كبار السن يتحدثون عن سنوات قبل إعلان الاتحاد وبعده

ذاكرة الرعيل الأول.. تاريخ حي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يرحل الوالد سالم بن خاتم الشامسي من إمارة الفجيرة، بذاكرته بعيداً، ليصل إلى ذلك اليوم التاريخي، يوم التقت الإمارات على الخير والحب والسلام، في الثاني من ديسمبر 1971م، مانحةً التاريخ سجلاً مجيداً يُدوّن اتحاد الإرادة والعزيمة، اتحاد الإمارات العربية المتحدة، الذي ولد من فكر حكيم للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

طيب الله ثراه، لتشهد في عهده الدولة إنجازات سريعة وتطورات مذهلة، في شتى ميادين الحياة، ويكمل من بعده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مسيرة البناء والتطور والرقي. ومن ذاكرة الماضي؛ يسترجع بن خاتم حياة ما قبل الاتحاد، التي عاش فيها سكان الإمارات أياماً بسيطة وشاقة، معتمدين على الصيد والزراعة من أجل تأمين لقمة العيش.

وأضاف الشامسي إن الاتحاد ونهضة التطور التي عمّت البلاد، غيرا ملامح المعيشة، لتصبح الحياة رغيدة ومريحة، في ظل إنجازات غير مسبوقة أبرزها تحويل الصحراء إلى حدائق غناء ومزارع خضراء مثمرة، في قصة نجاح مثيرة حظيت باهتمام العالم وتقديره، وعكست إرادة وعزيمة المغفور له الشيخ زايد رحمه الله.

وتتوالى الإنجازات التي ساهم في تحقيقها ظهور النفط كثروة وطنية قلبت موازين البلاد، ليدخل المجتمع الإماراتي والاقتصاد المحلي، مرحلة تحولات سريعة انعكست إيجابياً لتشمل كافة مناحي الحياة.

مكرمات القيادة

وقال سالم بن خاتم: نفخر بالعيش على أرض الإمارات تحت مظلة قيادة رشيدة سعت دوماً إلى تحقيق وافر النماء والرخاء للوطن والمواطن، التي عودت الشعب على مكرمات لا تعد ولا تحصى، رسمت الفرحة والبهجة على الوجوه، ولبت احتياجات المواطنين لينعموا بحياة كريمة، وسريعاً بات حلم الحصول على مسكن شعبي واقعاً ملموساً، عبر المكرمات السامية التي توالت لتوفير العيش الرغيد لسكان الإمارات، بمبادرات كريمة للمغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله.

ومن ثم أخذت الحياة في الإمارات منحى جميلاً متواصلاً، خط سيرها النهضة والازدهار، ومحطاتها السعادة والرخاء، وهي تنقاد بتوجيهات وأفكار ومبادرات القيادة الرشيدة، التي سعت بكل ما أوتيت، إلى توفير كافة متطلبات الحياة من تعليم وصحة وترفيه ومسكن وكهرباء ومياه وشوارع.

واختتم بن خاتم: وجد أهل الإمارات تحت راية الاتحاد اهتماماً كبيراً بالتعليم، وحرصاً شديداً على التسلح بالعلم، وتشجيع المرأة على الدراسة، لكي تساهم في خدمة وطنها وتكون شريكاً فاعلاً في بناء ورقي المجتمع، واليوم نشهد تطورات مذهلة وأرقاماً قياسية كثيرة، هي نتاج فكر حكيم لقائد ذي نظرة ثاقبة، منح الدعم والاهتمام لكافة فئات المجتمع، باعتبار الإنسان ثروة أساسية ومهمة للارتقاء بالوطن، والوصول به إلى أفضل المستويات.

فجر الاتحاد

وذكرت الوالدة أم خميس ابنة مدينة كلباء، التي عاصرت فترة ما قبل الاتحاد وبعده، قصصاً فيها معان كثيرة وذكريات جميلة لأيام الماضي وبداية فجر الاتحاد، وتحدثت بشوق كبير عن زمن البساطة والعيش وسط أسرة ممتدة، تضم الأب والأم والجد والجدة والأبناء في بيت واحد يتقاسمون فيه المعيشة برضا وارتياح، في ظل حياة مفعمة بالذكريات السعيدة رغم صعوبتها وقسوتها.

ولا تنسى أم خميس ولا تغيب عن ذهنها لحظة الإعلان عن قيام الاتحاد، كلمة انطلقت وذاع صيتها، ففي بادئ الأمر لم تعرف ماهية الاتحاد هي وأفراد عائلتها، وظلت تسأل حتى توصلت إلى جواب أفرح قلوب الجميع، حين علموا بانضمام 7 إمارات، وتوحيد صفوفها تحت راية دولة الاتحاد، بقيادة الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

مشاعر من البهجة والسرور غطت وجوه الناس كما وصفتها أم خميس التي عبرت عن ذلك اليوم المجيد بسعادة ممتدة تجاه يوم توحدت فيه قلوب أبناء الإمارات من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها.

حواجز قديمة

تعود أم خميس بذاكرتها قليلاً إلى السنوات الثلاث التي سبقت قيام الاتحاد، عندما كانوا يعيشون وسط عائلات من قبيلة واحدة، معرفتهم وعلاقتهم بالقبائل الأخرى سطحية لا تتعدى السلام أو التحية، فالجميع يقطن بعيداً عن الآخر، ثم جاء الاتحاد ليلغي الحواجز القديمة، ويستبدلها بإحساس يبعث في النفس الراحة والطمأنينة، ويدعونا إلى توحيد قلوبنا وصفوفنا، لنظل شعباً واحداً شعارنا الحب والسلام والعطاء والوئام.

