في قصيدة جديدة لمحمد بن راشد تعكس عمق الإخاء وحسن الديباجة

محمد بن زايد.. شيخْ الشبابْ وسيد الوقتْ

ت + ت - الحجم الطبيعي

 لقراءة "القصيدة" بصيغة الــ pdf اضغط هنا

 

بدءاً من ميسم القصيدة «شيخ الشباب»، يأخذنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، عبر قصيدته الجديدة «شيخ الشباب» في فضاءات رحبة من المعاني البراقة والمجتمعة في الوقت ذاته، بما يولد جملة أسئلة تقيم كلها تحت ظلال اللغة الباذخة وفي ثنايا عروقها النابضة تأويلاً ودلالة وإيحاءات بلا نهاية، ولذلك ربما يحق لنا أن نتوقف طويلاً لنتأمل منطق تركيب الجملة الموحية «شيخ الشباب»، لنبدأ محاولات مقاربة المقصود، هل يعني الشاعر بها: أمير الشبان؟ أم يعني عز الشباب قمته؟.. وهكذا نراوح في الأسئلة الفنية إلى أن نكتشف في نهاية المطاف أن الاحتمال الأرجح لتعبير «شيخ الشباب» هنا إنما هو «سيد الوقت وأمير السنوات»، ذلك الأمير الذي يوجه الزمن ويكيّفه بالخير والإيجابية والحماسة الشابة، أكثر من أن يسيطر الزمن عليه بلياليه، بدليل قول سموه في البيت قبل الأخير من قصيدته محل التأمل:

شيخْ الشبابْ وسيد الوقتْ دايمْ

                              جيدومنا ولكلْ عادي نِعدّهْ

لقد جادت قصيدة «شيخ الشباب» بغيث هتون من نعوت المدائح الثرة والأثيرة التي توجه بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى أخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بما يعكس آيات من روح المحبة والتوافق المنقطع النظير بين القائدين، في مرحلة مهمة من مراحل البناء الوطني، وحيث يد الإمارات تبني المجد وتعززه بالمكرمات والقيم الرفيعة والابتكارات التي ظلت تذهل العالم يوماً إثر يوم، وما كان ذلك ليتأتى لولا هذه الروح الجميلة التي تجسدت في وحدة النسيج على مستوى القيادة وفي تفاصيل البلاد والمجتمع الإماراتي.

قصيدة «شيخ الشباب»، التي نشرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أمس، يمكننا قراءتها ضمن خمسة محاور أساسية، تتفرع منها شتى الأغراض السامية، وهي: أولاً تأملات في روح الشباب ودورها الفعال باتجاه التغيير نحو الأفضل والأقوى، والمحور الثاني دعوة التاريخ لتوثيق التجربة الإماراتية الفريدة ومنجزاتها، والثالث يدور حول صفات زايد التي انتقلت إلى ابنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، وأما المحور الرابع فيتلخص في ميثاق الوحدة الإماراتية التي باتت مضرب الأمثال ومثار الفخر والاعتزاز، ثم المحور الخامس المتعلق بسجايا ومزايا الممدوح المكنى هنا بـ«شيخ الشباب».

روح الشباب

ضمن هذا المحور، يعلي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم من شأن الشباب، بوصفه مرحلة عمرية مهمة، عليها التعويل والأمل، كلما طمحت أمة إلى العلا وإلى صد العدوان وتغيير الظروف إلى الأفضل، ولذلك فإنه بدأ بها وامتدحها منذ استهلال القصيدة تمهيداً لغرضه الذي ينبني ويقوم على أساس هذا التمهيد: روح الشباب، الحرة المتحمسة لتحدي الصعاب، والتي هي مدخرة لأجل الأمور العظام. يقول سموه:

روحْ الشَّــــــــــــبابْ إبْهــــــــــــا وقُـــــــــــودْ العزايـــــــــــمْ

                                             مِتْحَفَّـــــــــــــزهْ ووقـــــــــــــتْ العطـــــــــــــا مِســـــــــــــتِعِدِّهْ

إنعِــــــــــــــدَّها لأجــــــــــــــلْ الأمــــــــــــــورْ العظـــــــــــــايمْ

