الملابس التراثية تميز احتفالية النصف من شعبان

«حق الليلة» بهجة الأطفال بالمكسرات والشوكولاتة

توزيع الحلوى على الأطفال

ت + ت - الحجم الطبيعي

النصف من شعبان هو يوم مبارك عند المسلمين عموماً، ويعد الاحتفال بهذا اليوم من التراث الشعبي الإماراتي، حيث يسمى هذا الاحتفال «حق الليلة»، إذ يجتمع الأطفال بعد صلاة العصر أو العشاء مرتدين الزي الإماراتي الشعبي الجميل، مصطحبين معهم أكياسا تخاط لهذه المناسبة خصيصاً تسمى «خرايط»، يجمعون فيها الحلوى والمكسرات التي يحصلون عليها من أصحاب البيوت التي يطرقون أبوابها، قائلين لهم «عطونا حق الليلة»، فيما يتباهون في نهاية اليوم أيُّهم جمع أكثر في «خريطته».

ويتداعى الماضي بصورته القريبة والبعيدة فما زالت «حق الليلة» هي بالأمس كما هي عبر الأجيال، حيث تعتبر فرحة للأطفال الذين يجوبون الشوارع مبتهجين بهذه المناسبة التي توارثتها الأجيال، ويرى الكبار أنفسهم وطفولتهم مع كل ترديد وهم يسمعون الأطفال يرددون فرحين الأهازيج الخاصة بحق الليلة وهي «يا الله انسير حق الله جدام بيت عبدالله يا الله انسير حق الليلة.. أحلى ليلة» وعندما يصلون إلى باب المنزل المنشود يقومون بطرق الباب قائلين: «أعطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم أعطونا من مال الله سلم لكم عبدالله».

وحين يقـدم أصحاب المنزل لهم الحلوى، يقولون لهم: «سلم ولدهم يا الله وتخليه لامه يا الله جـدام بيتكم وادي والخير كله ينـادي»، أما إذا أقفل الباب في وجوههم، ولم يحصلوا على شيء، فإنهم يرددون بغضب «جـدام بيتكم طاسـه ووجوهكم محتاسـة».

استعدادات مسبقة

وفي هذا الصدد تقول هدى النعيمي التي تهوى منذ صغرها خياطة الملابس التراثية وتجهيز العبوات الخاصة بهذه الليلة المميزة، ان أهل الإمارات يستعدون لهذا اليوم قبل بدء شهر شعبان، حيث يجهزون الجلسات التراثية «التكية» ويشترون الملابس التراثية لهم ولأطفالهم.

وأكدت النعيمي أن أهم ما يميز هذه الليلة هو الروح الجماعية والأسرية العامة التي تميز نمط العلاقات الاجتماعية وتظهر من خلال اهتمام الأهالي باحتفال الأطفال ومشاركتهم المشاعر الطفولية بالفرحة وإشاعة روح المودة والألفة بين الناس، فتقترب أجواء التقوى لتسكن القلوب وتملأها بالإيمان.

وأشارت إلى اختلاف طرق الاستعداد لهذا اليوم، حيث يتنافس الناس على شراء الأكياس والخرائط المزركشة، وعلب وصناديق بطريقة مبتكرة ويخصص للأطفال أكياس عليها صور محببة لشخصيات كرتونية علاوة على ابتكار عبارات تهنئة مميزة بهذه الليلة، ويضم كيس القرقيعان مكسرات وحلويات وألعاب للأطفال كالفوانيس والألعاب الشعبية المعروفة قديما مثل التيلة، بالإضافة إلى التحف والصور التذكارية والماركات المختلفة من الشوكولاتة.

وتابعت: كنا في السابق نستعد لهذه الليلة بطريقة مختلفة إذ نخيط بأنفسنا الأكياس التي يعلقها الأطفال على رقبتهم، ونشتري الحلويات، والمكسرات التي اعتدنا عليها من زمن آبائنا، وأجدادنا أما اليوم فالأكياس توزع بطريقة حديثة، وفيها الكثير من التكلف بحيث تجعل بعض الأسر تشعر بالفروقات الاجتماعية فيما بينهم، لتخرج من قالب البساطة.

ومع تطورات الحياة أصبحت الهدايات تلف في علب أنيقة، وتوزع على بعض الأقارب، والجيران في بيوتهم، وتحمل تلك الهدايا بعض العبارات الشعبية الجميلة مثل «عساكم من عواده».

وقالت ان التغير الذي طرأ على (حق الليلة) طبيعي لأن الزمن يتغير في كافة مناحي الحياة، لكن الجميل أن المجتمع ما زال مهتماً بالاحتفال بهذه الليلة الجميلة ومحافظا عليها.

