيادة الدول ومساواة الدول في السيادة.. وفيما يلزم إيلاء الاحترام الواجب والكامل بالنسبة لتمتع كل دولة بسيادتها.

فإن ذلك لا ينبغي أن يحول دون خضوع أفعال بل جرائم الكلبتوكراسي للملاحقة والمحاسبة من جانب منظمات وقوى دولية تتولى هذه المسؤولية المطلوبة ولصالح الحفاظ على ثروات الشعوب من النهب، ومن أجل توظيف هذه الثروات بما يعود بالنفع على أجيال الحاضر والمستقبل.

وتشكل فصول الكتاب، بما يعرضه من وقائع ويشير إليه من مسائل محددة في صلب الموضوع المطروق، دعوة قوية لجميع الدول والجهات العالمية المعنية، للمسارعة إلى ردع كافة المستغلين والسارقين لثروات ومقدرات الشعوب.

والذين يستخدمون ويتكؤون في هذا التوجه إلى منطق القوة والتسلط والاحتيال، واللعب على وتر قضايا مزيفة ورهن وتجنيد الشعوب لخدمة مصالحهم من خلال طرق غير مباشرة وملتوية.

الكتاب: دليل المستبد إلى إدارة الثروة.. عن الحملة الدولية ضد الفساد المريع

تأليف: جاسون شارمان

الناشر: جامعة كورنيل

الصفحات:

261 صفحة

القطع: المتوسط

Email