تغيرت أولويات ترتيب الأخبار فصعدت قضايا وهبطت أخرى

«الخريف العربي» أربك المعايير المهنية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

فرضت الاضطرابات الأمنية في المنطقة وتفجر ثورات وانهيار العديد من الدول تغيراً في طبيعة الوظيفة الإعلامية في المنطقة، حيث تغيرت أولويات ترتيب الأخبار وصعدت قضايا وهبطت أخرى، وفيما كان الخط التحرير لوسائل الإعلام في السابق يتحدد وفق قضايا محددة، وتنأى بنفسها قدر الإمكان عن الشؤون الداخلية العربية، فإن موجة «الخريف العربي» غيرت من هذه المعادلة، على الرغم من أن النظم السياسية تسعى غالباً وخاصة في الوطن العربي في فرض الهيمنة والسيطرة على وسائل الإعلام للتغاضي عن دوره في مراقبة النظام وكشف أخطائه وانتقاده، أو تشديد الخناق على وسائل الإعلام.

وأكد إعلاميون أن تناول القضايا الحساسة عن طريق الإعلام يعتبر سلاحاً ذا حدين إذ إنه قد يؤدي إلى واحد من الاثنين، إما الانجذاب له أو النفور منه، حيث إن الترويج لفكرة الإرهاب عبر وسائل الإعلام لم تحد منه، وإنما فاقمت من ظهوره على السطح. كما أن الإعلام المخادع يخاطب الرغبات الجسدية، وليس الروحانية وهذا يجعل المتلقي ضعيفاً ويسهل السيطرة عليه بشكل كامل.

تضرر المعايير

بداية يقول الإعلامي في قناة العربية، حسن معوض، إن وظيفة الإعلام هي نقل المعلومة، وإيراد وجهة نظر كافة الأطراف المعنية.

ويلفت إلى أن طبيعة الأحداث غيرت بعض الأسس، فما يحدث في سوريا مثلاً أفرز طرفين نقيضين إعلامياً، بالتالي هي قضية سياسية في الأصل والإعلام هناك ليس مستقلاً عن الحدث والترويج لوجهة نظر سياسية. هذا الأمر ينطبق على الدول الأخرى التي تشهد اضطرابات.

ويؤكد معوض أن تفجر الأحداث تضرب حالياً من المعايير المهنية الأساسية للإعلام. فحجم الأحداث كبير، وكذلك حجم الأخطاء التي تحدث. ويلفت إلى وقوع وسائل الإعلام في فخ الترويج لتنظيم «داعش» عبر تركيز الأخبار على الحدث الذي يصنعه التنظيم، وهو تنظيم يعيش على الاستعراض الإعلامي، ومن دونه ليس بهذا الحجم الذي يتم تصويره. ويردف: «إن التدفق السريع للأخبار، وسيادة «الخبر العاجل» على الشاشات وتمحور التنافس حوله يجعل المعايير الإعلامية المهنية تنحدر بشدة».

ويقول معوض إن المطلوب حذر أكبر في تناول أخبار «داعش»، لأن الأخطاء التي تحدث هي غالباً ناتجة عن تقليل المخاطر من بث أحداث يظهر فيها التنظيم قوياً.

أما بخصوص دور الإعلام في الاستقرار والأمن، فيرى الإعلامي في قناة «العربية» أن وسائل الإعلام ليست حكومات، لكنها تساهم في الاستقرار إذا اتجهت الأوضاع فعلاً للاستقرار. وإذا كانت العدالة الاجتماعية معدومة فإن الإعلام لا يستطيع تصوير الوضع لفترة طويلة عكس ذلك. ويختتم بالقول: «لسنا في وضع طبيعي مطلقاً على صعيد ما تشهده المنطقة، والإعلام سيكون انعكاساً لهذا الوضع أيضاً».

السبق الصحافي

بدوره، يرى الإعلامي ومدير شركة «ميلتينغ بوت» للإنتاج الإعلامي، نجيب بن شريف، إن عدم خضوع وسائل التواصل الاجتماعي لقوانين مكافحة الكراهية يشكل باباً واسعاً للإرهاب والتحريض على العنف. ويلفت إلى أهمية قرار الحكومة البريطانية في مكافحة الحسابات التي لا تلتزم بهذه المعايير.

ويرى بن شريف أن معايير التوازن الإعلامي باتت نادرة في مناقشة القضايا الرئيسية مع حجم الأحداث في المنطقة.

ويضيف بن شريف أن مسألة «السبق الصحفي» تقف وراء الكثير من ضرب المعايير المهنية للإعلام. هناك وسائل إعلام لا يهمها السبق بقدر ما يهمها المصداقية والدقة وعدم الوقوع في الخطأ، وهذا ما زال منهج قناة «بي.بي.سي» على حد تعبير بن شريف الذي عمل سنوات في القناة البريطانية. ويقول إن مشكلة الأخبار الزائفة باتت تنتشر بقوة نتيجة تسابق وسائل الإعلام على السبق الصحفي من دون تحقق جدي من المصدر، حتى لو كان المصدر الأول للخبر المفترض وسائل التواصل الاجتماعي.

الدور التنويري

من جهة أخرى أكد الكاتب والإعلامي الجزائري مدني عامر أن الإعلام لن يستطيع أن يقوم بدور فاعل في مواجهة الإرهاب إلا إذا قام بدور معرفي ودور تنويري. والدور المعرفي يتمثل أساساً في التشخيص الدقيق لظاهرة الإرهاب والدور التنويري هو المساهمة بشكل فعال في إقناع الشباب بمخاطر الإرهاب وكسر كل محاولات تجنيدهم في صف المتشددين.

وأشار إلى أن وسائل الإعلام تمثل العمود الفقري في مواجهة الإرهاب، حيث أصبح لها التأثير الأقوى على الشعوب بشكل عام وعلى الشباب بشكل خاص، حيث استطاعت خلال العقد الأخير أن تبسط سيطرتها من خلال وسائل الاتصال الحديثة.

وفي رده على سؤال كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تواجه المهمّة المعقّدة المتمثلة في إقامة توازن بين واجبها في إعلام الجمهور، والخطر في أن تصبح أدوات في أيدي الإرهابيين؟، قال مدني عامر إن القواعد الأخلاقية التي ينبغي أن تُطبق على أي معلومة عند التعامل مع الإرهاب هي الحذر والانضباط، بسبب غموض الحقائق والمصادر والتي يصعب غالباً تحديدها في نطاق التلاعب بالرسائل.

مشيراً إلى أن بعض التغطيات الإعلامية عن العمليات، وتضارب المعلومات والأخبار والقصص حولها إلى بث بعض من البلبلة والغموض.

وأكد أن الإعلام قادر على الحفاظ على الأمن القومي ومواجهة العناصر المتطرفة والإرهابية لاستئصالها من المجتمع. من خلال إعطاء المجال للعناصر المعتدلة حتى يسود خطابها في المجتمع، مع التركيز على الوسطية.

Email