غويا جماليات الرسم في خدمة الحقيقة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

(عندما يكون الأشخاص مجموعة صم أمام نداء العقل، يتحوّل كل شيء إلى خيالات. كما أن نوم العقل يُنتج الوحوش). تلك المقولة والرؤية جسدها الفنان التشكيلي الإسباني الشهير فرانسيسكو دي غويا في أعماله الفنيّة التي أطلق عليها عنوان (النزوات) وأخذت طريقها إلى كتاب (غويا في النزوات) الذي ألفه وأعده أستاذ مادة الحفر المطبوع في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق د. عبدالكريم فرج، إذ رصد الكتاب، وهو من إعداد ج.

مدبك وراتب أحمد قبيعة، مسيرة هذا الفنان الذي شكّل علامة بارزة في تاريخ الفن التشكيلي العالمي، وكانت ولا تزال أعماله الفنيّة التي أنجزها (تجاوز عددها 700) موضوع بحث وتحليل، لما حملته من إضافات مهمة، سواء على صعيد تقاناتها، وأساليب صياغاتها، أو على صعيد موضوعاتها التي كانت شديدة الالتصاق، بما شهدته إسبانيا خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، من تعايش فلسفة التنوير (التي انتشرت بين الفئات الموسرة) مع المعتقدات المرتكزة على كل ما ينافي الفكر السليم (التي انتشرت بين الفئات الفقيرة) رغم جهود بعض المتنورين لإزالة ضباب العتمة والتعتيم الذي كان يغلف روح الشعب الذي ظل أفراده يؤمنون بوجود السحرة والمنجمين وقارئي البخت، والأشخاص الذين يتلاعبون بعقول الناس باسم الدين والمعتقدات المسيحيّة.

 وكان غويا يشعر بنفور شديد من هذه المخلوقات الخياليّة، واحتل هذا النفور مساحات كبيرة في أعماله الفنيّة التي أنجزها خلال مسيرته الطويلة.

البدايات

ولد غويا في فينديتوس (سرقسطة) لأب بسيط يدعى (خوسيه) يعمل في مهنة التذهيب. حينما بلغ الرابعة عشرة، بدأ تمارينه في التصوير، وكان يرسم في ذلك الوقت رسماً مألوفاً لعصره. ولا يُعرف الشيء الكثير عن طفولته ودراسته، لكن يُعتقد أنه التحق بمعهد فني كان يديره الرسام خوسيه لوزان.

وعندما بلغ غويا سن السابعة عشرة رحل إلى مدريد للاشتراك في المباراة التي أقيمت في الأكاديميّة للفنون الجميلة في سان فرناندو. وفي العام 1786 التحق بالقصر ليكون رساماً في خدمة البلاط. وفي 1790 انتخب عضواً في أكاديميّة الفنون الجميلة في (فلنسيا).

وكانت السنوات القليلة الأولى في القرن التاسع عشر، سنوات هادئة بالنسبة لغويا. ففيها استمر في تصويره وجوه أسر النبلاء الإسبان، وكان في الوقت نفسه ينجذب أكثر للأحداث السياسية في بلده، لا سيّما حرب الاستقلال الوطني.

وحين انتهت الحرب كان غويا قد أنجز لوحته المشهورة (إعدامات الثالث من مايو) عام 1814. وأخذت الصعوبات تكدر حياته، غير أنه شعر بعودة الحياة إليه بعد حلول السلام في ربوع إسبانيا، فبدأ برسم مجموعتين من الرسوم غير الاعتياديّة حملتا عنوان (مصارعة الثيران) و(أمثلة) سعى من خلالهما إلى تعلم الأساليب الجديدة للطباعة الحجريّة (الليتوغراف).. ولكنه لم يتمكن من تحقيق ذلك إلا في مدينة (بوردو) عندما تمكن هناك من طباعة مجموعة (مصارعة الثيران).

في فن الحفر

حصل غويا على خبرات واسعة في التقانات الغرافيّة ذات الأصول الفرنسيّة في فن الحفر مثل (صبغة الماء)، معتمداً على إمكاناتها في شائعة الحس التصويري والتدرجات اللونيّة، ولا سيّما فيما يتعلق بتأثيرات النور والعتمة، والتي أولاها اهتمامه البالغ.

وتكرّست وتطورت هذه الخبرات لديه، حينما أعاد حفر بعض أعمال التصوير للفنان فلاسكيز، ووظّف خبراته التقانيّة في مجموعة محفوراته المشهورة (النزوات).

وأبدع غويا 4 مجموعات مشهورة محفورة ومطبوعة، هي: النزوات، الأمثال أو الحماقات، ويلات الحروب، صراع الثيران. النزوات

تعتبر مجموعة النزوات أهم هذه الأعمال، وتعني في مضمونها تصورات لا تحدها قوانين واكتشافات أو نزوات أو بدع، وهي تحمل كل هذه المعاني لإغراقها في طرح صور تتخطى بجرأتها كل الحدود، وخصوصاً في قدرتها التعبيريّة على فضح عيوب المجتمع الإسباني في ذلك الوقت.

