«العطر».. قصة حب قاتل

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بصدور رواية «العطر: قصة قاتل» عام 1985م، كان الروائي الألماني باتريك زوسكيند قد سطر واحدة من أروع الروايات التي احتلت المرتبة الأولى في قائمة الروايات الأكثر مبيعاً في ألمانيا خلال القرن العشرين، إذ بيع منها أكثر من 20 مليون نسخة عبر العالم خلال تسع سنوات متتالية، فضلاً عن ترجمتها إلى 48 لغة.

تدور أحداث الرواية في القرن الثامن عشر وسط المدن الفرنسية المشهورة بالروائح الذكية، فكما هو يتضح من اسم الرواية أنها تدور حول العطور والروائح، ومع قراءة الرواية يتضح للقارئ أنها لا تقف عند هذا الحد، وهو ما سمح لها بهذه الشهرة؛ حيث تحمل الرواية عديداً من الأفكار والاعتبارات.

البنية

تعتبر الرواية طويلة بحسب الروايات المعتادة في القرن العشرين، حيث تقدم في أربعة أجزاء موزعة على 51 فصلاً، ومن أهم مميزاتها خيوطها المرسومة بقوة ووضوح يمكن القارئ من استيعاب مراحلها وتصورها بصورة عميقة.

ويعيش القارئ في محطات الرواية، مراحل حياة بطلها جان باتيست غرونوي، كاملة وبتفاصيلها كافة، منذ يومه الأول وحتى وفاته في النهاية؛ وخلال رحلة حياته القصيرة يستعرض القارئ ملامح هذا الشاب قبيح المظهر، الذي يتمتع بحاسة شم فذة مكنته من أن يكون أنجح وأحذق عطار في عصره، بحسب الرواية؛ فغرونوي البطل الذي يعشق الحياة ويتشبث بها، بداية من صراخه كوليد، ما انفك أن أهلكه عشقه للحياة في النهاية دون هوادة.

الحبكة

تقوم الرواية على شخصية «غرونوي» المولود في 1738م في أحد أسواق السمك الباريسية، وهو يعتبر أبشع مكان؛ نظراً للروائح التي يخلفها من الأسماك المتنوعة، إذ تضع أم غرونوي وليدها في مكان مخفيّ وسط كومة من القمامة حتى لا يجده أحد؛ في محاولة للتخلص منه..

ورغم تمكن والدته من تخليص نفسها من مسؤولية الرضع الأربعة السابقين له؛ إلا أن الرضيع غرونوي كان أذكى منها هذه المرة، إذ مكنت صرخته النابضة بالحياة مسامع من في السوق لحمايته وإنقاذه والإمساك بأمه، وهو ما قادها إلى الإعدام بالمقصلة.

مع سنوات غرونوي الأولى تمثلت لديه حاسة الشم واجهته الأولى؛ حيث يستخدمها في كل شيء..حتى ينتهي به المطاف بدار أيتام السيدة غايار. في هذه الدار يشهد غرونوي من اليوم الأول حياة قاسية؛ حيث يكون طفلاً منبوذاً من جانب أقرانه.

تجتذب رائحة الشم غرونوي للعمل بها؛ إذ يعمل بمدبغة الدباغ جريمال، هذا الرجل الفظّ القاسي، ويتلمس القارئ أنه بعكس الدباغين الذين يتذمرون من روائح المدابغ فإن غرونوي يعيش بشغف وسط كنز من الروائح والاكتشافات الحسية.

حذق

في العادة، يرتبط العطر بالحب، وهو ما حدث مع غرونوي، لكن في هذه القصة لا يحب غرونوي فتاة لذاتها؛ وإنما لرائحتها، إذ تنشأ قصة حب من طرف واحد ما بين غرونوي وفتاة صهباء ذات رائحة مميزة يستطيع تمييزها ولا ينساها أبداً..ومع شغفه بأن يغدو أحذق عطار في العالم يبدأ رحلة جديدة إلى جبال كانتال التي يعتكف فيها بعيداً عن الناس الذين يكرههم ويكره روائحهم.

ينطلق غرونوي إلى مدينة كراس، عاصمة صناعة العطور في فرنسا، وبعد رحلته مع التقطير اللوني الذي كان يستخلصه من الحيوانات والمعادن وكل ما استطاع أن يستخلص منه روائح، وصل به حد السادية إلى استخلاص الروائح من البشر؛ عن طريق قتلهم لتكوين روائح مميزة أوصلته إلى قتل 24 فتاة عذراء من جميلات المدينة.

إذ عثرت الشرطة على الجثث محلوقة الرأس وعارية؛ حتى إنه تمكن من قتل فتاة حاول حدس أبيها الأمني حمايتها، إلا أن شغف غرونوي لم يقف حائلاً دون قتلها، واستخلص رائحتها لتكون أذكى الروائح.

مفاهيم

تفجر الرواية عدة مفاهيم، إذ تنطلق من شعور غرونوي بالعدمية رغم حياته وعمله في العطور ورغبته في إضفاء رائحة ما عليه؛ إلا أن عدم وجود رائحة له كان يدعم شعوره بعدم الوجود ومقت الآخرين من البشر.

