علماء دوليون وأكاديميون يدقون ناقوس الخطر

«تغير المناخ» والكوارث الطبيعية.. سيناريوهات مرعبة تهدد العالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

«ليس في كوكبنا ركن بمنأى عن الآثار المدمرة لتغير المناخ»، طبقاً للأمم المتحدة، والتي تشير إلى أن «ارتفاع درجات الحرارة يؤجج السبب المباشر للتدهور البيئي والكوارث الطبيعية والأحوال الجوية القصوى، وانعدام الأمن الغذائي والمائي، جنباً إلى جنب والاختلال الاقتصادي والنزاعات والإرهاب».

الارتباط بين الكوارث الطبيعية وأزمة المناخ هو ارتباط وثيق الصلة، بالنظر إلى مظاهر التغير المناخي وتبعات حالات المناخ والطقس القصوى التي جعلت الكوارث أكثر تواتراً وشدة، ومن بين ذلك موجات الحر الشديد والجفاف والأعاصير المدمرة والفيضانات وحرائق الغابات، وغير ذلك من الكوارث التي يدفع العالم فاتورة باهظة لها.ط وبحسب بيانات الأمم المتحدة.

فقد تضاعف عدد الكوارث الطبيعية الناتجة عن رداءة الطقس بشكل كبير خمس مرات خلال نصف قرن. وبين عامي 1970 و2021 وقعت 11778 كارثة من جراء الظواهر المتطرفة المرتبطة بالمناخ (أودت بحياة أكثر من مليوني شخص).

ومن العام 2000 وحتى 2020 بلغ عدد الكوارث المسجلة على مستوى العالم 7348 كارثة طبيعية (أودت بحياة 1.23 مليون فرد)، كما تشير البيانات إلى أن ثمانية من أكثر عشر دول من حيث عدد الكوارث تقع في آسيا. كما أنه بحلول العام 2030 قد يصل عدد الكوارث الطبيعة إلى 560 (1.5 كارثة يومياً).

وبينما ثمة عوامل أخرى محركة للكوارث الطبيعية، جنباً إلى جنب وتبعات أزمة المناخ، ترتبط بالسياسات التي تتبعها بعض الحكومات لجهة اعتمادها على مشاريع التنمية غير المستدامة.

إلا أن عامل المناخ يظل راسخاً باعتباره محركاً أساسياً لتلك الكوارث الحالية والمستقبلية، وبما يتطلب المضي قدماً وبوتيرة أسرع في إجراءات الحد من الأزمة والالتزام بهدف 1.5 درجة مئوية لإنقاذ الأرض، وبما يتطلبه ذلك من إجراءات من بينها التحول الطاقي وزيادة تمويل تدابير التخفيف.

في هذا السياق، يشرح علماء دوليون وأكاديميون، في تصريحات متفرقة لـ «البيان» الارتباط بين تغير المناخ والكوارث الطبيعية. كما يقدمون رؤى مستقبلية تبرز مدى خطورة الأزمات المحتملة بشكل أوسع مما يشهده العالم حالياً، وكذلك يستعرضون تصورات خاصة للتدابير اللازمة للحيلولة دون الوصول إلى تلك السيناريوهات الكارثية.

تفاقم محتمل

«نتوقع رؤية المزيد من الأحداث المتطرفة».. يستهل مدير المركز الوطني للتأهب للكوارث بمدرسة كولومبيا للمناخ بجامعة كولومبيا، جيفري شليغيلميلش، حديثه مع «البيان» بهذا البعد المستقبلي المرتبط بتفاقم محتمل للكوارث الطبيعية على أثر أزمة المناخ وعوامل أخرى.

مشدداً على أن «التأثيرات الدقيقة لتلك الأحداث المتطرفة ستكون متباينة، ولكن بشكل عام، يمكننا أن نتوقع أحداثاً مثل موجات حارة أكثر شدة وأطول مدة، وعواصف أكثر قوة، فضلاً عن الفيضانات».

وفي الوقت نفسه، ستشهد بعض المناطق أيضاً جفافاً طويل الأمد، مع تأثيرات متتالية على قطاع الزراعة، وتوليد الطاقة ومختلف الجوانب الأخرى للمجتمع.. يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد مما نشهده الآن، في ظل تأثيرات «أسوأ وأكثر» في المناطق التي ربما تأثرت تاريخياً بهذه الأنواع من الكوارث.

ويضيف جيفري شليغيلميلش: «نشهد تأثيرات قابلة للقياس نتيجة لتغير المناخ، خصوصاً فيما يتعلق بكميات الأمطار المتزايدة في بعض العواصف، فضلاً عن موجات الحر وحرائق الغابات.. وستكون المناطق المعرضة بالفعل للكوارث هي الأسوأ (من حيث حجم التأثر)، وخصوصاً المناطق الساحلية التي تواجه ارتفاع مستوى سطح البحر».

