أولياء أمور يؤكدون تعرض أبنائهم للتعنيف والتحقير

إساءة المعلم اللفظية.. إشكالية تربوية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تشفع صرخات الطالبة موزة 9 سنوات لها أمام معلمتها التي انهالت عليها بسيل من الشتائم لأنها ببساطة تحدثت أثناء شرح الحصة.

قصص كثيرة مشابهة لقصة موزة تتردد بكثرة بين الطلبة.. تؤكد بأن الإساءة اللفظية باتت من القضايا المقلقة في المجتمع التعليمي لانتشارها بشكل متزايد بين صفوف الهيئات التدريسية من جهة والطلبة انفسهم من جهة أخرى، لكن تبقى الكارثة في «من كاد أن يكون رسولا».

وقد كشف استبيان أجراه مجلس أبوظبي للتعليم، بشأن رضا أولياء الأمور في العام الدراسي الماضي 2014-2015 حول التحصيل الدراسي والسلامة المدرسية، شارك فيه أكثر من 58000 ولي أمر، أن 19% من الآباء في المدارس الخاصة المشاركين في الاستبيان، أشاروا إلى تعرّض أبنائهم إلى الإيذاء اللفظي مراراً وتكراراً في مدارسهم....

استفزاز

معلمون أفصحوا عن أن الطلبة يستفزونهم بشكل غير مقبول، ما يدفعهم للتنفيس عن غضبهم بشتم الطالب الذي لا يمكنه أن يثبت ذلك، بخلاف الضرب الذي يسهل إثباته، وبالتالي محاسبة المعلم بعقوبات تصل حد الفصل من الوظيفة والشواهد في ذلك كثيرة.

وفيما لا تتوفر إحصائية دقيقة حول نسبة العنف الممارس في المدارس بشقيه البدني واللفظي، إلا أن تربويين يتفقون على أن النسبة مرتفعة عموما، وبأن العنف اللفظي يتصدر أشكال العنف الذي تشهده ساحات المدارس، معتبرين أنه معضلة حقيقة لصعوبة ضبط مرتكبها وإنكاره في معظم الأحيان.

نقل الطالب

تغريد ولية أمر طالب في مدرسة خاصة في الشارقة قالت إنها اضطرت لنقل ابنها من مدرسته والسبب في ذلك أن معلمة مادة اللغة العربية تمارس العنف اللفظي بحق ابنها الذي لم يتجاوز عمره الـ8 سنوات, وجاءها في يوم من الأيام يسأل: أمي ماذا تعني كلمة «سد بوزك»؟ والمفاجأة الأكبر عندما قال لها ان معلمته هي من قالت له ذلك ولغيره من الطلبة في الفصل.

الأم توجهت الى الإدارة وقدمت شكوى رسمية بحق المعلمة، لكن الإدارة اتخذت موقفا سلبيا، والدليل بحسبها هو استمرار سيل الشتائم التي بقي يتلقاها طفلها، ما دفعها لنقله من المدرسة.

واقعة أخرى مشابهة لكنها أكثر حدة عندما تعرض «زيد» ابن السنوات العشر لإساءة بالغة الخطورة عندما وصفته معلمة مادة الانجليزية وهي معلمة من دولة أجنبية بلفظ لا يستخدمه الا أصحاب السوابق والشوارع، الأم وهي موظفة في دار القضاء بالشارقة تقول إن صدمتها وإحباطها منعاها من اتخاذ إجراء قانوني بحق المعلمة، واكتفت بنقله بعد انتهاء العام الدراسي الى مدرسة أخرى، بيد أنها تعترف بأن ما فعلته كان سلبيا لأن ذلك يمنح هذه المعلمة وغيرها غطاء للاستمرار في هذا السلوك المشين، مضيفة أنها تسمع سيلاً من الشكاوى والآهات تطلقها العديد من الأمهات في محيطها، سواء من الأقرباء أو الأصدقاء عن معاناتهم من الإساءة اللفظية التي يتعرض لها أبناؤهم والتي لا تمت بصلة للعملية التربوية والتعليمية.

تعاميم

تربويون ومختصون أكدوا أن استخدام العنف اللفظي ضد الطلاب متفشي في العديد من المدارس، بالرغم من التعميمات الصادرة عن وزارة التربية والتي تمنع ممارسة العنف بشقيه اللفظي والبدني، مشيرين الى أن هناك فئة تمارس تلك الطريقة بحجة فرض النظام وضبط الطلبة.

رد فعل

 

وفي لقاء مع هبة الله محمد موجهة الخدمة الاجتماعية في منطقة الشارقة التعليمية قالت: لا يزال بعض المعلمين تنقصهم عملية الضبط الانفعالي، حيث تثيرهم سلوكيات بعض الطلاب وتكون ردة فعلهم لا تتناسب مع شخصية ومكانة المعلم، لافتة إلى أن لائحة الانضباط السلوكي وجهت لتخاطب الطالب في سلوكه الإيجابي والسلوك الذي نحاول تعديله بأساليب عدة وفق الدرجات الخمس، مشددة على ضرورة التعاطي مع الطلاب بأسلوب مهني يخاطب عقولهم وعواطفهم ونبتعد عن التعامل بأنماط شخصية تفرغ شحناتها السلبية فيمن هم بحاجة إلينا.

وشددت على أن الأسلوب الذي يعتمد على الإساءة اللفظية أو البدنية من قبل المعلمين أو حتى أولياء الأمور ينقسم الى قسمين فقد يزيد من إحساس الطالب بمشاعر الدونية لديه، وما ينجم عنها من سلوك انسحابي في كافة الجوانب، وفي المقابل قد يفجر لديه السلوك العدواني دفاعا عن ذاته بأي صورة كانت.

