مؤتمر تاريخي في أرض صناعة المستقبل المستدام

«كوب28».. منجزات عالمية بريادة إماراتية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعويل واسع، ورهانات مختلفة، وضعها العالم على مؤتمر«كوب28» قبل انعقاده.. ومنذ اليوم الأول، نجح الحدث في تقديم رسائل إيجابية، تثبت أنه مؤتمر استثنائي تاريخي، مختلف كلياً، لجهة التقدمات التي أحرزها في سياق ملفات ذات أولوية قصوى بالنسبة للعمل المناخي، على رأسها ملف «التمويل»، الأكثر أهمية، في ضوء حصيلة التعهدات المالية المبدئية الجديدة التي تم الكشف عنها.

شكل الإعلان رسمياً عن تبني مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، تفعيل صندوق «الخسائر والأضرار»، كما أعلن معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر رئيس مؤتمر الأطراف«كوب28» افتتاحية نموذجية لمؤتمر ينتظر منه الكثير في هذا الصدد، بما عكس حجم التقدم المحرز منذ اليوم الأول، والتفاؤل الواسع بالخروج بنتائج إيجابية طالما انتظرها العالم، من خلال البناء على مخرجات المؤتمرات السابقة.

في اليوم الثاني من أعمال المؤتمر، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إطلاق صندوق للمناخ بقيمة 30 مليار دولار.

فيما سارعت عديد من الدول إلى إعلان مساهماتها المالية المناخية خلال أيام انعقاد المؤتمر في دبي، في مقدمتها دولة الإمارات التي افتتحت المساهمات العالمية بقيمة 100 مليون دولار، أعلنها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، فإنه من المنتظر أن يكون هنالك مزيد من المساهمات الأخرى من عدد من الأطراف.

حظيت تلك الخطوات المبكرة بإشادات واسعة من قبل المعنيين بالعمل المناخي، مع ارتفاع سقف التطلعات حيال المأمول من المؤتمر، إذ اعتبر رئيس مؤتمر الأطراف أن قرار تفعيل الصندوق يرسل بدوره إشارات زخم إيجابية للعالم.

كذلك ينظر إلى الحدث أنه وسيلة أساسية لتحقيق «العدالة المناخية»، وهو ما أكده كل من أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وكذلك رئيس مجموعة الدول الأقل تقدماً، مادلين ضيوف. كما اعتبر الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، سيمون ستيل، أن إقرار تفعيل الصندوق يعني انطلاقة إيجابية لهذه القمة، بالتالي يتعين استغلال ذلك من قبل الحكومات والمفاوضين.

بينما خيمت حالة من التفاؤل الواسع حيال مدى ما يمكن أن تصل إليه المناقشات خلال أعمال المؤتمر في الأيام المقبلة من اتفاقات ومنجزات جديدة تكلل بنجاح واسع، لاسيما في ظل ما تحقق في أيامه الأولى من تقدمات طال انتظارها.

يعكس هذا التفاؤل، وتلك التطلعات الواسعة، الكلمات الرئيسة التي ألقاها عدد من القادة والمسؤولين خلال افتتاحية أعمال (كوب28)، الذين شددوا على حجم التعويل الملقى على المؤتمر بوصفه واحداً من أهم القمم المناخية، لاسيما أنه يأتي في توقيت فريد، ومرحلة انتقالية يشهدها العالم في سياق العمل المناخي.

مساهمات مبشرة

استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة، مندوب أفريقيا بالهيئة الدولية لتغير المناخ، الدكتور سمير طنطاوي، يصرح لـ«البيان»، أن مساهمة دولة الإمارات في الصندوق الجديد، من شأنها دعم نجاح التشغيل الفعلي لصندوق خسائر وأضرار التغيرات المناخية، بما يحفز باقي الدول المانحة على تقديم مساهمات كالإمارات التي أطلقت المبادرة لإنجاح المؤتمر عبر تفعيل الصندوق رسمياً.

وينوه طنطاوي في السياق إلى إعلان عدد من الدول الأخرى، تقديم مساهماتها في الصندوق، بينها: ألمانيا التي أعلنت تقديم 100 مليون دولار، والولايات المتحدة (17.5 مليوناً). أما المملكة المتحدة، فأعلنت تقديم (60 مليوناً)، وكندا (16 مليوناً)، واليابان (10 ملايين).