ومع ذلك، علينا أيضاً - بحسب جيفري - أن نعترف بأن تغير المناخ ليس سوى جانب واحد فقط من أسباب تلك الكوارث، بيد أنه لا يمكن إغفال دور السياسات الوطنية ومشاريع التنمية.

مردفاً: «ثمة حكومات تلقي اللوم على تغير المناخ فيما يعتبر في الأساس سوء استخدام الأراضي أو سياسات إدارة المياه من الأسباب.. سيظل تأثير الكوارث يزداد سوءاً بسبب ممارسات التنمية غير المستدامة التي تترك الكثير من الناس في طريق الأذى».

ويعتقد أن تقليل الانبعاثات من شأنه المساهمة على المدى الطويل في التغلب على تلك التحديات «ولكننا نحتاج إلى استثمارات كبيرة في التكيف مع تغير المناخ الآن.. وستكون قوانين البناء وأنواع البناء الجديدة، وتقديم المساعدة للمجتمعات الأكثر ضعفاً وفقراً ضرورية للحد من مخاطر الخسائر في الأرواح».

استراتيجيات جديدة

وقد يشمل ذلك استراتيجيات جديدة لإدارة جريان المياه، واستخدام مواد البناء المقاومة للحريق في مناطق الغابات، والتخطيط لطرق الإخلاء وأنظمة الإنذار المبكر. وسوف يتطلب الأمر أيضاً قدراً أعظم من الاهتمام بالكوارث في المناقشات غير المتعلقة بإدارة الكوارث، مثل التخطيط للتنمية الاقتصادية والبنية الأساسية، بل وحتى كيفية تثقيف الناس، مع التركيز على الكوارث ومحو الأمية المناخية.

جفاف وأعاصير

الأستاذ الفخري بجامعة كولومبيا البريطانية، بيتر نيميتز، يشير في تصريحات خاصة لـ «البيان»، إلى أنه «من المتوقع أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة وتيرة وشدة الكوارث الطبيعية».

مشيراً إلى أن «العالم سيشهد استمراراً لهذا الاتجاه، والذي يتجلى في الجفاف والفيضانات والأعاصير والحرارة المفرطة التي تهدد بجعل بعض أجزاء العالم غير صالحة للسكن بحلول نهاية القرن». وربما تشمل هذه المناطق أجزاءً من جنوب آسيا. ويعتقد أن أحد أكبر التهديدات، إلى جانب الهجرة الجماعية، سيكون تهديد الإمدادات الغذائية العالمية، بسبب تفاقم أزمة المناخ.

وحول الإجراءات الوقائية التي يمكن الاستناد إليها للتغلب على تلك التهديدات، يقول: «ستستغرق تلك التدابير وقتاً، إنها تشمل تحولاً أسرع إلى مصادر الطاقة المتجددة، وزيادة تمويل تدابير التخفيف مثل نقل السكان بعيداً عن المناطق المنخفضة، وقوانين بناء أكثر صرامة وتدابير الطوارئ في أوقات الكوارث».

كما يتحدث في الوقت نفسه عن حجم التعويل المرتبط بمؤتمر الأطراف (كوب28) الذي ينعقد في دولة الإمارات، موضحاً أن «.. القضية الحاسمة هي درجة المسؤولية التي تقع على عاتق الدول المتقدمة تجاه الدول النامية ذلك أن كيفية معالجة مشكلتهم ستكون مهمة للغاية من منظور عالمي، ونعول على مناقشات قوية ومثمرة في(كوب28) لاستخلاص نتائج تحمي الكوكب من تبعات تغير المناخ».

ومن المرتقب أن يتحرك  العالم من أجل إعادة التفكير بشكل جذري في كيفية إدارة المخاطر وتمويلها،  

عواقب وخيمة

من جانبه، يقول رئيس تحرير «Natural Hazards»، الأستاذ بقسم علوم الأرض بجامعة سايمون فريزر في كندا، جون جيه كلاج، في حديثه مع «البيان» إن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على دورة المحيطات والغلاف الجوي للأرض، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة وكوارث.

فالغلاف الجوي الأكثر حرارة قادر على احتجاز المزيد من بخار الماء، ما قد يؤدي إلى زيادة في كثافة ومدة هطول الأمطار الغزيرة، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى فيضانات كارثية أكثر مما شهدناه في الماضي القريب.

ويتابع: «وإذا ما استمرت درجات الحرارة الشديدة في الصيف في الارتفاع في الهند وباكستان والصحراء الكبرى في أفريقيا، فبوسعنا أن نتوقع خسائر كبيرة في الأرواح وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، خصوصاً في البلدان الفقيرة والتي مزقتها الحروب».

كما يتسبب ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي والمحيطات في تقلص الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية، ما يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر ببطء.

وتشير التوقعات إلى أن عديداً من المدن الساحلية الكبرى ستشهد فيضانات في وقت لاحق من هذا القرن..وعلاوة على ذلك فإن المناطق شبه الاستوائية الأكثر حرارة قادرة على إنتاج أعاصير أكثر شدة مما كانت عليه في الماضي.

