محمد بن زايد وحاكم أم القيوين يشهدان محاضرة "أبوظبي بين الأمس واليوم"

نسيبة: الإمارات بَنَت مجتمع الرفاهية في فترة قياسية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وصاحب السمو الشيخ سعود بن راشد المعلا، حاكم أم القيوين، أمس محاضرة «أبوظبي بين الأمس واليوم – انطباعات شخصية» التي ألقاها المحاضر الدكتور زكي أنور نسيبة، المستشار الثقافي في وزارة شؤون الرئاسة، وذلك في إطار برنامج المحاضرات والأمسيات الفكرية الرمضانية التي ينظمها مجلس سمو ولي عهد أبوظبي بقصر البطين بأبوظبي.

وأكد المحاضر أن دولة الإمارات استطاعت أن تبني في فترة قياسية مجتمع الرفاهية والتقدم، متألقةً بذلك بين الشعوب والأمم، وتبوأت من المجالات مركزاً ريادياً على الساحتين الإقليمية والعالمية، وقامت بدور مسؤول فاعل على المسرحين العربي والدولي، وتعد اليوم من أهم مراكز الثقل المالي والاقتصادي والمعرفي في العالم.

وتناول المحاضر الأجواء التي واكبت المرحلة الأولى من المفاوضات لإقامة الاتحاد 1968 – 1971 والعراقيل الرئيسة، كما عاصرها الحياة في أبوظبي في الستينيات من القرن الماضي، وكيف نقارنها باليوم، والمكونات الأساسية للسياسة الخارجية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ودورها في إنجاح تجربة الاتحاد، والعبر المهمة في تجربة الإمارات خلال الخمسين سنة الماضية، وتجربة الترجمة مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إضافة إلى تجاربه مع ثقافات وحضارات العالم المختلفة في جولاته ولقاءاته مع الرؤساء والملوك والشخصيات العربية والأجنبية.

وبدأ زكي نسيبة محاضرته بانطباعاته الشخصية حول أبوظبي بين الأمس واليوم التي تناولها من خلال بعض المواقف التي مرت بها أبوظبي، قائلاً: «في عام 1961 أثناء جولة للشيخ شخبوط، رحمه الله، خارج البلاد، يذكر السكان كيف أن الشيخ زايد، رحمه الله، بدأ على وجه السرعة يشق طريقاً من الكنكري والجار، أراد به ربط المدينة بمنطقة المقطع، وظن الجميع أن هذا الحلم ضرب من الخيال، وسرعان ما توقف المشروع الطموح وطمست معالمه الرمال المحيطة به، حتى جاء يوم أصبح فيه هذا الخط الرفيع الشارع الرئيس في مدينة عصرية، كما خطط له الشيخ زايد»، مشيراً إلى أن أبوظبي بين الأمس واليوم قصة الواقع الذي نافس الخيال في روعته وإشراقه.

صعود وانحسار

وأوضح أنه من الصعب أن نواجه هذه الصورة بما كانت عليه أبوظبي في منتصف القرن الماضي، فبعد أن مرت بدورات متتالية من الصعود والانحسار، استقر الحكم للشيخ شخبوط، فأعاد الاستقرار في أبوظبي، وأرسل أخاه الشيخ زايد إلى المنطقة الشرقية، يبدأ مسيرة قيادية فريدة من نوعها في العالم، أثارت من تلك السنوات الأولى الإعجاب والتقدير، وبدأت أبوظبي بالانتعاش من جديد مع تصدير الشحنة الأولى من البترول في سنة 1962.

وأشار إلى أنه أتى في زيارة عائلية إلى مدينة أبوظبي في سنة 1974 أثناء إجازته المدرسية في بريطانيا، ونزلنا في مطار دبي، وتوجهنا في سيارة جيب عبر طريق صحراوي غير ممهد يمر بجبل علي، ومن ثم بمناطق سبخة ورملية في محاذاة الحر حتة الوصول إلى برج المقطع، وبعد ذلك عبرنا إلى الجزيرة على جسر من الحجارة والطين وعند الوصول إلى المدينة كان قصر الحصن المهيب المبنى الحجري الوحيد بشموخه بين بعض الابنية الصغيرة من الطين والحج ومنازل العريش بجانب البحر، مشيراً إلى أنه يجزم لو سأل عرافاً يومها أترى في مستقبل الأيام لهذه القرية الوديعة أن تكون عاصمة متطورة مزدهرة تضاهي العواصم تقدماً في العالم لا تهمني بالهذيان.

