«حارة الباشا» ذكريات حلب وعاداتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

تصور رواية حارة الباشا لكامل سكيف، حارة شعبية من أحياء حلب بعاداتها وتقاليدها ومفاهيمها الاجتماعية والإنسانية. وتحكي الرواية عن حياة المدرسة الابتدائية، كيف يعيش التلاميذ فيها حياة تعاون، ومن خلال ذلك تمرّ على أحياء حلب، وميزة كلّ حي منها.

هشام أحد الشخصيات الرئيسية يترك المدرسة ليعمل في مهنة الدهان، فأبوه عاجز عن العمل، وعدد أفراد أسرتهم كبير، فيقبل بتضحية الأخ الأكبر ويتحول إلى هذه المهنة، ليساعد أخاه في الحياة، فيتقن المهنة، ويصبح معلماً يعتمد عليه، وفي أثناء فراغه يلجأ إلى دار الكتب الوطنية، ليقرأ في العلوم والآداب.

أصبحت لهشام شهرة واسعة بين تجار الدهانات، واشتهر بتعامله المستقيم مع أصحاب العمل، واستطاع أن يجمع مالاً ويشتري داراً في حي شعبي يعرف بحارة الباشا، يتألف البناء من باحة واسعة تتصدرها شجرة تين كبيرة وشجرة أخرى من ثمر الزيتون، وأخرى من ثمر البرتقال، والورود من كل لون، وما بينهما بئر ماء عذبة، وبجانب الشجرتين مطبخ واسع فيه حمام، أما من الطرف الأيمن فيتربع بيت واسع تحته قبو وفوق البيت غرفة واسعة، والأسطحة ذات سلالم من دف قديم.

ويحدّد الكاتب موقع هذا الحي، بالنسبة لمدينة حلب، فهو يقع في بانقوسا القريبة من باب الحّديد، «واللافت للنظر تلك المنعطفات المتتالية والمتداخلة والمتشعبة، ويتوسط الحي دار الباشا الرائعة الفخمة، التي تنقلك ببنائها وفنها المعماري إلى قرون».

لا يكتفي الكاتب بوصف البناء وموقعه، وإنما يصف الناس وتعاملهم مع بعضهم ذلك التعامل المبني على المحبة والتراحم، ويورد قصصاً على ذلك، كما يورد قصصاً متنوعة.

ونتبين في الرواية، أن هشام، وخلال عمله، يتعرف على أم زاهر، ويعيشان حالة عشق وحب، فيغامر ويأتي إليها في حلب القديمة، وتتنازع هشام الرغبة في ترك هذه المحبوبة، ولكن صورتها لا تفارق مخيلته، فهذه هي المرة الأولى التي يقترب من امرأة، ويتعرف عليها عن قرب، حينذاك يتدخل حامد بينهما، وينهي هذا الحبّ، وهذا الصراع.

رواية ممتعة، خاصة أنها عرفتنا على أحياء حلب القديمة، وعاداتهم وتقاليدهم، أغانيهم وأحزانهم، وعرّفتنا على طرائق معيشتهم لشخصيات قليلة لا تتجاوز عدد أصابع اليد، كل ذلك جرى في خمسينيات القرن الماضي وما يليه، وإذا حلب كما نعرفها، بحاراتها وشوارعها القديمة، وبيوتها وحجارة الأرصفة وأبوابها ودهاليزها، بحفلات السمر التي كان يذهب إليها هشام وصحبه، وفي هذه الحفلات يقضون أحلى ليالي السمر، ولا ننسى فنون الطبخ ساعة الفرح وساعة الحزن، والكاتب لم ينس شيئاً يتعلق بحلب، أم المحاشي والكبب.

 

Email