«مرام العود»

أما مريم حسن فارس صاحبة مشروع «مرام العود» فتقول ان الأهالي والمدارس يقبلون على شراء الملابس المستوحاة من التراث الإماراتي القديم، مثل الكندورة أم تيلة المرسوم عليها دوائر، حيث يشهد هذا الزي إقبالا كبيرا في هذه الفترة من العام.

وأشارت إلى أن الكثير من الدوائر الحكومية تطلب منها تجهيز طلبية من هذه الخرائط لتوزيع حلويات حق الليلة على موظفيها ومراجعيها في هذا اليوم وهي عبارة عن خليط من المكسرات والحلوى المتنوعة، بالإضافة إلى الأكلات التراثية والعطور العربية احياء لهذه المناسبة.

«الزري» و«أبو طيرة»

تمزج مريم الملابس التراثية بالحداثة، لتواكب المتغيرات، أما الأزياء القديمة فهي المطرزة بالتلي أو الخوار أو التطريز الذي يطلق عليه «الزري»، كما يقبل الكثيرون على شراء الملابس المحاكة من قماش «أبو طيرة»، أو حرير أطلس وهو عبارة عن قماش لامع كان يرتديه أبناء الطبقة الغنية من المجتمع.

ومن أمثلة الملابس التراثية التي يقبل الأهالي على شرائها وارتدائها في هذه الليلة، بدلة الكندورة والسروال التي يطلق عليها اسم «المزراي» وتتميز بكثرة التطريز، بالإضافة إلى ثوب «الميزع» ويتميز بحياكته من عدة ألوان من الأقمشة، أما لباس الأولاد من الذكور يتألف من الصديري الخفيف والجحفية والخريطة القماشية التي يجمع فيها الحلويات والمكسرات.

مناسبة تستدعي حنين الكبار وبهجة الصغار

«حق الليلة» من العادات الشعبية الإماراتية التي ينتظرها الأطفال بلهفة شديدة ويستقبلونها بحفاوة كبيرة، وذلك لما تنثره تفاصيل هذه المناسبة من بهجة وفرحة في نفوسهم، فمنذ اقتراب شهر شعبان تبرز مظاهر الاستعداد لهذه المناسبة في أشكال عدة منها تجهيز الملابس للأطفال والأكياس التي تصنع خصيصا لهذه المناسبة ليحملوها أثناء مرورهم على المنازل.

«حق الليلة» كما يطلق عليها في الإمارات هي مناسبة اجتماعية سنوية للأطفال، يحتفل بها في منتصف شعبان، حيث ينطلق الأطفال من منطقة تجمع يتم الاتفاق عليها سابقاً، فيقصدون المنازل ويطرقون أبوابها مرددين بصوت واحد «عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم»، فيخرج أصحاب البيوت بحلوياتهم ومكسراتهم وتجهيزاتهم التي قاموا بها مسبقاً لاستقبال الأطفال ورسم البسمة على وجوهم، إضافة إلى تقديمهم الهدايا والنقود في بعض الأحيان.

الزي التقليدي

وعن ذلك قال المواطن أحمد مبارك رب أسرة إن مراسم الاحتفال «بحق الليلة» تبدأ منذ دخول ساعات المساء لليلة منتصف شعبان، حيث ينطلق الأطفال بعد صلاة المغرب في جماعات يرتدي خلالها الأولاد «الكندورة والغترة»، أما البنات فيحرصن على ارتداء الزي التقليدي الذي يجهز خصيصاً لهذه المناسبة، فيطرقون منازل الحي واحداً تلو الآخر، حتى يخرج أصحابها ويقدمون لهم الحلويات والمكسرات التي يسارعون في وضعها في الحقائب أو الأكياس التي يحملونها، ليتباهى كل منهم بعد انتهاء مراسم هذه الليلة بالكميات التي حصلوا عليها.

وأشار إلى أنه بالرغم من اختلاف مسميات «ليلة النصف من شعبان» في دول الخليج والأهازيج التي يرددها الأطفال إلا أن مراسم الاحتفال بهذه المناسبة متشابهة.

وأكد أنه على الرغم من توسع المجتمع ودخول جنسيات جديدة من المقيمين على أرضه، إلا أن ذلك لم يثن أفراد المجتمع عن إحياء هذه العادة التراثية العريقة، التي يشارك فيها اليوم كافة شرائح المجتمع من مواطنين ومقيمين وزوار، وأصبح الاحتفال بها أمرا أساسيا يوضع في قائمة الأجندة السنوية.