بينما أعلن البنك الدولي تخصيص 45 % من تمويلاته السنوية لمشروعات المناخ. وذكرت وكالة «رويترز» أن الولايات المتحدة سوف تخصص 3 مليارات لصندوق المناخ الأخضر، وذلك في سياق الزخم الواسع حول مؤتمر الأطراف (كوب28).

ويعتقد طنطاوي بأن الأيام المقبلة لما بعد انقضاء أعمال (كوب28)، سوف تركز على تذليل العقبات والتحديات التي تواجه التطبيقات العملية على الأرض، تحديداً فيما يخص الدول المستحقة للتمويل، لاسيما أن بعض الدول الصناعية ترفض الدول المحسوبة على الدول النامية (تحديداً: الهند، والصين، والبرازيل)، إذ ترى أنها دول غنية بالموارد، ولا تستحق التمويل من الصندوق، في حين أن الدول النامية ترى أنه في حال حدوث كارثة فمن حقوقها أن تمول من موارد الصندوق، وبذلك سوف يستمر النقاش بين الدول المانحة ونظيرتها النامية في هذا الشأن.

ويكمل طنطاوي، أن طريق النجاح ليس سهلاً، وسيظهر هذا على مدار الأيام المقبلة من خلال تطبيق التوصيات التي رشحت عن المؤتمر العالمي، لا سيما أن ثمة أزمة ثقة بين الدول الصناعية ونظيرتها النامية، فمنذ وعدت الأولى بـ100 مليار دولار سنوياً لصالح الصندوق، وهذا لم يحدث، يشدد طنطاوي على أن نجاح كبير للمؤتمر (خاصة في ظل التقدمات الحالية التي تم إحرازها)، وحال تفعيل الصندوق بشكل فعلي، على أرض الواقع لضخ تلك الاستثمارات وتمويل المشروعات ذات الصلة.

في ثاني أيام مؤتمر (كوب28)، وخلال القمة العالمية للعمل المناخي، تم إطلاق صندوق «ألتيرا» للحلول المناخية، بقيمة 30 مليار دولار.

«إعلان الإمارات للتمويل المناخي»

من التقدمات المحرزة على صعيد المؤتمر، إزاحة رئيس مؤتمر الأطراف (كوب28)، الستار عن «إعلان الإمارات (COP28) بشأن الإطار العالمي للتمويل المناخي»، الذي يأتي في إطار الاستجابة لنتائج الحصيلة العالمية لتقييم التقدم في تنفيذ أهداف باريس.

ويوفر «إعلان الإمارات للتمويل المناخي»، الذي تم إطلاقه بحضور مجموعة من القادة العالميين، الذين قاموا بدور رائد في دعم أجندة تطوير آليات التمويل المناخي، نهجاً شاملاً وموحداً لزيادة التمويل المناخي بهدف الحد من تداعيات تغير المناخ.

نجاح من اليوم الأول

«هذا يعد مؤشراً كبيراً على نجاح المؤتمر منذ يومه الأول؛ بما يشكل دفعة لجهود العمل المناخي».. هكذا وصف أستاذ الدراسات البيئية، الدكتور عبدالمسيح سمعان، خلال حديثه مع «البيان»، مساهمة دولة الإمارات بـ100 مليون دولار في الصندوق الجديد، وإعلان إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية ثاني أيام المؤتمر.

وقال سمعان، إن بدء ضخ هذه المساهمات في الصندوق المتفق عليه في (COP27) بمصر، بعد 4 اجتماعات خلال العام الماضي، لوضع معايير أو قواعد لهذا الصندوق بوجود عدد من الدول النامية، والمتقدمة؛ يعد بداية جيدة جداً، وهذا لم يحدث حتى في باريس، حيث لم يكن هناك تنفيذ على أرض الواقع.

ويؤكد أستاذ الدراسات البيئية أن «هذه الخطوات بداية ناجحة بكل المقاييس (..) لهذه المساهمات المعلنة خلال الأيام الأولى من (COP28) دلالات على أن الوضع يمضي للأفضل، وسيكون لذلك تأثير في التوصل لاتفاقات أخرى بشأن التمويل»، موضحاً في الوقت نفسه إلى أن ما تحقق يمثل بادرة جيدة للدول الأخرى أن تضع مثل هذه الأرقام (المساهمات) في الصندوق، بما يجدد الأمل في ملف التمويل.