ضعف الشخصية

اللجوء الى التحقير والشتم والازدراء في العملية التعليمية من وجهة نظر قمبر المازم مدير ثانوية تريم بالشارقة، مؤشر واضح لضعف شخصية المعلم وعدم إلمامه بتأثيرها السلبي على شخصية الطالب ونفسيته وتنشئته، وعليه فإن الحل يكمن في دقة اختيار الهيئات التدريسية، معتبرا هذه الظاهرة محجمة في المدارس الحكومية، لكنها أكثر ظهورا وحدة في بعض المدارس الخاصة، حيث يمارس من قبل البعض باستخدام عبارات الاستهزاء والسخرية والاستهجان والتحقير.

ويصف يعقوب الحمادي اختصاصي اجتماعي في مدرسة الشهباء للتعليم الأساسي حلقة ثانية، العقاب اللفظي بأنه مرفوض أخلاقيا وتربويا لأن أثره يتعاظم في نتائجه على المستوى النفسي للطالب ليصبح أحد أهم عوامل الإحباط والنفور من المجتمع المدرسي ومن ثم التسرب منه، مشيرا الى أن المعلم الذي اعتاد الإساءة بالألفاظ النابية لا يرتدع إلا بالإجراءات الجزائية، وعندما يعي ذلك يدرك أنه يتحمل مسؤولية ما يقوله,, لافتا الى وجود هذه الفئة من المعلمين والمعلمات، ومطالبا باتخاذ الإجراءات الإدارية بحق كل من يخطئ، وأن هناك طرقاً عدة للتحقق من مصداقية الطالب والمعلم عندما ينكر ما تفوه به من ألفاظ، مضيفا أنه نادرا ما يتهم طالب معلمه بأنه تعرض لبعض الألفاظ المسيئة منه إلا في حالة واحدة وهو ان يتجرأ الطالب على المعلم بالأفعال الاستفزازية، لذا المصداقية تحتاج الى التحقق حتى لا يظلم أحد طرفي العلاقة، ولا بد من الاستماع لهما، مشيرا الى أن على المدرس الذي يخطئ على اقل تقدير أن يؤدي خدمة مجتمعية كوسيلة لتقويم سلوكه وعدم تكرارها مرة أخرى وطبعا يكون ذلك حسب حجم الخطأ.

وأضاف يجب أن يمتلك المعلم مخزونا معرفيا وأخلاقيا وتربويا يكفل له أسلوبا صحيحا في التعامل مع الطالب والمشاركة في صياغة شخصية سوية معززة بمنظومة القيم والأخلاق.

 وحذرت جمانة أبو شمسية مشرفة في مدرسة الصالح الخاصة في الشارقة، من قذف الطلاب بعبارات لفظية جارحة، مبينة أن تكرار العنف اللفظي يؤثر في نمو الطفل اجتماعيا ونفسيا، وكذلك تدني مستوى تقدير الذات وانعدام الثقة بالنفس، مطالبة باستخدام أسلوب التعزيز الإيجابي مع الطلبة، وأسدت نصيحة للمعلمين بألا يوجهوا العبارات الجارحة المؤذية لنفسية الطالب ويستبدلوها بالتعزيز الإيجابي.

عقوبات مشددة

عقوبات شديدة وقوية تتخذها وزارة التربية والتعليم بحق من يستخدم العنف في كافة المدارس من الكوادر التدريسية والتعليمية تصل الى الفصل من الوظيفة، كان آخرها إنهاء خدمات معلم فيديو الضرب في عجمان، وقد حذرت الوزارة في لائحة الانضباط السلوكي للمتعلمين من عدم استخدام العقاب أو السخرية والاستهزاء من الطلبة عند تقويم السلوك السلبي لدى المتعلمين، فيما خصصت خطاً ساخناً مباشراً بينها وبين الوزارة.

كلمات كحد السيف

وفق هبة الله محمد موجهة الخدمة الاجتماعية في منطقة الشارقة التعليمية فإن كثيرا من المعلمين يمتلكون مهارات التعامل مع الطالب، وهذا ما يجعل بعض الطلاب يرتبطون ارتباطا مهنيا ببعضهم، والمفترض أن المعلم يتعامل من منطلق عمله المهني ولا يؤثر نمط شخصيته في التعامل مع الطالب، مضيفة ان دور المعلم ليس تقديم ما لديه من معلومات علمية باستراتيجيات متعددة، ولكنه يتعامل مع أحاسيس ومشاعر، ففي جانب السلوكيات السلبية بصرف النظر عن أسلوب العقاب في لائحة الانضباط السلوكي، لا بد أن نوفر بيئة جاذبة للمتعلم باحترام، وصوت منخفض، قد تكون هناك بعض الكلمات من بعض المعلمين كحد السيف على الطلاب أقوى من الإيذاء البدني، قد تكون هناك نظرة تلخص كلمات كثيرة للطالب، مطالبة بأن يستحضر المعلم أن هذا الطالب جاء ليستعين به في مساعدته على تخطي عقبات دراسية عدة، بالإضافة لبعض المشكلات، وذلك يأتي من منطلق تكامل الأدوار بين المعلم، والاختصاصي الاجتماعي، والأسرة.

قيم

ذكرت هبة الله أن الخطأ يكمن في الشخصيات التي تتعامل مع الطلاب من معلمين وأولياء أمور، والمطلوب ترسيخ القيم الأخلاقية لديهم بأسلوب يتماشى مع أعمارهم الزمنية، عندها نحصل على الأثر والمنتج الذي نبحث عنه.

Email