كازو إيشيغورو: آمل ألا يسطر منحي جائزة نوبل نوعاً من النهايات

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا جدال في أن ردّ كازو إيشيغورو، الكاتب البريطاني المدرج أخيراً في قائمة الحائزين جائزة نوبل للأدب، حين قال: «كنت أعتقد خبر فوزي بنوبل ملفقاً، ولو كنت أعرف أنه حقيقي لكنت استعددت بغسل شعري على الأقل»، لا يشبه تعليقه على كتابة إحدى رواياته: «كنت مستعداً تماماً لأمر تصعب عليّ الكتابة عنه». لكنه كان في الحالتين، ومن دون شك، بقي على أهبة إبهار قارئيه ومعجبيه ومترجمي أعماله، ففي الأولى حين خرج بلباقة من عزلة انغماسه في كتابة رواية جديدة عقب تأكيد خبر نيله جائزة نوبل، وتدفق الصحافة سيلاً من الأسئلة والصور الفوتوغرافية. والثانية حين أبهر العالم بأعمال كرسته واحداً من الروائيين المستحقين عن جدارة.

لخص كازو بعينين وامضتين مليئتين بالحيرة، الموضوعات التي أمضى حياته يفكر فيها ويجهد في عدم اختيارها بالقول:«إنها الطريقة التي تتذكر بها الدول والأمم والشعوب ماضيها، وعدد المرات التي يلجؤون فيها لدفن ذكريات الماضي المزعجة». وتحدث لصحيفة «غارديان» البريطانية واصفاً تلقيه خبر فوزه بجائزة نوبل للأدب للعام 2017، فكشف أنه، وبينما كان يجلس إلى طاولة مطبخه في «غولدرز غرين» في لندن، حيث كان على وشك تناول فطور متأخر، تلقى اتصالاً من وكيل أعماله. وتابع: «ظننت أنهم سيخبرونني بأن أحداً لم يسمع شيئاً عن الموضوع. لم يكن حدثاً أتوقع حصوله أبداً، وإلا لكنت غسلت شعري هذا الصباح.. اتصل بي وكيل أعمالي ليقول إنه يبدو أنهم أعلنوا فوزي بالجائزة. لكن هناك الكثير من الأخبار الملفقة اليوم بحيث يصعب من أو ماذا نصدق لذا لم أصدق إلا حين بدأت اتصالات الصحافيين وانتظارهم طوابير خارج منزلي».

فخر

وأعرب إيشيغورو المولود في ناغازاكي باليابان قبل انتقاله بعمر الخمس سنوات لبريطانيا، عن «شعوره بعارم الفخر» لنيل الجائزة، مشدداً على كمّ الأمل الذي يحدوه بأن تشكل قوة دافعة للخير في زمن الاضطراب العالمي. وأشار في معرض تعليقه إلى «أننا نعيش فترة غريبة من الزمن، فقدنا معها ثقتنا بالسياسة. ولم نعد على يقين بنوع القيم التي نتحلى بها. وأضاف: وأنا آمل أن يساهم فوزي بجائزة نوبل، بما من شأنه أن يبعث السلام والنوايا الحسنة، وأن يذكرنا بالطبيعة العالمية، وبوجوب تقديم إسهامات من مختلف أصقاع الدنيا.

استحقاقات

ويبرز صاحب روايتي»العملاق المدفون«و»بقايا النهار«، الأيقونتين في عالم الأدب ضمن طائفة من الأدباء اللامعين، بحيث شكل اختياره مفاجأة. وقد أقر بأن واحدةً من أوائل الأفكار التي خطرت له تمحورت حول مؤلفين أحياء يقفون على مسافة مساوية لاستحقاق الجائزة. وهكذا كان تعليقه حين قال: جزء مني يشعر أنه نصّاب فيما الجزء الآخر لا ينتابه ظن أقل سوءاً، لكوني سبقت إلى الجائزة كتّاباً آخرين. وسرعان ما احتلت مخيلتي صور هاروكي موراكامي ومارغريت آتوود وكورماك ماكارثي. وفكرت أن منحي»نوبل للأدب«قبل هؤلاء، نوع من الصفاقة من قبلي. وهكذا يحدوني شعور جانبي بأني لا زلت شاباً كثيراً لنيل جائزة بهذا القدر. لكني سرعان ما أدرك أنني في الثانية والستين، بما يعني أنه المعدل العمري المناسب للفوز على ما أفترض.