نُشرت هذه المجموعة للمرة الأولى عام 1799، وترافقت مع تردي صحة غويا وإصابته بأمراض خطيرة، غير أن (النزوات) خرجت إلى النور في فترة كان فيها يتماثل للشفاء، ولا شك أن ولادة المجموعة كانت مرتبطة بقلقه العاطفي الذي غمره بالألم من خلال علاقته بدوقة (ألبا) عام 1796. ونفذ غويا الرسوم الأوليّة للنزوات بالفرشاة والحبر، وحُدد تاريخ بداية تنفيذها في 1794.

وأكّد البعض أن النزوات ولدت بفضل موهبة خارقة، إذ تمكنت من اجتياح نصف العالم، وغاصت في أعماق القلب الإنساني، واستطاعت أن تقدم أسلوباً خاصاً بها في 80 عملاً هجائياً لاذعاً.

محفورات إبداعيّةكان غويا مدركاً للطاقة التي ينطوي عليها فن الحفر كتقانة فنيّة، وكمنهج للتعليم، ووسيلة من وسائل النشر. وبقي عشرين سنة يرسم رسوماً ساخرة مشحونة بالدهاء والفطنة، وفي النزوات على وجه التحديد، قدم إنسانه وهو يتلقى الضربات، ولكنه بقي صامداً، متحدياً، محتجاً، ومتمرداً، ورافضاً لأقداره.

وهكذا شكّلت النزوات رسالة فلسفيّة بصوغ فني جديد قطع آخر صلاته مع الجماليّة الكلاسيكيّة بتنسمه ذروة التعبير الصارم والعنيف. ولافت انه تمكن غويا من إدخال علم (الخيال الواهم) إلى عالم الواقع بقوة تمثيليّة هائلة.

نهاية

في لوحاته الأخيرة قبل وفاته، باشر غويا إظهار المفهوم الجديد للرسم الذي دعا إليه الانطباعيون. رسم لوحة (لا أزال أتعلم) وأظهر فيها رجلاً كهلاً تشع من وجهه حيويّة روحيّة كبيرة، وأصابته آنذاك، نوبة مرضيّة أخرى، كانت الأشد بين النوبات التي كان يتغلب عليها.

وهرع حفيده وحفيدته إلى سرير مرضه، خشية أن يكتب جدهما وصية جديدة لصالح صديقته ليوكاديا وأولادها. عند الساعة الثانية صباحا في 6 أبريل 1818 لفظ غويا أنفاسه الأخيرة بين ذراعي صديقه خوسيه بيو دي مولينا، والرسام الشاب أنطونيو بروغادا بمدينة بوردو.

تاريخ لم يكن غويا يبحث عن الجمال فقط بل عن الحقيقة. وبالنسبة إليه كان الرسم أحد أشكال الاعتراف: الاعتراف بالحقيقة الداخليّة، لكن أيضاً بالعالم الخارجي.

لم يطلعنا تاريخ فن التصوير على فنان صوّر تاريخ بلاده تصويراً صادقاً كما صوّره غويا. ففي لوحاته يقرأ الشعب الإسباني تاريخ إسبانيا في أدق مراحلها، وفي أصعب حقبة من تاريخها.

ازدواجيّة الموقف

اتهم غويا بازدواجية الموقف السياسي، إذ أعلن ولاءه للملك الفرنسي جوزف بونابرت، وأصبح رسام قصره، ولكن هذا الولاء جعله مداناً بعد تحرير إسبانيا، وعودة الملك فرديناند السابع عشر، فأحيل للمحاكمة، ولكن الملك الإسباني قال له: إنك تستحق الاعتقال والنفي، ولكن كونك فناناً كبيراً، فإننا نصفح عنك.

في السينما

1958

(المايا العادية) – إخراج هنري كوستر، بطولة أنطوني فرانشيوزا وآفا غاردنر.

1971

(غويا) إخراج الألماني كونراد وولف.

1999

(غويا في بوردو) إخراج الإسباني كارلوس ساورا، تمثيل فرانسيسكو رابال.

1999

«فالافيرونت»: (Volaverunt) إخراج فيباس لونا_ عن رواية أنطونيا لاريتا.

2006

(أشباح غويا) إخراج التشيكي الأصل ميلوش فورمان.

في الموسيقى

1954

استلهم كاستيلنوفو - تيديسكو (1895-1968) عملاً موسيقياً من مجموعة أعمال حفر أبدعها غويا.

في الأوبرا

2000

هناك مجموعة أعمال أوبرالية عن غويا : الأولى للإيطالي مينوتي، الثانية للأميركي موري يستون (حياة في أغنية)، آخرها للإنجليزي مايكل نيمان بعنوان (مواجهة غويا) عام2000.

كتب حول غويا

2005

كتاب (فرانسيسكو غويا) للمؤرخ والناقد الفني إيفان سني كونيل.

194

كتاب (غويا في ظل التنوير) للمفكر الفرنسي من أصل بلغاري تزفيتان تودوروف.

1986

(غويا) للناقد روبرت هيوز.

1984

(صورة الفنان التشكيلي في السينما) للكاتب السوري محمد عبيدو.

1974

برزت أعمال توثيقية وبحثية شاملة ومتنوعة حول الفنان، في مختلف بلدان العالم، وكان هذا التوجه كبيرا ومتميزا خلال حقبة سبعينيات وثمانينيات القرن الفائت، بشكل خاص.

Email