سيدة عصامية أورثتها الطبيعة الجبلية الصلابة والجَلَد

«آمنة سالم».. مرشدة سياحية بالفطرة

آمنة سالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

للباحثين فقط عن الهدوء والسكينة والعزلة.. إلى من تتوق نفسه للهرب من ضغوط عمله اليومي المرهق، ما عليه إلا التوجه إلى الجنة في أحضان الجبال، التي حالما تصل إليها ستشعر بألفة لم تعهدها من قبل».

بهذه الكلمات أوجزت المواطنة «آمنة سالم»، في مطلع العقد السابع من عمرها، علاقتها مع الطبيعة.

هذه المرأة المكافحة الصامدة من قرية «الحلاة» الجبلية، التي تبعد عن دبا الفجيرة جنوباً نحو 15 كيلو متراً، وتحتاج إلى نحو ساعة ونصف الساعة سيراً بالسيارة. الابتسامة لا تفارق محيّاها؛ تستقبلك بقلبها قبل أن تفتح لك باب بيتها. هي مرشدة سياحية ومُعرفّة بالفطرة، تتعامل مع الناس برحابة صدر وكرم كبيرين.

وتخرج لترافق من يرغب التعرف على المنطقة وأسرارها دون تعال ٍ أو خجل، حيث تنطلق معك بملابسها التقليدية الشعبية؛ فهي تعرف ما الذي يرغب القادمون للمنطقة التعرف عليه من أول لقاء بهم.

آمنة سالم وحفيدتها

 

حياة صاخبة

«آمنة سالم» مواطنة إماراتية مثلها مثل أي مواطنة عادية، جدة وأم وزميلة وصديقة، تعتبر نفسها من النساء العصاميات في الحياة، أورثتها طبيعتها الجبلية الصلابة والجلد، وعلمتها أن الحياة لا تستحق العناء والتفكير. وتقول عن نفسها وهي تضحك: « أنا مواطنة عادية ومن أهل هذه المنطقة التي أحبها ويحبها جميع أهلها من مختلف القبائل المعروفة على مدار التاريخ، ولست شخصية مشهورة ».

عاشت قمة الفرح عندما أنجبت أبناءها الـ 13، تتباهى بأبنائها ويتحدث عنهم كل سكان المنطقة. عاشت ذروة الحزن ولا تزال، عندما غيّب الموت خيرة أبنائها «راشد»، وهو في 18 من العمر، تتذكر آمنة كيف فارق ابنها الحياة بعد صراع طويل مع المرض، كانت تأمل أنه سيشفى ولكن الأمنيات لا تتحقق دائماً. ومع ذلك لا تزال تواجه الحياة بالفرح وتقديم المساعدة لكل من يحتاجها من أي جنس كان دون مقابل.

جيل على خطى جيل

 

الرحلة إلى الجنة

انطلقت بنا في رحلة إلى الجنة، كما تصفها، ابتداءً من مسقط رأسها «وادي العبادلة»، الذي يخيّل إليك وكأنه ينام في حضن الجبل، حيث يعيش والداها «سالم أحمد» و« فاطمة علي»، وأثناء ذلك أرتنا صوراً من حياتهما اليومية، كيف يعيشان سوياً ويتنقلان معاً بواسطة سيارة «البيك آب» القديمة، والرابطة القوية التي يتمسكان بها رغم كبرهما في السن.

استضافت « البيان» في بيت عائلتها القديم للحديث عن مشوار استثنائي، قدمت لنا من خلاله لمحات عن نفسها وحياة ما عاصره آباؤها وأجدادها في تلك المنازل القديمة المعلقة بين الصخور التي تقبع في أعالي المرتفعات، والتي تمر الوديان من تحتها لتشهد على عراقة المكان وذاكرته المزدحمة بالحكايا والأسرار؛ مثل: «جبل القرن» الذي كان يغطي أشعة الشمس عنهم وأراد الناس آنذاك أن يغيروا اتجاهه بسحبه إلى الجهة المقابلة بواسطة حبل ضخم من الشعر كمفارقة طبيعية.

فالمنطقة كانت تضم بين جنباتها عشرات العيون العذبة والبساتين المزروعة بأشجار النخيل والسدر والمانجو. والآن تحول معظمها، وفي مواقع متفرقة من منحدرات للأودية، وفي أعلى الجبال إلى «عِزب» ومزارع غنية بروح الماضي.

 الطبيعة ملجأ المتعبين من زحمة المدينة وضغوطاتها   ــ تصوير: البيان
 

 

مخزن حكايات

تعد «بنت سالم» من الشخصيات المميزة والمثيرة للإعجاب، لا تأبه للتعليقات أو فضول الناس من حولها في تزويد الآخرين بالمعلومات اللازمة عن منطقتها والأنشطة والأشخاص فيها وعن العادات والتقاليد، وتقول إنها تفتخر بأن تقدم معلومات حول منطقتها وأهلها بعامة.

فمعها تسمع أغرب وأجمل القصص التي تحفظها عن ظهر قلب، وتتزود منها بمعلومات وافرة عن المنطقة، ويكفي مقابلها تلك الروح الجميلة التي تكتنفها، تمر وتبادر بالسلام على كل من تلقاه؛ صغيراً كان أم كبيراً، مواطناً أم مقيماً.

وفضلاً عن كل ذلك، فهي حاضرة البديهة بالمعلومة السريعة عن أبرز المواقع الأثرية والتراثية والسياحية، مثل مسالك ومداخل المنطقة القديمة والحديثة أيضاً، وكذلك المواقع الحضارية المعروفة على مستوى المنطقة، مثل سد وادي البصيرة. وإن كانت تقول بأن « المدنية » بدأت تطالنا بسلبياتها قبل إيجابياتها، إلا أنها وسط كل ذلك تعيش كنموذج مشرف للإنسان الإماراتي الأصيل في خدمة وطنه في أي موقع كان.

بالإرادة أولاً شقوا طرق الحياة في الجبال

 

حلم وأمنية

تحلم آمنة وتبتهل إلى الله عز وجل أن يحقق حلمها بلقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأن تصطحب سموه في رحلة استكشافيه من رحلاتها السياحية، التي انطلقت منذ سن مبكرة، وأتاحت لها فترة التعامل مع أناس من ثقافات مختلفة الكثير من المعرفة والخبرة في الحياة.

ورغم أنها تكبر بالسن، إلاّ أن ذلك يشعرها بالسعادة، وتسعدها أكثر عائلتها، وبالأخص مساندة زوجها لها، وترى أثر ذلك دائماً في حياتها اليومية.

Email