800 عائلة محاصرة تصارع الموت في حمص

ت + ت - الحجم الطبيعي

ترزح نحو 800 عائلة حمصية في 15 حياً تحت حصار خانق منذ قرابة ثمانية شهور، ومن دون مؤشرات بتحسن أوضاعهم الإنسانية والمعيشية، فهذه العائلات، بحسب إحصاءات مجلس الثورة في محافظة حمص، من السنة والمسيحين، ويوجد أغلبهم في منطقتي الخالدية ومناطق حمص القديمة، حيث أوصدت في وجهها سبل النزوح، وعلقت بين نيران القوات النظامية التي تدك الأحياء المحاصرة يومياً بشتى صنوف الأسلحة الثقيلة، وبين المشقات الحياة اليومية التي تخيم بكل ثقلها عليهم.

فأم سمير قتل زوجها في قتال مع قوات النظام، حين كان يقاتل على الجبهة في حي الخالدية، رفضت النزوح، والتزمت بالبقاء قرب زوجها، حيث تشرف على إعالة أولادها الخمسة في منزل مخترق جدرانه برصاص البنادق، وتقول: «رغم إصرار الجيران على مغادرة الحي المنكوب، أردت البقاء مهما تكن النتائج، زوجي توفي هنا، سنعيش على زعتر وبرغل ورز.. لكن لن نتزحزح عن منزلنا».

حياة معدومة

وتقول أم سمير (41) عاماً، والتي تعيش على المعونات الداخلية التي تدخل سراً على حي الخالدية: «انعدمت الحياة هنا، نسمع فقط أصوات الرصاص والهاون وقصف الطيران، أغلب البيوت سويت بالأرض، الجيش الحر محاصر أيضاً، لكنهم مرابطون هنا للدفاع عن العائلات، وهم يوفرون لنا المأكل والمشرب». وتشير المعلومات الميدانية إلى أن عدد عناصر الجيش الحر الموجودين ضمن المناطق المحاصرة يزيد على ثمانية آلاف، يحملون السلاح ويقومون بأعمال مدنية مختلفة، من تأمين الخبز والطبخ، وتأمين الكهرباء والماء وكافة الخدمات الأخرى لبعضهم وللمدينيين المحاصرين.

بيد أن الشلل الذي يضرب المرافق العامة، يفوق قدرة الجيش الحر على إصلاحها، ولأن التيار الكهرباء مقطوع طيلة شهور مضت على تلك الأحياء المحاصرة، انتشر بين العائلات اختراع جديد لسد حاجة التقنين، ومفاد تلك الفكرة، كما يقول أبو أحمد، وهو رجل مسن يعيش في غرفة صغيرة الحجم في قبو إحدى البنايات بحي جورة الشياح: «نحفر بطاطا بعمق معين، ونضع فيه قماشة صغيرة تشبه الفتيل، ومن ثم نضع سائل الكاز بداخلها لإنارة المكان حتى أطول فترة ممكنة».

آبار في الحي

ويروي أبو أحمد قصتهم مع المياه المنعدمة في الحي، بعد أن استهدف طيران النظام شبكات المياه: «ثمة آبار تقليدية منتشرة في منازل قديمة، يقوم مجموعة من الشباب بمساعدة الثوار في الحي بسحب المياه عن طريق الدلو، وتوزيعها عبر الأواني المنزلية على غالبية العائلات».

وفي الحي ذاته، ثمة ظاهرة غريبة نوعاً ما، لكنها تولدت من حاجات الناس إلى الغذاء، فالمعروف أن تلك العائلات المحاصرة لم يتسنّ لها الوقت في تخزين المؤن السنوية المعمرة، وبالتالي تقصد الأهالي البيوت المهدمة، وتنبش من تحت الأنقاض، لعلهم يجدون فيه ما يسد رمقهم، ويشير ناصر، وهو ناشط ميداني يعمل مع الجيش الحر في الحي: «أحياناً تنقطع المساعدات عن العائلات أياماً متتالية، يبحث الناس تحت الركام، وفي فترات التي يهدأ فيها أزيز القصف، لعلهم يجدون في المنازل المدمرة بفعل القصف ما يسد جوعهم». ويقول علاء، في معرض حديثه عن الأحوال الصحية لدى العائلات المحاصرة: «نعتمد على المشافي الميدانية ببساطتها، وكثيراً ما يضطر الأطباء لاستخدام الأساليب الطبية القديمة في العلاج، أو عن طريق تناول الأعشاب وغيرها من الطرق، في ظل شح دوائي، وشح على مستوى الكادر الطبي».

تبرعات

يكشف الناشط الميداني، ناصر، أن الجيش الحر يسيطر على منطقة السوق وكافة المناطق التجارية، بما فيها من مستودعات غذائية وألبسة، ويقوم بحمايتها، ويتبرع أغلبية التجار للمحاصرين بما في محلاتهم من طعام ومؤن. أما التدفئة والطهي على الحطب والأثاث المنزلي، فهي صفة عامة تسود نمط الحياة تلك العائلات، وغسل الملابس والاستحمام يكاد يغيب في هذه الظروف الصعبة، كما ينقل علاء الحمصي، وهو يقاتل مع الثوار في حي القصور، مضيفاً: «الناس بدأت تستغني عن كل شيء كي تحافظ على أرواحها، لا المال ولا البيوت باتت تحتل أهمية عندهم».

Email