ازدهرت في عهد زايد وحظيت باهتمامه

رياضة «سباقات الهجن».. ستون عاماً من الأصالة والعراقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أيام المؤسس 04

يُعد المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، مؤسس الدولة وباني نهضتها الحقيقية، لما قام به من جهود كبيرة لسنوات طوال حتى يتحول الاتحاد من حلم إلى واقع، «صفحات رمضان» في هذا العام، وللسنة العاشرة على التوالي، تحاول أن تُلقي الضوء على علاقة الراحل العظيم بعالم الرياضة، ولعل الاهتمام الكبير للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، جاء بعد أن أدرك بفكره النافذ ورؤيته المستقبلية أهمية دور الشباب في عالم الرياضة، وتلك العلاقة المتينة، وذلك من أجل تنمية الإنسان وقدرته على الاستمرار والنجاح والنهوض والتطور من أجل بلاده، واليوم ونحن في «عام زايد» تلك المبادرة التي أطلقتها القيادة الحكيمة تقديراً لشخصية قلما يجود الزمان بمثلها، نستعرض التاريخ والهوية الحقيقية من خلال الرياضات، تلك الهوية الخاصة بنا والمختلفة عن الأمم والشعوب، والتي نفتخر بها دوماً بين الجميع.

في هذا الفصل نتناول سباقات الهجن ودورها التراثي واهتمام القائد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، فقد قام الزميل والباحث التراثي حمدي نصر في كتابه فارق كبير في الزمان والمكان والمضمون والتفاصيل بين أول سباق هجن رسمي في الإمارات وسباقات الهجن التي تشهدها البلاد هذه الأيام، وخاصة المهرجانات الختامية في الوثبة، فإن كانت هي سنوات في عمر الزمن، إلا أنها في مقاييس التغير الذي حدث لا تقدر بثمن!

أول سباق هجن رسمي في الدولة أقيم عام 1957، والمسافة الزمنية بينه وبين السباقات الحالية التي تقارب 61 عاماً، واستمرار متابعة عشاقها لها على كافة المستويات، تدل على أصالة سباقات الهجن وعراقتها، وأنها جزء عزيز وغال ومهم في تراثنا العريق.

كما يأتي أول سباق رسمي بمناسبة زفاف سمو الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان.. وحضره جمهور كبير من كل مكان كعادتهم ليشاركوا في الأفراح ويقدموا التهاني.. جاؤوا من أبوظبي ورأس الخيمة والفجيرة.. وفازت بهذا السباق «منحاف» ناقة الشيخ زايد التي كانت يومها ثنية.. ورغم اشتراكها مع الحول فازت واستحقت الناموس والشارة.

فارق في الشارة

الشارة التي حصل عليها ركبي «منحاف» في عرس الشيخ طحنون عندما فازت لأول مرة كانت 400 ريال.. «وتفق أم عشرة» بندقية وبشت.. وكما يقولون كانت الألف ريال في ذلك الوقت تعادل مليوناً حالياً.. وتعددت الشارات اليوم وتنوعت بين قيمة مادية وسيارات فخمة حديثة وسيوف ذهبية.. والناقة السبوق كان ثمنها 100 ريال.. والآن.. وصلت المليون أيضاً، من أهم التغييرات التي حدثت في شكل السباقات: ميادين السباقات.. حيث كان الميدان في عام 1957 مساحة طويلة مفتوحة ولمسافة 28 كيلومتراً، أما الآن فإن ميادين السباقات تعد مفخرة حقيقية في الهندسة والتصميم والروعة والتنظيم، فهي ساحات ثابتة محددة لها مدرجات ومنصة حديثة فخمة مكيفة لراحة كبار الضيوف والمتابعين، والميادين دائرية محددة، والمسافات يمكن التحكم فيها حسب الرغبة، والنقل التليفزيوني للمشاهدين في بيوتهم وللمتابعين في المنصة والمدرجات عبر شاشات وأجهزة تليفزيون خاصة لنقل وقائع السباق في مراحله البعيدة، والمعلقون الذين ينقلون صوراً حية لكل مرحلة من مراحل السباق، وهذه الميادين منتشرة في بلادنا وأبرزها في الوثبة وسويحان في أبوظبي وند الشبا بدبي والمقام بالعين، كما توجد ميادين في المنطقة الغربية ورأس الخيمة وأم القيوين والشارقة وعجمان.

مواسم

أما السباقات نفسها فلها مواسم معينة ثابتة يعرفها المهتمون المتابعون ولم تعد قاصرة على المناسبات، وهي مقسمة ومنظمة بالأشواط، والهجن مصنفة حسب النوع والسن، والجوائز نقدية وعينية ليس للأول فقط وإنما من الأول للعاشر في كل شوط، إضافة إلى سباق الجائزة الكبرى الذي يقام وسط الموسم وتبلغ جوائزه عشرة ملايين درهم

ومن الفروق أيضاً أن سباق عام 1957 حضره الشيوخ وأعيان البلاد أما سباقات هذه الأيام فهي تحظى باهتمام كبير وبدعم من صاحب السمو رئيس الدولة وإخوانه أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، فتشارك فيها إلى جانب الهجن المحلية هجن من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ويدل هذا الاهتمام الكبير على مدى حرص القائد المؤسس رحمه الله، على ترسيخ التراث في قلوب وصدور أبنائه من منطلق أنه يذكرهم بالماضي الذي هو أساس وعماد البناء للمستقبل، وهو القاعدة القوية الراسخة التي تنطلق منها النهضة الشاملة، كما يدل هذا الاهتمام على مدى تعلق أبناء المنطقة بتراثهم وتمسكهم بالأصالة والجذور.

أجواء تراثية

ولم يقتصر الاهتمام على أبناء المنطقة فقط، بل شدت سباقات الهجن العديد من أبناء الجاليات العربية والأجنبية والمقيمين داخل الدولة، والسياح الذين يأتون من أوروبا وغيرها للاستمتاع بجو بلادنا الجميل في وقت الشتاء والخدمات السياحية المقدمة، فيحرصون على متابعة السباقات، ومعايشة الجو التراثي من خلال المخيمات التي تقام في البر لهواة الانطلاق والمرح بعيداً عن أجواء المدن.

وأبناء الإمارات كما ذكرنا يعتزون بالهجن ويفرحون بها ولها، ويحرصون على رعايتها والاهتمام بها، ويقضون الساعات الطوال في متابعتها وخدمتها مما وفر لهم خبرة كبيرة في هذا المجال، وفي عالم الهجن بشكل عام، تمكن رجل خبير في الهجن من معرفة ابنة ناقته من أثرها وبعد غيبة خمس سنوات.. وهذه خبرة لا يملكها إلا ندرة.. ولا يقدر عليها إلا من تربى بين الهجن وارتبط بها بكيانه وقلبه وكل أحاسيسه ومن أبناء الإمارات الخبراء في عالم الهجن من يتمكن من معرفة لون الناقة من أثرها على الأرض.

Email