الثنائيات الضدية وأُلْفة المختلفات في الشعر العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشكل مفهوم «الثنائيات الضدية» للدكتورة سمر الديوب عصب المدرسة البنائية في النقد والتحليل البنيوي/‏‏ البنائي. وينحدر هذا المفهوم بوصفه مفهوماً من دراسات ليفي شتراوس حول الأساطير، وهي تستخدم الكلمات والمفاهيم، وتقاليد النص ورموزه.

وتبين أن الجاحظ يعد من أوائل الذين التفتوا إلى قانون الثنائية الضدية على أنه قانون الحياة الجوهري، إذ يرى أنّ العالم بما فيه من أجسام على ثلاثة أنحاء: متفق ومختلف ومتضاد، ثم يرد هذه المستويات الثلاثة التي تجسد حيوية القانون إلى الأصل الثنائي الإشكالي ممحوراً إياه حول الحركة والسكون، ويقول: تلك الأنحاء الثلاثة، كلّها في جملة القول جماد ونام، وكأن حقيقة القول في الأجسام من هذه القسمة أن يقال: «نام وغير نام».

وإذا ما انتقلنا إلى الشعر، وجدنا كثيراً من القصائد يدور معظمها حول محور واحد، وتحوّل كثير من الشعراء عن البناء التقليدي للقصيدة، فقصيدة عبد بقوث وسخيم بن عبد الحسحاس ومالك بن الريب وقيس بن الملوح، تدور حول موضوع واحد، وتبتعد عن المقدمات التقليدية.

أمّا قصيدة النابغة الجعدي فتعددت موضوعاتها، لكنها ترتبط مع بعضها بخيط شعوري واحد، وكلّ موضوع مرتبط بالموضوع الذي يليه، ويعدّ مقدمة له، فالرثاء هو الغرض الأساسي في القصيدة، ويظهر في كلّ بيت.

الثنائيات التي رصدت في هذه القصائد هي ثنائيات ضدية، إذ ألف هؤلاء الشعراء بين مختلفات، وهذا ما يظهر التناقض في الواقع الذي عاشوه.

وفي شعر الشماخ بن ضرار الذبياني كنوز فنية رائعة، إذ أبدع في وصف الحيوان، فهو يصف الحمار الوحشي مع أتنه، وأجاد في الوصف، وبخاصة الانفعالات النفسية المرافقة له. والشماخ يحبّ حيناً فتغدو المرأة واقعية في شعره، ويرمز حيناً آخر، وترتبط صورة المرأة بصورة الطلل والظعن والرحلة، وتتعدّد صورتها بين حبيبة وامرأة هاجرة، وامرأة ناشز.

كما أن تجربة السجن والأسر فعل اغتراب زماني ومكاني، والشاعر لا يستطيع معانقة المكان، فتجده يخفف من وطأة هذا الأمر عليه بأن يعدّد الأمكنة، فثمة مكان طللي وصحراوي يهرب إليه، ووطن يحن إلى ترابه:

وممّا هاجني فازددت شوقاً

بكاء حمامتين تجاوبــان

فأسبلت الدموع بلا احتشام

ولم أكُ باللئيم ولا الجبان

وترى المؤلفة أنه لا يتحمل الشعر العربي مسؤولية غياب المرأة، فالشعر ديوان للعرب جميعاً، لا ديوان الرجال، ونحن نوجه أصابع الاتهام إلى رواة الشعر لا إلى الشعر، ورفضت ليلى الأخيلية صورة المرأة النمطية السلفية من حيث التبعية والعاطفية واللاعقلانية.

 وأثبتت أنّ للشعر أثراً في علاقة الذات بالآخر.. فوظفت شعرها من أجل أن تثبت القيم القبلية، وفي مقدمتها الفخر وتأجيج نزعة الثأر والتغني بالرجولة. وأجادت في قصيدة الرثاء، وبذلك جاء بناؤها الشعري قائماً على أساس الهدم، هدم المألوف، والمعهود شعرياً.

كذلك فإنه أبرز ما يميز النصّ العذري هو اجتماع الأضداد، مثل: ثنائية الحضور والغياب، ثنائية اللفظ والمعنى.. فالعشق العذري يحيا في ثنائية القانون/‏‏خرقه. ويدور هذا الشعر حول ثنائية الحضور/‏‏ الغياب.. وغير ذلك الكثير.

Email