ويضيف سمعان: «تعد مشكلة التمويل هي المعضلة الأكبر في سياق التعامل مع التحديات المناخية.. إذا زاد التمويل مع تقليل الانبعاثات فسيكون ذلك بداية جيدة، وهو ما يعول عليه حالياً في مؤتمر الأطراف (COP28).. وتباعاً سوف تظهر تطبيقات ذلك على أرض الواقع، إذ رأينا تقارير الدول وكلماتها التي تؤكد فكرة التمويل والتحديات التي تواجه الدول، وأننا قادرون كجيل ومسؤولين على أن نتخطى هذه المرحلة للأفضل».

رسائل وإشارات

وحول الرسائل والإشارات التي تبعث بها المساهمات الإماراتية، يذكر سمعان أن تلك المساهمات من شأنها تعزيز دور الدولة كشريك إقليمي وعالمي في تكريس العمل المناخي، لاسيما أن الإمارات دولة كبيرة وقادرة على إدارة هذا الملف بكفاءة، مثلما حققت مصر مؤتمراً ناجحاً العام الماضي في (COP27) ظهرت آثاره اليوم.

ويؤكد سمعان أن الإمارات قادرة على تحقيق هذا النصر بما تتمتع به من كفاءات، وقدرات، وإمكانات، يمكن أن تحرك قضايا المناخ، منوهاً بأن هناك إصراراً على تطبيق المخرجات الإيجابية لـ(COP28)، مقدراً مواصلة العمل الجاد والدؤوب خلال المرحلة المقبلة مثلما أعلن كل رؤساء الدول.

يشار في السياق، إلى إعلان دولة الإمارات، خلال القمة العالمية للعمل المناخي، تقديم 735 مليون درهم (200 مليون دولار)، لتعزيز المرونة المناخية لدى الدول الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ، والدول منخفضة الدخل، وذلك بعد تعهد سابق قدمته الدولة بمبلغ مماثل للغرض ذاته خلال اجتماعات مجموعة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أكتوبر الماضي في مراكش بالمغرب.

وفي تقييم مبدئي لأعمال المؤتمر والاختراقات الإيجابية التي حققها، شاركه مدير مركز الطاقة العالمي بالمجلس الأطلسي، لاندون ديرينتس، مع «البيان» عبر البريد الإلكتروني، حيث ذكر أن اليوم الأول في مؤتمر الأطراف (COP28) - وبعد عام واحد فقط من اتفاق الدول في مؤتمر الأطراف (COP27) على إنشاء صندوق «للخسائر والأضرار» - جمعت البلدان أكثر من 425 مليون دولار لمساعدة الاقتصادات النامية على التعامل مع الآثار الضارة لتغير المناخ. وتعهدت كل من الإمارات وألمانيا، على وجه الخصوص، بمبلغ 100 مليون دولار.

كما تحدث ديرينتس عن التطلعات المرتبطة بإحراز تقدم على صعيد مضاعفة نشر الطاقة النووية والمتجددة ثلاث مرات، والتقدم المحرز في تشكيل صندوق عالمي لغاز «الميثان»،. والزخم في إنشاء ميثاق إزالة الكربون من النفط والغاز.

جرعة أمل

ويقول خبير البيئة والمناخ، حمدي حشاد، في تصريح لـ«البيان»، إن الالتزام بالتمويلات لصندوق خسائر وأضرار المناخ، بشرط أن تكون على أرض الواقع من أطراف لديها جدية، هو بمثابة جرعة أمل في مسار مختنق للمفاوضات المناخية، وتطبيق بعض السياسات الداخلية، خاصة وأن المؤتمر سيشهد تقييم الأداء العالمي للمرة الأولى.

ويؤكد الخبير أن المبادرات الإماراتية المعلنة هي مبادرات محمودة، فهي بذلك تقدم رسالة واضحة للعالم في رغبتها لدفع مسار المفاوضات ودفع مسار تعبئة الموارد المالية اللازمة، من خلال أخذ زمام تلك المبادرة التي توفر جانباً كبيراً من الاعتمادات بالتعاون مع بعض الشركاء الذين لديهم رؤية لخدمة الأجندة المناخية.

ويضيف حشاد: إن هذا الإطار التمويلي يمكن أن يشكل أرضية خصبة للتوصل إلى حلول، مؤكداً أهمية وجود إرادة سياسية في التنسيق بين مختلف الأطراف نظراً لوجود تباين بين بعض الأطراف في وجهات النظر أسهمت تلك التباينات في وقت سابق ـ بينها: الخلافات بين الولايات المتحدة والصين ـ في عدم التوصل إلى صيغة نهائية أو لتعبئة الموارد المالية اللازمة لتطبيق الأجندة المناخية (..).

Email