تفاصيل الماضي

من جانبها قالت ليلى مبروك ربة أسرة إن الاحتفال بحق الليلة يعيد لذاكرتنا تفاصيل الماضي القريب، حيث كنا ننتظر هذه المناسبة ونستعد لها منذ وقت مبكر، وذلك لما نحصده من العطاء الوفير الذي تقدمه الأسر من حلويات وغيرها من الهدايا التي كان لها قيمة كبيرة في السابق لندرتها وصعوبة الحصول عليها مقارنة بالوقت الحالي.

وأضافت: مظاهر الاستعداد للاحتفال بحق الليلة والفرحة بها تضاهي بهجة العيد، حيث كانت الأمهات تقوم بخياطة وتجهيز الملابس منذ وقت مبكر، وكان الأطفال يجربونها مرات عديدة قبيل الاحتفال بهذه المناسبة، مشيرة إلى أنه من شدة تشبث الأطفال بالاحتفال بالمناسبة حينها كانوا يرتدون ملابسهم منذ الصباح الباكر.

وأشارت إلى أن الاحتفال بحق الليلة لم يكن مقتصراً على الأطفال فقط، بل يشارك في حتى الكبار، الذين كانوا يرافقون حشود الأطفال وينشدون معهم ليشاهدوا ويحملوا أطفالهم الصغار في بعض الأحيان ليعيشوا الفرحة ويشاهدوا بسمة الأطفال.

حلويات

بين الأمس واليوم

تغيرات كبيرة شهدها الاحتفال بـ «حق الليلة» وذلك نتاج طبيعي لرفاهية الحياة وتطور مختلف مجالاتها، يأتي في مقدمتها استبدال المكسرات والحلويات وحلويات أيام زمان والتي عبارة عن خليط من المكسرات مثل التين وبيض الصعو بألوانه الأزرق والوردي والأبيض، و”الشكريا” وهي حلوى محلية مصنوعة من السكر والنشا، و“البرميت” وهو عبارة عن حلويات شفافة يتم استيرادها من الخارج، و”الشاكليت” وهي الحلويات المصنوعة من الحليب أو الكراميل و “الزلابيا” وهي الحلوى التي على شكل مشبّك تأخذ اللون البرتقالي بأشياء أخرى كالهدايا والمبالغ العينية ودخول أصناف معينة من الشوكولاه الفاخرة، فضلاً على تزاحم الأسواق بأشكال مختلفة من الهدايا التي وضعت في تشكيلات متنوعة تلفت أنظار مرتادي هذه الأسواق.

ومن التغيرات الإيجابية التي طالت الاحتفال بحق الليلة حرص مختلف المؤسسات في الدولة على إحياء هذه العادة من خلال التعاون مع طلبة المدارس وأبناء الموظفين الذي ينتشرون في ميادين العمل لتقديم الهدايا بصورة تساهم تعريف الكثير من الزوار والمقيمين بطريقة الاحتفال وتعزز أهمية الحفاظ على هذه العادة.

تحضير

تنافس الأطفال والاستعداد لاستقبال رمضان

مشاهد البهجة والفرح يمكن الشعور بها بمجرد مرافقة الأطفال أثناء مرورهم على المنازل وهم يرددون أهزوجة واحدة بأصواتهم البريئة والتي لا تخلو من الشقاوة والخداع، حيث يطغى مشهد التنافس بين الأطفال والصراع على الحصول على أكبر كمية من الحلويات والهدايا التي توزعها الأسر على المشاهد البريئة التي تتكرر عند خروج جماعات الأطفال ومرورهم على بيوت الحي، حيث يعمد بعضهم إلى تشتيت الأسر التي تقوم بتوزيع الحلويات، فتجده يتسلل بين الأطفال ليحصل على نصيبه مرات متكررة، فلا يكتفي بما يمنح له مرة واحدة ليظفر في نهاية الجولة على الكمية الأكبر.

والفرحة تعم الصغير والكبير لأن منتصف شعبان هو بوابة لقدوم شهر رمضان المبارك حيث يتم التحضير المسبق لاستقبال الشهر الفضيل وكثير من العائلات تعيد شراء أثاث المنزل وأدوات المطبخ وغيرها من المستلزمات ليكون الاستعداد كاملاً لاستقبال أول أيام الصيام المباركة.

وبعد عناء الأطفال من جمع الحلويات والمكسرات يبدأ عزل الأصناف عن بعضها كل في كيس منفصل ليصار إلى تناولها في الأيام المقبلة.

Email