كما يشير العمل إلى حالة الزيف المجتمعي، إذ إن غرونوي سينجو من إعدامه عن طريق تعطير الجماهير بإكسير الحياة، العطر، الذي يحيلهم إلى عالم من المجون والهذيان؛ حتى إن والد الفتاة الأخيرة المقتولة يركع له، بل ويتبناه، كل هذا رغم قبح غرونوي وما اقترفه من أفعال كارثية، ونجد أن تعطيره لنفسه وللجموع كان تعويضاً بأثر رجعي لما افتقر له من رائحة خاصة تميزه، كما هو حال باقي البشر.

غاية متأصلة

تشير الرواية إلى حالة الإنسان المجرد من مفهومي الخير والشر ولا يحركه إلا شغفه لما يؤمن به أو يرغب في امتلاكه في سبيل إثراء موهبته دون النظر إلى بعدي القيم والأخلاق، متخلياً عن الخصال الإنسانية كافة؛ فقتْل غرونوي للفتيات العذراوات وصاحب المدبغة وزوجته الذين عمل لديهم، لم تكن مجرد حادث عرضي؛ بل أمر غريزي متأصل في داخله.

بالنظر إلى خلفية طفولة غرونوي وتعامل من حوله معه على أنه منبوذ ونكرة ومقزز، جعله يتعامل بعدائية واستباحة لأجساد وأرواح الآخرين بغرض استخلاص روائحهم.

لا يغيب عن القارئ الفترة الزمنية التي يطرح المؤلف فيها الأحداث، حيث تعود إلى القرن الثامن عشر، وهي فترة تفشي الخرافات والأساطير وعصر ما قبل التنوير الذي قلب أوروبا كاملة رأساً على عقب.

في الأوبرا

2010

الرواية من الأعمال التي تتلاءم مع الأوجه الفنية المختلفة، فهي ملحمة تعتمد على معاناة الإنسان ومحاولته لاكتشاف ذاته أو إرساء وجوده في الأرض.

لذا قدمت في الأوبرا في عمل جال مناطق ودولاً كثيرة، لا سيما مع وجود مونولوجات عديدة تأتي على لسان البطل، وكذلك السرد، بجانب شخصية الفتاة الأخيرة ابنة الوجيه التي قتلها جان باتيست غرونوي، حيث تمثل حضور النسمة في ليلة صيف حارة من خلال مونولوجاتها وأغاني

ها في أوبرا "العطر.. قصة قاتل".

في المسرح

2015

لم يقتصر تحويل العطر إلى أعمال فنية على الأعمال الكلاسيكية ضخمة الميزانية؛ حيث جرت الاستعانة بها ضمن تجارب المسرح العالمي، ومن ضمن ذلك المسرح المصري؛ إذ عرضت على مسرح نادي الجامعة بمنطقة الشاطبي بالإسكندرية عام 2015، واستعين بطاقم للأداء والتنفيذ من الشباب. وفي العمل، قدم المخرج محمد أسامة عطا تحويلاً للرواية على خشبة المسرح، اعتمد على تيمات الرواية الأصلية وملامح الظلمة والحلم عبر الإضاءة والحركة.

إضاءة

باتريك زوسكيند. أديب ألماني. ولد في 26 مارس 1949 بأمباخ، وتمثل روايته الأولى «العطر: قصة قاتل» شهرته العالمية، لا سيما أن الرواية تحولت إلى فيلم سينمائي من إخراج الألماني توم تايكور عام 2006م، بعد أن اشترى الممثل الأميركي داستن هوفمان حقوق الرواية، لتحويلها إلى عمل سينمائي، بمبلغ وصل إلى 10 ملايين يورو.

في السينما

2006

رواية «العطر: قصة قاتل»، وجدت لها معادلاً في السينما عام 2006 من خلال فيلم ألماني الجنسية، يحمل عنوان الرواية ذاته، نقلها نقلاً صادقاً؛ معتمداً فقط على الصورة كوسيط وليس الكلمة، مع هذا، حافظ المخرج توم تايكور، على حالة الشاعرية والحلم المتوفرة في الرواية.

قدم الفيلم وحقق انتشاراً واسعاً كما حدث مع الرواية، وكانت مدته 147 دقيقة، وصور في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا.

Ⅶرواية للألماني باتريك زوسكيند ترجمت إلى 48 لغة وبيع منها 20 مليون نسخة

Ⅶتحكي عن حالة الإنسان المجرد من مفهومي الخير والشر ولا يحركه إلا شغفه

Ⅶاحتلت المرتبة الأولى في قائمة الروايات الأكثر مبيعاً في ألمانيا خلال القرن العشرين

Ⅶحكاية متكاملة تدور حول العطور والروائح.. لكنها تحمل عديداً من الأفكار والاعتبارات

Ⅶتفجر عدة مفاهيم.. وتنطلق من شعور غرونوي بالعدمية وتشير إلى حالة الزيف المجتمعي

Ⅶلا يغيب عن القارئ الفترة الزمنية للأحداث التي تعود إلى القرن الـ18.. فترة تفشي الخرافات

Email