وأضاف نسيبة أنه عاد إلى أبوظبي سنة 1967، وكان السفر يتم بعد الحصول على شهادة عدم ممانعة من الخارجية البريطانية والهبوط في مدرج جديد، إلى جانب مبنى صغير لمطار البطين، وكانت المدينة ينقصها آنذاك معظم البنى التحتية الضرورية، مشيراً إلى أنه سكن في معسكر شركة العائلة في المنطقة الصناعية آنذاك بمنطقة النادي السياحي أو الزاهية اليوم، وكانت الشركة قد أتمت بناء المشروع الأول لجلب المياه من الساد إلى أبوظبي، ومن خلال تردده على فندق الشاطئ مكان فندق الشيراتون اليوم، تعرف إلى الكثير من رجال الإعلام الزائرين، وبدأ العمل معهم مراسلاً بالقطعة.

اهتمام الصحافة العالمية

وقال إن الاهتمام الأول للصحافة العالمية آنذاك كان تولي الشيخ زايد، رحمه الله، الحكم، ورؤيته أن يرى الجميع خلال سنة واحدة يعمل على نشر الرفاهية في بلاده، وعلى تعزيز الصداقة والتعاون بين دول الخليج، وعلى تقوية مركز أبوظبي في العالم.

وأوضح زكي نسيبة أن التاريخ يسجل أن رؤى الشيخ زايد الإنسانية كانت مجردة من كل حساب نفعي، ومعنية بجلب البهجة والشرور والخير لكل من حوله، وكان المعتمد البريطاني كروفورد قد اعترف في تقرير بتاريخ 1969 أن الذين يتخوفون من الشيخ زايد لسخائه الجزيل، ويعتقدون أن له من وراء ذلك مآرب، لا يعرفون أن فطرته هي العطاء بدون توقع أي مردود.

شمعة أمل وبهجة لكل محتاج

وأشار إلى أنه عاصر شخصياً كغيره من الآلاف الحالات التي استطاع فيها الشيخ زايد أن يضيء شمعة أمل وبهجة في حياة كل محتاج أو منكوب، سواء كان طفلاً أو أسرة أو شعباً بكامله، وعلى سبيل المثال لا الحصر، مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة، ومع مئات المرضى في مستشفيات سويسرا أميركا ولندن، حيث نزل الشيخ زايد، رحمه الله، فأمر بدفع نفقات كل محتاج منهم ومع الرئيس الأميركي جيمي كارتر الذي تعاون معه في أعمال خيرية في إفريقيا، فذكر لي أنه لم يزر قرية نائية أو مدينة صغيرة هناك دون أن يلقى فيها عملاً خيرياً كمدرسة أو مستوصف أو ملجأ أيتام كان الشيخ زايد قد تبرع به، حتى المنطقة الصحراوية النائية في رحيم خان في باكستان أصبحت بعد أن اتخذ منها الشيخ زايد، رحمه الله، مقراً لرحلة الشتاء، مدينة عصرية مترامية الأطراف، حفر فيها الآبار للمزارعين، وبنى لهم المساكن والمطار والمستشفى، وكان الشيخ زايد يفرح بلقائهم والسؤال عن أحوالهم، وحتى الطير والإبل والماشية والمرعى كانت محل اهتمامه.

الإنفاق بسخاء

وأوضح المحاضر أنه في سنة 1969 تعرضت أبوظبي لأول هزة مالية بسبب وتيرة الإنفاق وانخفاض ريع البترول، وكعادتها روجت الصحافة الغربية أن أبوظبي على وشك الإفلاس، ونفى الشيخ زايد ذلك في مقابلة صحفية حضرتها، أكد خلالها أن تلك الأزمة لن تغير شيئاً في استراتيجيته في الإنفاق بسخاء لبناء دولة الاتحاد، ولتعميم الرخاء على شعبه، أو لمد يد العون إلى الدول الصديقة والمحتاجة، وتكررت الصورة ذاتها في سنة 1973 عندما استدان الشيخ زايد من البنوك الدولية أثناء زيارة له كنا نرافقه فيها إلى بريطانيا، لكي يرسل المستشفيات والمولدات الكهربائية والمساعدات الإنسانية إلى جبهات القتال في سوريا ومصر.

