فجر العرب.. شبابه وعائده الديموغرافي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تفتح بسمة المومني في كتابها «فجر العرب شبابه وعائده الديموغرافي»، نافذة مُضاءة تبعث الأمل والرجاء بمستقبل عربي واعد، ذلك على الرغم من الإحباطات المدوية واليأس الذي رسم سحابته السوداء، جاعلاً الكثرة من أبناء هذه البلاد غارقة في مآسيها. ويقوم بُنيان هذا الفجر، كما ترسمه المؤلفة، على أكتاف جيل من الشباب العرب يختلف عن الأجيال السابقة، سيحملُ هم قيادة المنطقة بعد عشرين سنة أو أكثر نحو مُستقبل سياسي أفضل وهو يشهد على انتهاء صلاحية الأنظمة غير المنصفة لشعوبها.

لا تخفي الباحثة فخرها بالشباب العربي، وتحديداً بأولئك الذين احتلوا ساحات الوطن العربي وميادينه في عام 2011، وهم من فئات عمرية تضم غالبية السكان العرب. هذه الفئات، برأيها، ستكون قادرة على إنتاج زعماء المستقبل وصناع القرار، وصولاً إلى حكومات نوعية يسيرها نظام يعتمد الجدارة والعمل المنتج اللائق والعدالة الاجتماعية. وكذا سيادة مجتمعات مزدهرة اقتصادياً.

توثّق بسمة في الفصل الأول من كتابها شهادات واستطلاعات ميدانية استقتها من الشباب العرب الذين التقتهم، في أكثر من بلد عربي وفي أوج استعار نار ثورات الربيع العربي. وترى أن نزول المصريين إلى الشوارع في ثورة يناير 2011 مرددين عبارة «الخبز، الحرية، العدالة»، وقيام أمثالهم من الشباب في بلدان أخرى، ليس إلا صرخة اعتراض تُعبر عن اقتناعهم بعجز الجهات الرسمية عن مواكبة تطلعاتهم. وهم من خلالها يُبطنون تصورات ستظهر لاحقاً في الطرق الهادفة إلى معالجة الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بأساليب خلاقة ومُبتكرة.

تبني الباحثة ثقتها تلك على ما تشهده مُجتمعاتنا من تزايد في وتيرة أعداد المتخرجين في الجامعات، الذين سيرفدون مجتمعاتنا العربية بعائد ديموغرافي وازن، ويقوون مسارات العمل والإنتاج وتحفيز روح المبادرة والتفكير الخلاّق.

تتحدث في الفصل الثاني عن «الحرية» وتخلص بعد غربلة الآراء والاستطلاعات، إلى أن شباب العرب وتحديداً بُعيد الثورات العربية يتوقون إلى مؤسسات تعمل على محاربة الفساد والمحسوبيات.

وتُسلط الكاتبة الضوء في الفصل الثالث، على الأساليب التي يرى فيها الشباب العرب هويتهم بتعبيراتها الشاملة، فآراء الشباب العرب في شأن الدين والمجتمع وطموحاتهم المستقبلية، وطبقاً للمؤلفة، أكثر تقدمية مما يُقدّرها المحللون الغربيون، رغم وجود الآراء المتشددة عن الإسلام عند أقلية من السلفيين. ولكن الانجذاب الكثير من الشباب، ممن يؤمنون بقوة بالإسلام نحو مبادئ العدالة الاجتماعية، هو الذي يُعزز هويتهم الخاصة كمسلمين.

وتميل الباحثة في صوغ رؤاها ومفاهيمها واستنتاجاتها إلى معطيات وبحوث استقتها في جولاتها الاستطلاعية، عن ألسنة عينات مجتمعية تختلف في أهوائها وتطلعاتها، وتوجزها في سردياتها المتوالية عبر فصول الكتاب.

ونجدها تستنتج أن قيم الشباب العرب وهوياتهم، تختلف عن خاصية آبائهم وأجدادهم، من حرية اختيار الشريك، فإلى دور الدين في المجتمع، وإلى رفض الآراء المزدوجة عن هوياتهم، ثم رؤيتهم للمتغيرات السياسية والاجتماعية التي يريد أن يُحدثها من الأسفل إلى الأعلى. ووصولاً إلى عدم تجاهل تأثير الهويات الغربية في المنطقة العربية وتأثير الهويتين العربية والإسلامية في المجتمعات الغربية المتنوعة الثقافات، بالتوازي مع اختلاط الشباب العرب بهويات وشعوب في جميع أنحاء العالم.

Email