وادي الملوك قدماء المصريين وهواجس«الخلود»

يبحث كتاب (وادي الملوك/‏‏‏ أفق الأبديّة - العالم الآخر لدى قدماء المصريين) لمؤلفه إريك هورتونغ (ترجمة محمد العزب موسى ومراجعة د. محمود ماهر طه)، في موضوع شائك وحساس. وتأتي أهمية الكتاب (كما يُشير مؤلفه)، انطلاقاً من كونه يضم، للمرة الأولى، نتائج ما تمخضت عنه عشرات السنين من العمل في وادي الملوك، ويُركّز بشكل أساسي على المشاهد والنصوص الدينيّة التي زُيّنت بها المقابر، وفي الوقت نفسه، يُولي اهتماماً ملحوظاً للتطور المعــــماري، بقوانينه النسبيّة التي كان المصريون القدماء يراعونها بدقة متناهية، ويهتم بالأسرار المحيـــطة بالموت والحياة الأخرى، لكن هذا لا يعني أنهم توصلوا إلى الأجــــوبة النهائيّة لهذه الأسئلة القديمة قدم البشريّة.

من وادي الملوك الموشى بترف الطبيعة، حيث تمتد الحدائق على الضفة الشرقيّة للنيل، تسافر عين السائح عبر النهر الذي يزيد الصورة جمالاً، فتقع على المراكب النيليّة ذات الأشرعة، والأشجار بزهرها المتفتح، ومن ورائها، على البعد، تقوم جبال الصحراء. وهنا (بحسب الكتاب) عالم المقابر، حيث تبدأ مملكة الموتى الذين يخلدون للراحة في (الغرب الجميل).

اعتقد المصريون القدماء، وطبقا لمعتقداتهم الوثنية، باحتمال تعرض الآلهة التي آمنوا بها نفسها للموت، إذ تبين أسطورة أوزيريس حتميّة هذا المصير، وتقدم السلوى للذين يموتون بلا أمل في مراسم جنائزيّة، وتؤكد لهم أن الحياة (مع ذلك) ستعقب الموت. وعلى أمل الوصول في النهاية إلى مملكة المباركين، وكان على الملوك والأفراد العاديين بعد الموت أن يدخلوا إلى قاعة التحنيط، حيث يجري إعدادهم لرحلة الأبديّة.

انعكست نظرة المصريين القدماء لموضوع الموت والحياة، في معظم فنونهم التي جاءت استجابة لهذه النظرة، إذ سيطرت عليهم رغبة إنتاج آثار وأشياء في الحياة الدنيا يمكن أن تستمر مفيدة في مملكة الموت الخالدة في العالم الآخر. وحتى قبل التاريخ (كما يُشير الكتاب) تعمد المصريون عدم إدراج الأشياء القابلة للتلف في قوائم المقبرة، وأحلوا مكانها الأشياء المصنوعة من الحجر الصلد. لهذا فإن أصول النحت والرسم لديهم، متصلة اتصالاً وثيقاً بعالم الموت والبعث، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي الفنون الأخرى.

وفي تفحصنا لأبواب الكتاب، نجد أن المؤلف قد حرص على استعراض وسرد كافة التفاصيل والجوانب البحثية الخاصة بموضوع الموت والحياة، وطبيعة مفاهيم المصريين القدماء بشأنهما، كما ركزت الأبحاث في الكتاب على توضيح وتصويب نقاط كثيرة خاطئة في هذا الموضوع لدى الفراعنة، وذلك من خلال الاستعانة ببيانات آخر وأهم الاكتشافات الأثرية.