إصلاح مجلس الأمن .. إجماع دولي على الهدف ورؤى ودوافع مختلفة

المجلس فشل في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين في عديد من الملفات - أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُعطي التطورات الجيوسياسية المتسارعة، وحالة الديناميكية التي تشهدها العلاقات الدولية اليوم، وارتداداتها المباشرة وغير المباشرة على المشهد الدولي والنُظم الإقليمية المختلفة.

مزيداً من الزخم للدعوات المرتبطة بإصلاح مجلس الأمن، في ضوء الاختلالات الوظيفية التي تعاني منها تلك المؤسسة التي تم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية بهدف معالجة إخفاقات عصبة الأمم في الحفاظ على السلم العالمي، وكواجهة لقوى النظام الدولي المهيمنة بعد الحرب.

على مدار نحو ما يزيد على 77 عاماً منذ انعقاد أول اجتماعات المجلس في العام 1946 وحتى الآن، وصمته جملة من الإخفاقات، مع فشله في القيام بدوره المنوط به في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين في عديد من الملفات. بينما يُقدم المشهد الدولي الراهن، وجملة الحرائق السياسية والعسكرية المشتعلة في عديد من البلدان حول العالم.

والصراع بين القوى الكبرى الذي يذكي تلك النيران، صورة واضحة لعالم اليوم، وإدانة تاريخية عملية لدور المجلس الذي لم ينجح ببنيته وتكوينه الحالي في وأد الصراعات أو ضمان السيطرة عليها وعدم تمددها.

وما الحرب الممتدة في سوريا منذ 2011 وعلى مدار أكثر من 12 عاماً بكلفتها الإنسانية والمادية الباهظة، على سبيل المثال، إضافة إلى جملة الأزمات المستعرة في عديد من المناطق حول العالم، إلا حلقات في مسلسل الإخفاقات المتوالية لمجلس الأمن الذي تمزقه تباينات الأعضاء الدائمين وتعرقل دوره في اتخاذ ما يلزم من قرارات بناءً على مبادئ القانون الدولي.

لا تقدم

تبعاً لذلك، صاحبت مجلس الأمن طيلة العقود الماضية دعوات «الإصلاح» برؤى وأفكار مختلفة. عادة ما كانت تلك الدعوات تحظى بمزيدٍ من الزخم في فترات الأزمات الكبرى المُهددة للسلم والأمن الدوليين، دون تقدم عملي وجاد نحو العمل على ذلك الإصلاح الجذري، لا سيما مع تباين الرؤى الدولية واختلاف المصالح.

بينما هناك شبه إجماع على ضرورة «الإصلاح» المنشود، غير أن الأهداف والرؤى تختلف بشكل واسع، انطلاقاً من المعايير والمبادئ المختلفة التي يتبناها كل طرف، فبينما تدعو روسيا، على سبيل المثال، إلى إصلاح المنظومة الدولية، فإنها تنطلق من أساس تبنيها رؤية لنظام عالمي جديد، قائم على التعددية القطبية، يُنهي حقبة نظام «القطب الواحد المُهيمنة».

وهو الهدف الذي يختلف بطبيعة الحال عن دوافع الجانب الأمريكي من دعوته لإصلاح منظومة مجلس الأمن، إذ تسعى واشنطن إلى احتواء المتغيرات المتسارعة، وحالة السيولة الدولية لصالحها دون تأثير على هيمنتها السياسية والاقتصادية.

بالتالي، وفي ظل حالة الاستقطاب الدولي الراهنة، وانطلاقاً من الحقائق الجيوسياسية اليوم، فإن كل طرف يتبنى دعوة الإصلاح من منظوره الخاص، وموقفه من النظام الدولي القائم، وهو ما يعرقل بدوره التوصل لتغيير حقيقي في بنية المنظومة الدولية يعكس التمثيل الأكبر للقوى داخل مجلس الأمن، وبالتالي فإن التغيير قد يكون شكلياً لا جوهرياً يفضي إلى فعالية حقيقية على الأرض.

دعوات جدية

أستاذ العلاقات الدولية في كلية «ليناكر» - جامعة «أوكسفورد»، ريتشارد كابلان، الذي تشمل اهتماماته البحثية الرئيسة المنظمات الدولية وإدارة الصراعات، يصرح لـ«البيان»، أن الدعوات لإصلاح مجلس الأمن هي دعوات «جدية وطويلة الأمد»، مشدداً على أن هناك إجماعاً واسع النطاق على أن إدخال تغييرات على تركيبة المجلس أمر ضروري؛ لجعله أكثر تمثيلاً للمجتمع الدولي ككل، فضلاً عن الحقائق الجيوسياسية الآنية.