                                            لاتخـــــــــافْ مـــــــــنْ مخطِـــــــــرْ ولاتخــــــــافْ شِــــــــدِّهْ

حِـــــــــــــرَّهْ ومندَفْعِــــــــــــهْ تقِــــــــــــصْ الصَّــــــــــــرايمْ

                                            الشُّــــــــــوكْ مــــــــــنْ قِــــــــــوَّة وحاهـــــــــا تِحَصـــــــــدهْ

إتـــــــــــدَوِّرْ الكايـــــــــــدْ مــــــــــا تَبغــــــــــي الــــــــــولايمْ

                                            سيــــــــلٍ جــــــــرىَ فــــــــي ليــــــــلْ ماشَـــــــيْ يحـــــــدِّهْ

بهـــــــــــــا طمـــــــــــــوحْ وعزمهـــــــــــــا دومْ قــــــــــــايمْ

                                            ولاتحــــــــــــــــــــــاتي للأمـــــــــــــــــــــورْ المِلِـــــــــــــــــــــدِّهْ

وشـــــــــــــــبَّاننا إبهـــــــــــــــمْ ننـــــــــــــــالْ الغَنــــــــــــــايمْ

                                            هـــــــمْ للـــــــوِطَنْ حِصـــــــنهْ وهـــــــمْ طيـــــــرْ سَعْــــــدهْ

وفي الحقيقة، فإن الإمارات لم تدخر جهداً ولا فكراً ولا مالاً من أجل رعاية الشباب وتوجيه جذوة روحه المتقدة في سبيل تحقيق الإيجابية واستثمار تلك القوة الفاعلة لمصلحة الوطن وأفعال الخير بمختلف صنوفها ووجوهها، ومن هنا يأتي قول سموه صحيحاً ومتسقاً مع تلك المعاني العوالي، حيث يقول: إنعدّها لأجلْ الأمورْ العظايم، بما يشي بالإرادة والتخطيط والعزم، وليس مصادفة هكذا، حتى تكون تلك الروح الوثابة «متحفزة ووقت العطا مستعده».

دعوة التاريخ للشهادة

في هذا المحور، يدعو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد التاريخ ليؤرخ ويوثق ويشهد بالحق، مسجلاً كل جليل وجميل من الشمائل التي يتوشح بها شخص الممدوح وينطوي عليها جوهره، وهذا الممدوح يفصح عنه سموه بعد سبعة أبيات في الصدارة، لم تأتِ مصادفة، فإن لم يكن التمهيد بسبعة أبيات منطلقاً من أيام الله السبعة التي يتشكل منها الزمان وبالتالي الأعمار، بما فيها هذا الشباب الذي نحن بصدده، فإن مغزى السبعة قد يستدعي الإمارات السبع التي يدور النص برمته حول واقعها ومستقبلها وقيادتها الفذة الرشيدة. يقول سموه مفصحاً:

يا كاتبْ التَّاريخْ سَجِّلْ علايمْ

                          مِيِّهْ علىَ مِيِّهْ لمحمَّدْ وجندهْ

شيخْ الشَّبابْ برغمْ حاسدْ ولايمْ

                         بهْ نَتِّقي غدرْ الزِّمانْ ونِصِدِّهْ

فالممدوح يحقق الدرجة الكاملة في امتحان القيادة وخوض المحن قائداً للجند، لا يتوانى عن تحمل مسؤوليته العظيمة فارساً يقي أمته شرور الزمان وغدر العدو.

ولعل ما يستلفت القارئ في هذه الأبيات، إلى جانب ما اشتملت عليه من إطراء للممدوح وتثمين لمكانته، أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، في سياق محبته وتضامنه مع أخيه على نحو كبير حمله النص الشعري الجديد الذي قدم له بإهداء جاء فيه إفصاح للغرض من الكتابة «في أخي وعضدي ورفيق دربي بوخالد»، ينقل إلينا خصوصية الظروف التي تميز فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حيث يلقى محبة ودعم شعبه الأبي في ظل واقع إقليمي ودولي محيط يشوبه كثير من التربص والحسد، وسيل من اللوم النابع من الحقد ليس إلا، «شيخْ الشَّبابْ برغمْ حاسدْ ولايمْ».

وننتقل إلى محور آخر..