وقال إن الاهتمام الثاني للصحافة العالمية آنذاك كان في الأوضاع الإقليمية السياسية والأمنية المتردية في المنطقة، مشيراً إلى أنه يذكر زيارة الوزير البريطاني سنة 1968، ليبلغ حكام الإمارات أن حكومته سوف تتخلى عن حماية الخليج، عندما كثر الحديث بين الإعلاميين حولنا عن الفراغ الأمني وانهيار الإمارات، ولكن أذكر أن الشيخ زايد، رحمه الله، أعرب بنبرة واثقة في أول مقابلة تلفزيونية أجريتها معه آنذاك في مجلس باحة قصر الحصن، عن قناعته الراسخة بأن الطريق نحو المستقبل سوف يقوم على بناء الاتحاد.

وقال نسيبة إن الشيخ زايد، رحمه الله، ذكر كيف أنه توجه بعد الإعلان البريطاني مباشرة ليقابل الشيخ راشد، ويبلغه بضرورة تشكيل الاتحاد، وقال إن الشيخ راشد في أول رد فعل له أبلغه: «يا شيخ زايد كيف نبني دولة تكفل حماية الأمن والاستقرار؟ أين نجد شرطة وجيشاً لهذا الاتحاد؟ فأجابه الشيخ زايد: لدينا المال، ولدينا العزم ووحدة المصير، وسوف نجد الرجال».

مفاهيم خاطئة

وقال إن البعض يعتقد أن بريطانيا كانت وراء فكرة إقامة دولة الاتحاد، ولكن الحقيقة هي غير ذلك، فإن المحرك الرئيس لفكرة الاتحاد والقائد التاريخي الذي أتى به القدر في لحظة مصيرية هو بدون شك الشيخ زايد، رحمه الله، الذي كان يسير في ذلك على خطى الشيخ زايد الأول، وكان قد عبر في حديث له مع وليام لوس في مدينة العين منذ سنة 1964 عن رغبته في إقامة اتحاد بين الإمارات السبع، لكن رد الفعل البريطاني كان غير مشجع، على العكس بدأ بعض المراقبين الإنجليز ينظرون إلى صعود نجم زايد كعائق في وجه التعاون بين إمارات الساحل، مشيراً إلى أنه بالنسبة إلى الموقف البريطاني الرسمي، تكفي الإشارة إلى بعض الوثائق التي حذرت من ابتكار كيانات سياسية خارج إطار ما يمكن تحقيقه عملياً.

وأكد أن الشيخ زايد وحده من بين قادة المنطقة كان يؤكد ثقته بإقامة الاتحاد، بالرغم من أن معظم مراكز القوى الداخلية والخارجية آنذاك كانت تعارضه، وتضع العراقيل أمامه، وتشكك في جدواه برغم القبول الظاهري له، حتى من بين بعض المقربين منه.

سعيد بمسبار الإمارات

حكى زكي نسيبة قصة اعتبرها رمزية عندما كان الشيخ زايد، رحمه الله، في سنة 1969 في مالاغا يتابع مع مرافقيه على شاشة التلفزيون خبر نزول الإنسان الأول على سطح القمر، واستقبل المرافقون الصور الحية بالسخرية والاستهجان، قائلين إن في الأمر خدعة، وأجابهم الشيخ زايد أن الإنسان قادر على كل شيء بمشيئة الخالق، واقتنعوا كما كان عهدهم معه دائماً، مشيراً إلى أنه يكاد يراه في ثراه الطاهر مبتسماً وهو يتابع خبر مسبار الإمارات يحجز مكاناً للعرب على الكوكب الأحمر لتنمية الأرض والإنسان.

Email