وفي ضوء الجمود الذي منع مجلس الأمن من اتخاذ إجراءات فعّالة، فيما يتعلق بالحرب في سوريا، على سبيل المثال، وكذلك الحرب في أوكرانيا، وغير ذلك من الأزمات، فإن «هناك حالة إحباط إزاء كيفية إساءة الأعضاء الدائمين استخدام حق النقض (الفيتو)»، على حد تعبير كابلان، وهو مؤلف ومحرر عديد من الكتب في العلاقات الدولية.

وينوّه بأنّ ثمة دعماً من جانب «دول الجنوب العالمي» لجهود روسيا والصين من أجل تحدي الهيمنة الغربية، والنظام الدولي الليبرالي، الذي روّجتا له بالقوة في بعض الأحيان. ومع ذلك، لا روسيا، ولا الصين، تؤيدان إصلاحات الأمم المتحدة التي من شأنها أن تقلل من نفوذهما هناك، على حد وصفه.

وعلى هامش اجتماعات الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، كان ملف «إصلاح مجلس الأمن» حاضراً بقوة، ومثيراً للغط بشكل واسع. في وقت جدد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في كلمته الافتتاحية، تأكيد دعم بلاده توسيع المجلس وزيادة الأعضاء الدائمين وغير الدائمين.

منظومة دولية

«منذ إنشاء الأمم المتحدة تقريباً، كانت هناك دعوات لإصلاح المنظومة الدولية، تركزت في معظمها على إصلاح مجلس الأمن.. ومن الواضح أن المجلس الحالي، الذي يعكس توازن القوى منذ عام 1945، غير كافٍ وغير تمثيلي».

هذا ما يؤكده في حديثه مع «البيان»، الأكاديمي الأمريكي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «هاملتون» - نيويورك، آلان كفروني، الذي يلفت إلى أنه «في خضم تنافس القوى العظمى، فإن حق النقض الدائم يحد من صلاحيات المجلس».

وينوّه إلى دعوات الأمناء المتعاقبين للأمم المتحدة لتغيير قواعدها وتكوينها. وقد أيدت الولايات المتحدة الدعوات المطالبة بتوسيعها، لكن ليس باستخدام حق النقض. ومع ذلك، فإن التوسعة تتطلب تعديل ميثاق الأمم المتحدة، وهي عملية مرهقة تمت آخر مرة عام 1973.

«علاوة على ذلك، من الطبيعي أن يستمر جميع الأعضاء الدائمين في استخدام حق النقض للاحتفاظ بمقاعدهم. وسوف يواجه التوسيع عديداً من المشاكل، في حين أنه حتى لو نجح، فلن يفعل الكثير لجعل المجلس أكثر فعالية»، وفق كفروني، الذي يتحدث عن التحركات الروسية والصينية على الصعيد الدولي.

مقترحات أمريكية

ويشير مراقبون إلى أن المقترحات الأمريكية لإصلاح مجلس الأمن (التي ذكرت تقارير أنها تتضمن إضافة خمس أو ست دول للمجلس، مثل:

اليابان، وألمانيا، والهند، والبرازيل، وجنوب أفريقيا)، تنطلق أساساً من مساعي الولايات المتحدة لمواجهة نفوذ روسيا والصين داخل المجلس، في وقت على الولايات المتحدة أن تشعر بأن الأرض تتحرك من تحتها عملياً مع تصاعد النفوذ الروسي والصيني وتحركات موسكو وبكين الواسعة في مناطق نفوذ واشنطن والغرب التقليدية.

كما أعلنت دول مجموعة الأربع التي تضم كلاً من: (اليابان، وألمانيا، والبرازيل، والهند) عن العمل سوياً من أجل إصلاح مجلس الأمن والحصول على عضوية دائمة.

فيما جدد الكرملين الدعوة إلى إصلاح مجلس الأمن، لجهة توسعة العضوية، بما يشمل: «دولاً اكتسبت نفوذاً في الآونة الأخيرة».

بينما تعارض موسكو انضمام بعض الدول المذكورة، وهو ما أكده في وقت سابق السفير الروسي لدى الصين، أندريه دينيسوف، الذي قال، خلال الجلسة العامة لمنتدى الأمم المتحدة للسلام العالمي، يوليو 2022، إن بلاده تدعم توسع مجلس الأمن من خلال انضمام دول من أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية فقط، ليصبح أكثر ديمقراطية.

