قرية محمد بن زايد أسسها أحمد بن قيدوه في رأس الخيمة

مواطن ينجز ذاكرة وطنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حِرص المواطن أحمد بن قيدوه الشحي وخوفه على الموروث الشعبي والتراث الوطني، دفعاه إلى بناء قرية تراثية متكاملة من حيث الشكل والمضمون، تختزل في جدرانها الطينية تفاصيل قديمة عاشها أجدادنا، وتضم مقتنيات تبدو نادرة، تستوقف زوار المكان والسياح كأيقونة تراثية. تمكن بن قيدوه من تأسيس قريته التراثية منذ نحو 15 عاماً، وعكف على تطويرها والتوسع فيها منذ بضع سنوات، ثم أطلق عليها قرية محمد بن زايد التراثية، ولاءً وعرفاناً للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ذلك خلال مناسبة العيد الوطني الواحد والأربعين.

بعد الاجتماع

سرد بن قيدوه قصة بناء القرية التراثية، التي جاءت وليدة أفكار انبثقت بعد اجتماع عقدته جمعية الشحوح للتراث الوطني في مقرها الرئيسي في إمارة أبوظبي، وشارك فيه بصفته عضواً في الجمعية، واقترح البعض اختيار مكان مناسب في إمارة رأس الخيمة، تسهيلاً على الأعضاء القادمين منها، ولاحت الفكرة في رأس بن قيدوه فوراً، وطلب من الجميع أن تكون الاجتماعات المقبلة في بيته.

عاد بن قيدوه إلى رأس الخيمة، وسارع في تجهيز مكان يتميز بإطار تراثي يرمز إلى الماضي، فاشترى حزمة من سعف النخيل المعقودة بواسطة الحبل «الدعون»، واستعان بمجموعة من البناة على النمط القديم لإعداد مجلس في بيت تقليدي «العريش»، إضافة إلى مجلس داخلي مصنوع من الطين والحجارة الضخمة «الجنادل».

بعد تجهيز المكان، أعد بن قيدوه لأعضاء جمعية الشحوح وليمة غداء في أول اجتماع في المقر الجديد، وأبدى الجميع إعجابه بالمكان القائم على النمط التراثي القديم، لاسيما وأنه جمع المقتنيات القديمة في داخله، لكنه لاحظ لاحقاً أن المكان لا يتسع للمزيد، وقرر أن يتوسع في مشروعه التراثي بشراء الأرض السكنية المجاورة لبيته، واستثمارها لبناء قرية تراثية تجسد ماضينا، فتمكن من شراء الأرض بعد رحلة بحث عن صاحبها، وأسس مشروعه الوطني لحفظ التراث.

22 نوعاً

وفي هذا السياق، قال بن قيدوه إن القرية التراثية تضم أكثر من 22 نوعاً من الأسلحة النارية القديمة، إلى جانب السيوف والسكاكين واحد أنواع السيوف «الكتارة» والخناجر، وقد حرص على أن يحتوي هذا الجزء من القرية على عناصر عدة تتعلق بمعارك خاضها الأجداد في الماضي أمام الأعداء، ومن جهة أخرى كانت البنادق والأسلحة تستخدم للتعبير عن الفرح في المناسبات والأعياد، إذ يتجول الأهالي في المنطقة ويزورون القرى في مسيرات تضم الرجال في الأمام والنساء في الخلف.

وذكر بن قيدوه في هذا الصدد أسماء بعض الأسلحة النارية التقليدية حسب الترتيب الزمني لصناعتها من الأقدم إلى الأحدث، منها «مصلبخ أم فتيلة» التي كانت تستخدم بالبارود، و«مصلبخ أم ركبة»، و«برنو» و«الفلسي» و«أم ثمان» و«مانيا» و«نص خميسي» و«خميسي» و«صمعة» و«ميزرا»، و«بشتاوة» وهي عبارة عن الجزء الأمامي للبندقية تستخدم في المناسبات والأعياد تصدر صوتاً مدوياً، فضلاً عن «وكر» وهو سلاح لم يتداول كثيراً اشتراه بن قيدوه بسعر 27 ألف درهم، وغيرها الكثير من البنادق والأسلحة والأدوات الحربية القديمة.