حلم تحقق تقول أم خميس، ليؤكد قوة الاتحاد وإنجازاته العظيمة، حلم راودها منذ ثلاث سنوات وهي تستقل مع عشر سيدات من سكان منطقتها، سيارة «اللاندروفر» رباعية الدفع، متوجهات إلى إمارة الشارقة، مع سائق اعتاد إيصال الناس إلى وجهاتهم مقابل مبلغ مادي محدود، تلك فترة سبقت الاتحاد بسنوات قليلة، وحينها لم تتوقع أم خميس ومن معها من النسوة، أن يعايشن عصراً من رفاهية العيش والحياة الكريمة، عبارة رددنها بشغف في ظل قسوة الظروف قديماً، ولم تعلم حينها أنها ستتحقق بالفعل.

وأضافت أم خميس: في تلك اللحظة التي كانت في أواخر الستينات تقريباً، توقف السائق الذي يقلهن عند منطقة مسافي المعروفة بارتفاعها عن سطح الأرض، واستقر فوق مكان يطلق عليه «مطوية» أي ارتفاع صخري، كانت لحظة من السكون والظلام الدامس.

ألقت الوالدة أم خميس بنظرها بعيداً، وهي تشاهد منظراً ساحراً يتلألأ كالنجوم، إنها أضواء إنارة مشعة من إمارة الشارقة، هنا وبصوت خافت قالت أم خميس: هل سأعيش إلى ذلك الوقت من الزمن، وسط عالم من النور المشع، يبعد عنا ظلام الليل ووحشته، ويصبح الحلم واقعاً في لمح البصر، وبعد فترة وجيزة جاءها الجواب واقعاً، حين عمّ الخير البلاد لحظة إعلان قيام دولة الامارات العربية المتحدة تحت مظلة الاتحاد.

كهرباء الاتحاد

ولا تنسى أم خميس لحظة الإعلان عن إمداد البيوت بالكهرباء، وفي تلك المناسبة دخل الفرح كل البيوت وعمّر في القلوب، حين تم توصيل الأسلاك الكهربائية، وتركيب المصابيح لتتغير معها حياة الناس بلا حدود، وبدأ أهالي الحي يتجهون إلى شراء الأدوات الكهربائية الضرورية، من ثلاجة وأجهزة تكييف وتلفاز وغاز.

ذلك التلفاز ورغم أنه «أبيض وأسود» تقول أم خميس؛ كان يجمع العشرات من البيوت المجاورة لمشاهدته، والمضحك في الأمر عند ظهور المذيع على الشاشة، تسارع بعض النساء في تغطية وجوههن خجلاً، ذلك واحد من المواقف التي تصف حياة من البساطة والفكر البريء، في زمن يخلو من التعقيدات، زمن الحياة البسيطة، القائمة على رعي الغنم والزراعة وحرث الأرض وتقطيع الحطب، انقلب في ظل سنوات الاتحاد إلى حياة الرفاهية والسعادة وسط معالم التطور والتحضر، وخدمات كثيرة تلبي احتياجات سكان الإمارات من كهرباء وماء ومساكن ومدارس ومستشفيات، وُفرت للشعب بالمجان.

توحيد القلوب

ترى الوالدة أم خميس أن الاتحاد لمّ الصفوف ووحد القلوب لينعم الجميع بالأمن والأمان والاستقرار والراحة، ورغم التطور الذي أحدثه الاتحاد في حياة أبناء الإمارات، لا تزال تتمسك بقوة بماضيها وتراثها وأصالة وطنها، وتسعى دوماً إلى غرس عادات وتقاليد أصيلة في نفوس أجيال المستقبل، من خلال مشاركاتها التراثية مع مؤسسات تعليمية وفعاليات سياحية، بنقل خبراتها وإبراز مهاراتها اليدوية التي تعكس أصالة المرأة الإماراتية.

تجربة

من الشظف للرفاهية

كثير من الإماراتيين عايشوا سنوات ما قبل الاتحاد بمعاناتها، وشظف عيشها، وعاصروا الخطوات الأولى لوضع لبنات قيام اتحاد الدولة، وهم الآن شهداء على التطور والتقدم التي تعيشه الإمارات في كل المجالات، لذلك فهم أقدر الناس على نقل الصورة قديماً ومقارنتها بما يحدث الآن، لعكس قيمة العمل المضني الذي تم خلال 43 عاماً من التحدي والإنجاز.

 وقد تنبهت مؤسسات اجتماعية كثيرة للقيمة الكبيرة لمعاصري هذا الحدث، لينقلوا معايشتهم وحياتهم قديماً للأجيال اللاحقة من الطلبة، وتعليمهم قيماً شتى.

وفرة 40 مليون نخلة

وقت قيام الاتحاد، كان بلغ عدد سكان الإمارات في حدود 171 ألف نسمة، جميعهم يعيشون على مهن بسيطة كصيد السمك، إضافة إلى اعتمادهم على التمر غذاءً رئيسياً، وحتى التمر كان الكثير منه يأتي من العراق والسعودية، نظراً لقلة أعداد النخيل في الإمارات قبل الاتحاد، أما بعده فقد ازادت أعداد النخيل بشكل لافت حتى تجاوزت 40 مليون نخلة، لتصبح واحات الإمارات، جنة وارفة بفضل المجهودات الكبيرة في مجال الزراعة، والتي انعكست جودة وتصديراً، ما يؤكد حجم التطورات التي شهدتها الإمارات.

Email