فيما ترى روسيا أن «مجلس الأمن تحوّل بشكل عملي إلى ساحة يستخدمها الغرب من أجل الترويج الدعائي، ولعرض وجهات نظرهم على أنها الحقيقة المطلقة»، بحسب تصريحات السفير الروسي المشار إليها.

تأثير محدود

الأستاذة بالكلية العسكرية الملكية في كندا، المتخصصة في العلاقات الدولية، جين بولدن، تقول لـ«البيان»: إن المطالبات بالإصلاح هي مطالبات جادة وحقيقية، وتعكس الإحباط واسع النطاق إزاء الخلل الوظيفي الذي يعاني منه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

لكنها تعتقد بأنه «من غير المرجح أن تخلف هذه الإصلاحات تأثيراً هائلاً؛ وذلك لأن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لا بدّ أن يوافقوا على أي إصلاح، ومن غير المرجح أن يفعلوا ذلك (أي إصلاح يضر بمصالحهم الأساسية)».

وتشير الباحث في مركز جامعة «كوينز» للسياسة الدولية والدفاعية، إلى الدافع الرئيس الذي يعزز دعوات الإصلاح في الوقت الحالي بشكل خاص، موضحة أن «الدافع الرئيس في هذه اللحظة يأتي من عدم قدرة مجلس الأمن على التعامل مع الحرب في أوكرانيا».

وتستطرد: «ليس هذا فحسب، بل تمر تصرفات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن دون عقاب؛ بسبب حق النقض الذي تتمتع به. فهذا يوضح أن الأعضاء الدائمين في المجلس يمكنهم خرق القواعد دون عقاب..وفي سياق التحولات الواضحة في هيكل السلطة على مستوى العالم، تتمتع هذه القضية بزخم جديد».

وتتطلب أي عملية إصلاح لمجلس الأمن موافقة ثلثي الأعضاء في الأمم المتحدة على الأقل، عبر تصويت بالجمعية العامة، مع موافقة جميع الأعضاء دائمي العضوية.

وتشمل الدعوات المتكررة لإصلاح المجلس، خمس قضايا أساسية، هي: (العضوية، وقضية استحواذ الأعضاء الخمسة الدائمين على حق النقض «الفيتو»، فضلاً عن التمثيل الإقليمي، وحجم المجلس الموسع وأساليب عمله، والعلاقة بين مجلس الأمن والجمعية العامة).

حماية الحدود

أستاذة العلاقات الدولية في جامعة «ويبستر»، كيلي كيت بيز، تتفق مع ما ذهبت إليه بولدن، من حيث تقليل حجم الأثر المتوقع لإصلاح مجلس الأمن، إذ تقول لـ«البيان»، إن «الجهود الحالية لإصلاح النظام الدولي جادة، لكن من غير المرجح أن تؤدي إلى أي إصلاح ذي معنى.. لقد تم تصميم الهيكل الحالي؛ للحفاظ على الوضع الراهن، وقوى الوضع الراهن ترغب في الحفاظ عليه على هذا النحو».

وتوضح مؤلفة كتابي «المنظمات الدولية: وجهات نظر حول الحوكمة العالمية»، و«الأمم المتحدة والسياسة العالمية المتغيرة»، أن هناك تحدٍ للمبدأ الأساسي المتمثل في عدم تغيير الحدود بالقوة.. وقد تم اتباع هذا (أكثر أو أقل) منذ الحرب العالمية الثانية.

فيما تعتقد بيز أن الدعوات الروسية في سياق تغيير قواعد النظام الدولي، ورفض هيمنة القطب الواحد، وما يتماشى معها من جهود صينية على الخط، يمكنها أن تشكل تهديداً للنظام القائم، فهي ترى أنهم «لم ينجحوا بعد؛ لأنهم بحاجة إلى توضيح بديل يجذب الآخرين، وهذا ما لم يحدث حتى الآن». فيما يبدو أن رئيس مؤسسة (GeoStrategic Analysis)، بيتر هوسي، أكثر تشاؤماً.

حينما يعارض الدعوات المرتبط بإصلاح مجلس الأمن، بوصف ذلك التوسع أنه يعطي الفرصة لبعض الدول لاتخاذ القرار بشأن القضايا الرئيسة من خلال تصويت بسيطة بأغلبية كبيرة من شأنها أن تعطي تلك الدول -التي يقول عنها هوسي إنها تتظاهر بدعم القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة- الشرعية للانخراط في مشروعاتها.

كما يشكك هوسي في نوايا دول بعينها من السعي نحو «إصلاح مجلس الأمن» على نحو يضمن لها تحقيق مآربها ومصالحها الخاصة (..)».

 

Email