ابتكارات وأفكار

ضمت القرية التراثية العديد من الابتكارات القديمة، برهنت على سمو أفكار أجدادنا وتميزها في مختلف المجالات، ومنها على سبيل المثال، تصميم حزام من جلد الماعز يرتديه السكان في الماضي عند صعود الجبال، أو عند السير لمسافات طويلة، ويتميز هذا الحزام أو الحبل بقدرته على منع الإصابة بآلام أسفل الظهر.

لعل زوار القرية التراثية تتبادر في أذهانهم الكثير من الأسئلة عن كيفية الحصول على جميع هذه المقتنيات القديمة والنادرة، إلا أن بن قيدوه أجاب بأنه اشترى معظم المقتنيات من رواد الجيل القديم وأبناء الرعيل الأول، علاوة على تفاعل الكثير من الأصدقاء وأهالي المنطقة معه من خلال إعارته بعض المقتنيات النادرة لعرضها في المتحف، وتقديم البعض الآخر من مقتنياتهم هديةً له، منهم السيد محمد زيد المري الذي أعطاه أربعة سيوف نادرة وقديمة تكريماً لمبادرته في عملية حفظ التراث.

العملات القديمة

تبدو زيارة قرية محمد بن زايد التراثية أنها رحلة مثيرة نظراً لاحتوائها على القطع الأثرية والعملات النادرة لدولة الإمارات منذ قيام الاتحاد وبعض العملات الأخرى المتداولة في المنطقة قبل قيام الاتحاد، إضافة إلى بعض العملات المصنوعة في عهد الملك جورج السادس ملك بريطانيا امبراطور الهند في عام 1936، والذي حكمها لغاية الاستقلال، والعملة الهندية «الروبية» وأجزائها، والتي تداولتها بلدان الخليج العربية قبل أن تصدر عملاتها الخاصة، وبعض العملات في عهد الملكة فكتوريا والملك ادوارد السابع والملك ادوارد الثامن.

كذلك تحتوي القرية على أوانٍ فخارية يعود تاريخ صنعها إلى أكثر من 400 عام، وفقاً لتحليل أجرته باحثة ومؤرخة أجنبية جاءت إلى الإمارات للاستعانة بخبراتها في عملية التنقيب في إحدى المناطق الأثرية في الدولة، وعرجت على القرية التراثية خلال عطلة نهاية الأسبوع، وفاجأت بن قيدوه بتحليلها عندما أكدت له أنه ثمة قطع صغيرة وأوانٍ فخارية يعود تاريخ صنعها إلى أكثر من أربعة قرون.

لقد أصبحت القرية مقصداً للكثير من المدارس والجامعات والوفود السياحية، بصفتها مزاراً سياحياً يوثق تراث الإمارات ضمن المقتنيات والأدوات التي يضمنها، وقد حرص العديد من المهتمين بالتاريخ والتراث في دولة الإمارات، على زيارة القرية، إلى جانب بعض الشخصيات الهامة من الشيوخ ورجال الأعمال، كما تشجع الكثيرون إثر الزيارات على تزويد القرية بالأدوات والمقتنيات القديمة، كونها أيقونة تعكس تراث أهل الإمارات أمام السياح والزوار من داخل الدولة وخارجها، وعندما لا يكون بن قيدوه حاضراً، يستقبل الزوار ولداه عمران ومنصور بحفاوة ثم يكملان دور والدهم بشرح أهم المعلومات عن القرية.

«الخابية» و«الخروس»

ضمت القرية التراثية رفوفاً كثيرة حرص بن قيدوه على وضع الأواني الفخارية القديمة المستخدمة في المنطقة قديماً وخاصة عند سكان المناطق الجبلية وأبناء قبيلة الشحوح، مثل »الخابية« و»الخروس«، وغيرها من الأواني الفخارية المختلفة التي تستخدم قديماً لتخزين القمح أو التمر أو الماء. وتمكن بن قيدوه من الحصول على أصداف متحجرة قديمة المصدر ونادرة الوجود، أصبحت بهذا الشكل نتيجة تعمق المياه إلى الداخل، وارتفاع الأمواج على بعض الجبال الساحلية القريبة من رأس الخيمة، إلى جانب بعض المعدات والأدوات النادرة مثل المنظار الحربي »دوربين«، الذي حصل عليه من صديقه وهو لجندي شارك في الحرب العالمية الثانية.

Email