عندما تعجز العواطف عن تمزيق الأوراق

رسائل أنسي إلى غادة قصة شغف وعتاب

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يضم كتاب الروائية السورية غادة السمَّان، سبع رسائل كتبها لها الشاعر اللبناني أنسي الحاج (1937 - 2014) في ديسمبر من العام 1963. تبدأ الأولى يوم 2 - 12 ـ 1963، ثمَّ الرسالة الثانية بتاريخ 3 و4 - 12 - 1963، والرسالة الثالثة بتاريخ فجر الخميس 5-12- 1963، أمَّا الرسائل الأربع الأخرى فهي غير مؤرَّخة. وذكرت غادة في تقديمها أنَّها لَمْ تَرُدّْ على أيٍّ من رسائل أُنسي الحاج. وقالت: لمْ أكتبْ لأُنسي أيَّ رسالة، فقد كنَّا نلتقي كلَّ يومٍ تقريباً في مقهى «هورس شو»- الحمرا، أو «الدولتشي فيتا»، و«الدبلومات» - الروشة، أو «الأنكل سام» مقابل مدخل الجامعة الأميركية الرئيس … وهذه المقاهي انقرضت اليوم! لَمْ أَكتبْ لأُنسي، لكنَّني عجزتُ عن تمزيق هذه الرسائل الرائعة أدبياً.. وأيَّاً كان الثمن.

من رسالته في 2-12- 1963

قبل أنْ أتَّصلَ بكِ للمرَّة الأولى كنتُ أعلم، لكن ربَّما أقل من الآن، أنَّني بحاجة إلى إنسان. بحاجة إلى إنسان يتناسب، في ذكائه وإحساسه وطاقاته جميعاً، الإيجابية منها والسلبية، مع ما أنا فيه، وما سأصير فيه. وفكَّرتُ طويلاً. ورفضتُ، شيئاً بعد شيء، كل الحلول التي مرَّت بفكري. ورفضت كل الأشخاص، ممَّن أعرفهم وممَّن لا أعرفهم، الذين استعرضتهم. وعندما اتصلت بك للمرة الأولى كنتِ لا تزالين مجرَّد إمكانية غامضة، لكن قوية.

وظلَّت هذه الإمكانية غامضة عندما قابلتك للمرة الأولى. وظلَّت غامضة أيضاً عندما قابلتك في المرة الثانية، لكنَّها ازدادت قوَّة. وفي ما بعد، أصبحتِ أنتِ التجسيد للإنسان الذي أنا بحاجة مصيرية ملحَّة وعميقة وعظيمة ورهيبة إليه. أصبحتِ أنتِ هذا الإنسان لا لأنَّني أنا صنعتُه منكِ، فحسب، بل لأنَّك كنتِ أهلاً لذلك. كنتِ أهلاً لذلك رغم أنَّك لا تزالين، بالنسبة لي، منغلقة على نفسك...

وأيضاً، يقول أنسي فيها: هل حدث هذا التجسيد بسرعة؟ أتتَّهمينه بأنَّه مسلوقٌ سلقاً؟ بأنَّه من تصوير خيال مريض؟ بأنَّه إسقاط نفسي؟ بأنَّه انتهازي ووصولي؟ لا يا غادة. السرعة التي تتصورينها ليست في الحقيقة، سرعة. ربَّما كانت كذلك بالنسبة لمتفرِّج من الخارج لا يعرف شيئاً عن الدوافع البعيدة والمخفية واللا مباشرة. أؤكِّدُ لكِ أنَّ العملية تمَّت، على العكس، ببطء. نعم ببطء.

وأما من ما جاء في رسالته في 3-4-12-1963:

ليتكِ تعلمين كَمْ أنتِ أساسية وخطيرة وحسَّاسة. ليتكِ تعلمين كَمْ أنتِ حيوية ولا غنى عنك. ليتكِ تعلمين كَمْ أنتِ كل شيء في صيرورتي. ليتكِ تعلمين كَمْ أنتِ مسؤولة الآن؟ لو تعلمين إلى أي درجة أنتِ مسؤولة عن مصيري الآن لارتجفتِ من الرعب. لقد اخترتكِ. وأنتِ مسؤولةٌ عني شئتِ أم أبيتِ. لقد وضعتُ لعنتي الحرَّة عليك. هل يجب أن أعتذر إليكِ عن هذا الاختيار؟ لا أعتقد. في النهاية، لن تعرفي أجمل من حبي. قدْ لا أكونُ واثقاً من شيءٍ ثقتي بهذا الشيء. لا يمكن أن تعرفي أجمل من حبي.

ومن رسالته في 5-12- 1963

أيَّتُها المرأة، أنتِ التي تقرأ هذه الأسطر، أنتِ. اسكبي على عقليَ نارك. خذيني. افتحي لي باباً، افتحي لي قبراً، افتحي لي فراغاً ما. فتِّتي أعصابي، خذيني! لم يصرخ أحدٌ قبلي كهذه الصرخة: خذيني!.. لا أريد أن يبقى مني شيء. أريد أن أجدِّد عهد صوفية الجسد والروح، وأفنى في امرأة. اتركيني أفعل فنائي فيكِ.

ومن إحدى رسائله غير المؤرخة:

لم أتزوَّج بعد. أحاول أن أتَّحد بأغنية، أن أتَّحد بصوت، بعينين، أن أنسكب من حنيني على شيءٍ حسِّي يستولي عليَّ بسعادةٍ وملء فأشغله عن كل ما عداي ويشغلني عن كل ما عداه. أحاول أن أتزوَّج. أحاول أن أفنى في. أن أصير الواحد والكل. لم أتزوَّج بعد. كلُّكم ضدِّي: قرَّاء وأدباء. أجانب وأقارب وغرباء. أصدقاء ونساء. لا أحد معي. أكثر امرأة أحببتُها (لا أعرف إلاَّ عندما أذكرها أنني لا أستطيع أن أبكي!) أكثر امرأة أحببتها كانت أكثر امرأةٍ خسرتُها.

أيَّتها الغادة أنتِ أنتِ أنتِ أنتِ. هذه هي المسألة. أنت الغاية. لكنَّكِ تظنين أنَّك الوسيلة. هذه هي المحرقةّ!...

Email