تذكر صفات زايد الخير

بذكاء شعري واضح، يستدعي صاحب السمو الشيخ محمد راشد مناقب ومآثر الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وحتى صفاته الظاهرية، ليعقد مقارنة بينها وبين ابنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الذي ورث عنه جميل الصفات وحتى تعابيره وتقاطيعه وفكره وطواياه الجميلة، فالممدوح يذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بزايد فيما ظهر من السيمياء وما استبطن من المناقب والسجايا، مقارنة حسنة وموفقة، عززت قوة الصفات الحسنة للممدوح، وفي الوقت ذاته ذكّرتنا الأبيات بزايد الذي ينبغي أن نذكره دائماً في كل مقامات الفخر ومناسبات الجمال ومواقف النبل، لأن كل ذلك يليق به وينتمي إليه، ومعين زايد لن ينضب إلى يوم الناس هذا، وكما أهدانا كثيراً من الخِلال والمنجزات الكبار أهدانا، بل من أجمل ما أهدانا.. ابنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، وتلك التفاتة شاعرية نبيهة ومحببة، جاءت في سياق تعبيري جزل وسلس دفاق:

بهْ منْ فِكِرْ زايدْ شديدْ الفهايمْ

                            وبهْ منْ شبابهْ قِوْ باسهْ وجِهدهْ

وفَضلهْ وجودهْ لكلْ عاني وشايمْ

                          وحِلمهْ وعلمهْ وكلْ ما كانْ عندهْ

وشكلهْ وصوتهْ وإحتمالْ الجسايمْ

                         وضحكهْ وتقطيبهْ بمزحهْ وجِدِّهْ

حكيمْ في حكمهْ وللحكمِ رايمْ

                        وحكومتهْ منْ حكمتهْ مِستمِدِّهْ

ثم ننتقل بعد تعديد صفات زايد التي انتقلت إلى الممدوح صورة سيرة وسريرة إلى المحور الرابع..

ميثاق الوحدة

إن اتحاد دولة الإمارات يعد سياسياً واجتماعياً من أقوى المجتمعات التي تنتظم العالم اليوم، وذلك قياساً إلى قوة الرابطة والتوافق والتناغم بين القادة ووحدة كلمتهم، بما يبرهن على صحة مقولة «البيت متوحد» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد نفسه، وسارت بها الركبان، وأكدها الواقع.

يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد:

نمضي معاهْ ودومْ عندْ اللِّزايمْ

                      ما نخالفهْ أمرهْ ونوفي لعَهدهْ

عليهْ محسودينْ والدَّهرْ نايمْ

                      وبلادنامنْ زينها تقولْ وَردهْ

من المؤكد أن شعباً يتوحد مع قيادته إلى هذا الحد مصطفاً في مسيرة واحدة وقاصدة دون تنازع أو تخاذل، لا بد أن يكون محسوداً، ولا بد أن يتحول وطنه إلى وردة مشرقة تستقطب القلوب والأبصار بجميع الصفات الرائعة التي تتحول إلى شعر عذب. وخير ما نختم به قراءتنا هذه الأبيات الممتعة التي ختم بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد قصيدة «شيخ الشباب»، حيث يقول بمحبة صادقة لأخيه وعضده ورفيق دربه بوخالد كما يقول في المحور الخامس:

القائد الأمل

مادامْ فينا ما نشوفْ الهزايمْ

                          هوُ جيشْ كاملْ يهزمْ جيوشْ وحدهْ

ومادامْ فينا ما نشوفْ الظلايمْ

                           بالعدلْ نَهجهْ ودومْ للعدلْ قَصدهْ

ومادامْ فينا ما نشوفْ الغرايمْ

                          جودهْ بحَرْ طامي ولا شَيْ قَدِّهْ

وإذا الأمورْ إتْعَقِّدَتْ بالعتايمْ

                         إيحلِّها م الفهمْ عقدهْ بعقدِهْ

شيخْ الشِّبابْ وسيِّدْ الوقتْ دايمْ

                      جيدومنا ولكلْ عادي نِعِدِّهْ

أسمهْ تِعَدَّىَ نايفاتْ الغمايمْ

                     عِضدي محمدْ دامْ عزِّهْ ومَجدهْ

ماذا يمكن أن يقال بعد هذا في امتداح شمائل أحد العظماء الذين انعقد عليهم الأمل والثقة والمحبة في آن معاً؟

Email