قلق

إلا أن أية مخاوف من أن يخلق فوز إيشيغورو احتكاكات ما في الوسط الأدبي، سرعان ما بدّدتها تهنئة عدد من الزملاء.

وقد أعرب إيشيغورو المنهمك في كتابة أحدث رواياته، إضافة لانشغاله بعدد من مشاريع الأفلام والمسرح والروايات المصورة، عن قلقه إزاء عبء الشهرة المشتت الذي تجلبه جائزة من طراز نوبل للأدب وتأثيرها على كتابته، متمنياً ألا «تسطّر نوعاً من النهايات». وقال: خضت أثناء صراع الكتابة الروائية معارك على جبهتي، مطالب شخصية المؤلف العامة المشهورة من جهة.. وإيجاد الوقت والمكان للقيام بالعمل الفعلي من جهة أخرى، لذا آمل أن يستمر تدفق العمل ذاته بالطريقة التي كان عليها بالأمس.

وسجل الكاتب، إضافةً إلى ذلك، عددا من التمنيات، منها، ألا يصاب بالكسل أو اللامبالاة.. أو يتغير أسلوب عمله، وألا يعرض عنه قراء جيل الشباب بسبب الجائزة، مشيراً إلى أن طلاباً في صفوف شهادة الثانوية العامة يقرؤون كتبه، وأنه يشعر بالفخر لأن لديه هذه الشريحة من الجمهور.

ثناء

ولم يخف الكاتب البريطاني نيل غيمان، شعوره بالبهجة الخالصة بسماع خبر فوز كازو إيشيغورو الذي وصفه بالروائي الجيد والجدي والذكي والمثابر. واعتبره شخصاً لم يخش يوماً من معالجة الموضوعات الكبرى، أو دخول عالم الخيال العلمي كما في»لا تدعني أذهب أبداً«، أو الفانتازيا في»العملاق المدفون«وتسخيرها كناقلات لأفكاره. وأشاد بالخيار الذكي والمتجدد الذي أقدمت عليه لجنة جائزة نوبل، مبدياً تخوفه من أن يبعد الفوز»إيش«عن طاولة الكتابة.

وأثنى شاعر البلاط البريطاني السابق على فوز كازو بالجائزة قائلاً:» يحمل عالم إيشيغورو المتخيّل فضيلة وقيمة عظيمتين تجعلانه متفرداً بقوة ومألوفاً بعمق في آن معاً، في ظلّ جوّ من الحيرة والعزلة والترقب والتهديد والتعجب. كيف يفعل ذلك؟ يلجأ، من ضمن أمور أخرى، إلى إرساء رواياته على مبادئ تأسيسية تجمع بين نوع متأنق من التحفظ توازيه تلميحات نابضة من الدفق العاطفي. إنه لمزيج ساحر ومميز، ويذهلنا أن نراه مقدراً حقه من قبل هيئة منح جائزة نوبل.

وطبعاً، تأتي مثل هذه الإشادات في ظل واقع أنه يساوي الفوز بجائزة نوبل للأدب، الحصول، وبالإضافة إلى القيمة المعنوية، على مبلغ تسعة ملايين كورونا سويدية. وقد تحدثت سارة دانيوس الأمينة العامة الدائمة للأكاديمية، إلى إيشيغورو عقب ساعة تقريباً من الإعلان عن اسمه كفائز، فنقلت انطباعها عنه بالقول: إنه بالطبع شخص ساحر، ولبق وموزون. وقد أعرب عن عميق امتنانه وفخره، وأكد أن تلك أعظم جائزة يمكن الحصول عليها. وجدته شخصاً يهتم جداً بالماضي لكنه لا يكتب على طريقة بروست، ولا يستعيد الماضي، بل يستكشف ما عليك نسيانه لتنجو في المقام الأول كفرد وكمجتمع. وختمت بالقول: لقد اخترنا ما نعتقد أنه الروائي الأكثر تألقاً.

Email