سيمفونية برامز الأولى..لحن الفرح والأمل

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أن كتب المؤلف الألماني روبرت شومان مقالته الشهيرة، التي تحدث فيها عن عبقرية المؤلف الألماني الشاب يوهان برامز، كان الجميع في انتظار سيمفونية هذا الأخير، الأولى، فنقاد الأدب الموسيقي أرادوا سماع العمل لمقارنته بأعمال لودفيغ فان بيتهوفن.

وفي عام 1854، بدأ برامز الشاب، رسم المعالم الأولية لسيمفونيته الأولى، لكنه أدرك أنه ما زال بحاجة لدراسة معمقة أكثر في عوالم الكتابة الاوركسترالية، ذلك لأنه أراد أن يكتب شيئاً نبيلاً يرقى إلى سمعة وعظمة ذكرى بيتهوفن، فقضى أكثر من عشرين عاما في كتابة عديد من الأعمال الاوركسترالية الكبيرة، مثل: الجناز الألماني والكونشرتو الاول لآلة البيانو لتعزيز مهاراته في فن الكتابة الاوركسترالية.

العرض الأول للسيمفونية الأولى K مصنف رقم 68.. ومن مقام دو مينور، كان في عام 1876. وكان قد بلغ برامز الرابعة والأربعين من عمره، وبعد كل هذه السنين من الصبر والإعداد كانت النتيجة نجاحا مجلجلا واعترافا كاملا بعبقرية برامز، من الجمهور النقاد. فهدم حاجز الخوف من سطوة بيتهوفن لدى برامز الذي غدا المعلم الأكبر الجديد.

مؤلف عبقري

ولد يوهان برامز عام 1833، ومنذ السادسة من عمره بدأت تظهر عليه ملامح العبقرية الموسيقية. ونال في سن العاشرة إعجاب الجمهور الذي ارتاد حفلاته الكثيرة. وفي عام 1853 قدمه صديقه الموسيقي جوزيف يواكيم الى المؤلف العبقري روبرت شومان، الذي استضافه في بيته.

وانتقل برامز الى فيينا عام 1863، وكانت أعماله بدأت تعرف على نطاق واسع، وأهمها الجناز الألماني. ثم أتت المرحلة الأهم في حياته والتي تكللت بأربع سيمفونيات رفيعة المستوى. وتوفي في عام 1897 بعد أن ساءت صحته كثيراً. فدفن الى جانب بيتهوفن وشوبرت.

اتحاد عباقرة الموسيقى

مقدمة الحركة الأولى في العمل، واحدة من أكثر المقدمات إثارة للدهشة في الأدب السيمفوني. فضربات الطبول هي الدعامة الأساس والنبض القدري البيتهوفني، الذي تتكئ عليه الأوركسترا لتشد بنيان اللحن الصاعد والهابط في آن واحد. إذ يستولي على انتباه المستمع ويبقى محفوراً في الذاكرة. فهو يذكرنا بمشاعر الحزن في بداية عمل العبقري باخ (الآلام حسب متى). وتظهر آلة الاوبوا في لحن وكأنها كائن بشري يتوسل الرحمة، ثم تتوالى الآلات كلها في التضرع. لكن القدر يعود ليحكم قبضته على مجرى الأمور. فنراه يتوارى ليستمع الى التوسل والنقاش البشري، ليظهر عظمة سلطانه وعمق أثره على حياة الإنسان.

تأملات جمالية

تبدو الحركة الثانية محاولة لإبعاد الروح عن الجدال والاسئلة القدرية، إذ نرى المؤلف، في بدايتها، يستخدم الاوركسترا كجوقة لحنية مرهفة جداً تنضح بالشغف والغنائية والتأمل كتلك التي كان يوظفها أستاذه شومان في أعمال البيانو القصيرة. وفي القسم الاوسط تبرز مشاعر الحنين في لحن شديد الحساسية، حيث تتناوب آلتا الاوبوا والكلارينت على رسم منمنمات لونية غاية في الليونة تذكر المستمع بفرانز شوبرت. ثم يطير الكمان عالياً محلقاً بشفافية شديدة الى فضاءات جديدة.

ابتسامة وسط الدموع

يبرز لنا برامز، في الحركة الثالثة، وجهاً آخر من المشاعر الايجابية الحساسة وكذا من المرونة النبيلة. فتبدأ آلة الكلارينت النفخية، وبهدوء، غناء لحن انسيابي رشيق جميل التصاعد تعيد الوتريات اداءه بنكهة مختلفة تذكرنا بلغة روبرت شومان المرهفة. لكن لا بد من بعض المواجهة الوجدانية هنا، إذ نجد الأسئلة القدرية تجد طريقها مجدداً الى الألحان فنسمع بعض اللهاث الايقاعي والسجال بين آلات الاوركسترا. لكن دون اصرار من المؤلف الذي أراد أن يكون أكثر ايجابية في هذا القسم من السيمفونية.

الفرح ينتصر

وجد برامز في الحركة الرابعة الحل لما اعتبره مشكلة السيمفونية في القرن التاسع عشر، ألا وهي أن أغلب المؤلفين كانوا أكثر ميلاً لوضع كل قواهم وأفكارهم الوجدانية الفلسفية في الحركة الأولى. حركة برامز الرابعة أتت مختلفة لأن كل شيء وضع على المحك هنا، فهي أطول حركات العمل ونتيجة لتكاثف درامية الحركات الثلاث السابقة.

يضعنا المؤلف، منذ البداية، في مواجهة مخيفة أمام موجةٍ دراميةٍ عاتية من التساؤلات القدرية التي تعود بنا الى ذلك التوتر الذي ظل بدون حل في الحركة الاولى، لكن الأمل يبزغ عن طريق نداء آله الهورن التي تنبئ عن بداية فجر جديد يطل. إنه لحن فيه الكثير من رنين بيتهوفن في نشيد الفرح، فتشدوا الوتريات بجلال ونبل لحن الأمل الذي سيصبح اللحن المحوري لهذه الحركة.

يعود برامز الى فرض جو من الجدلية القدرية فتتعالى الاسئلة الوجدانية مجددا، وتتوالد نقاشات لونية جديدة يكسرها من جديد نداء الأمل، ويعود برامز بعده لفرض توتر درامي لتأكيد الصراع الأزلي بين الانسان وذاته، لكنه ينتصر في نهاية اوركسترالية مدوية لقدرية الأمل والفرح.

في السينما

1968

كثير من المخرجين وجدوا في موسيقى هذه السيمفونية، ما يعزز أفكارهم الفنية، ومنهم: المخرج التشيكي كاريل راسيغ، الذي كرس موسيقى برامز لتوضيح الصراع مع القدر في فيلمه الشهير ( ايزادورا)، الذي روى قصة حياة اسطورة الباليه ايزدورا دنكان.

1980

المخرج الهنغاري بيتر ميداك، استخدم موسيقى السيمفونية الاولى، لإضفاء مزيد من الشفافية على فيلمه «الاستبدال».

في الفنون الجميلة

1966

جسد الرسام الفرنسي رينيه رونوبا، انطباعاته بعد سماعه لهذا العمل العبقري، فصور برامز وقد توج بالنجاح بعد الأداء الأول له.

2013

الرسام الانجليزي مارك ويلبو، عبر عن فهمه الخاص للسيمفونية من خلال لوحة انطباعية فريدة انجزها، امتلأت بالصراعات والتساؤلات التي طرحها برامز في هذا العمل.

Email