ويستطرد: هناك بعض التساؤلات حول ما إذا كان عدد الأعاصير سيتغير مع ارتفاع درجة حرارة العالم، ولكن من المحتمل أن تتخذ المسارات البرية لهذه العواصف الإعصارية مسارات مختلفة عن تلك التي كانت في الماضي؛ على سبيل المثال، قد تمتد الأعاصير إلى مسافة أبعد حتى ساحل المحيط الأطلسي في أمريكا الشمالية مما كان شائعاً خلال القرن الماضي.

كما قد تتغير مسارات الأعاصير وربما شدتها، حيث تبدأ الأعاصير في وسط الولايات المتحدة في التحرك نحو الشرق إلى المناطق المكتظة بالسكان.

ويرى كلاج أن الزيادة المستمرة في عدد السكان تعني أن خطر الكوارث الطبيعية يتزايد في معظم أنحاء العالم. في وقت يتزايد فيه عدد الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المعرضة للكوارث المرتبطة بالمناخ، ويصاحب جزء كبير من هذا النمو زيادة في الضعف. ولنتأمل على سبيل المثال الفيضانات الكارثية الأخيرة في ليبيا، حيث تتزايد مخاطر الفيضانات والعواصف الشديدة في معظم البلدان، ولكن بشكل خاص في البلدان التي لا تملك الموارد اللازمة للتعامل مع المشكلة.

تدابير لازمة

وبحسب الأستاذ بقسم علوم الأرض بجامعة سايمون فريزر، فإن التدابير اللازمة لمواجهة تلك التداعيات المحتملة تتمثل في الحد من اعتمادنا العالمي على الوقود الأحفوري، والانتقال إلى اقتصاد يعتمد على الموارد المتجددة. وسوف يكون هذا التحول باهظ التكلفة، وبالتالي سيكون في غير صالح البلدان النامية.

ولكن إلى أن ننجز هذا التحول، يمكننا أن نتوقع زيادة مستمرة في الكوارث المرتبطة بالمناخ باهظة التكلفة. وترتبط التدابير الأخرى بافتراض أن الكوارث المرتبطة بالمناخ ستزداد من حيث العدد والشد.

ومن ثمة فإن مجموعة من الإجراءات التي يمكن القيام بها في إدارة هذه الأزمات، من بينها تثقيف السكان على المستوى المحلي حول المخاطر التي يواجهونها من الكوارث المناخية، إضافة إلى حماية البنية التحتية الحيوية من الآثار المتوقعة لهذه الأحداث، جنباً إلى جنب وتطوير وتمويل خطط الإخلاء التحضيرية القوية، وإعداد وتمويل خطط الاستجابة لحالات الطوارئ.

مظهران رئيسيان

أما الأستاذ الباحث في كلية سول برايس للسياسة العامة بجامعة حنوب كاليفورنيا، مدير مركز المخاطر والتحليل الاقتصادي للتهديدات وحالات الطوارئ (CREATE) التابع للجامعة ذاتها، آدم روز، فيقول في تصريحات خاصة لـ «البيان» إن تغير المناخ له مظهرين رئيسين: اتجاه طويل الأمد نحو الاحتباس الحراري، وتضارب أنماط الطقس فيما يتعلق بدرجات الحرارة القصوى وهطول الأمطار.

ويتحدث في هذا السياق عن الارتباط بين مظاهر تغير المناخ والكوارث الطبيعية، بالإشارة إلى أن أزمة المناخ لها تداعيات تنعكس على زيادة شدة الأعاصير، وزيادة عدد وشدة موجات الحر، علاوة على ارتفاع عدد الأمراض المنقولة بالنواقل.

فضلاً عن زيادة عدد وشدة حرائق الغابات (التي تتفاقم بسبب زيادة هطول الأمطار ولفترات زمنية معينة ثم الجفاف وغيرها، بما يوفر المزيد من تأجيج هذه الحرائق)، بالإضافة إلى زيادة عدد الفيضانات الناجمة عن ذوبان الجليد والثلوج (وكذلك من الأعاصير).

وعن النطاقات الجغرافية الأكثر تأثراً بتلك الكوارث الحالية والمستقبلية المحتملة، فيقول روز: «يشير معظم الخبراء إلى أن درجات الحرارة المرتفعة ستكون محسوسة أكثر في خطوط العرض الوسطى (بالقرب من خط الاستواء) ومع ذلك، فإن المزيد من الأضرار والخسائر ستواجه أيضاً مناطق شديدة الضعف في أماكن أخرى من العالم تكون عرضة للجفاف، وفي مسار الأعاصير، وبالقرب من السهول الفيضية».

وحول الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمواجهة الكوارث المرتبطة بتغير المناخ، يلفت مدير مركز المخاطر والتحليل الاقتصادي للتهديدات وحالات الطوارئ بجامعة كاليفورنيا، إلى أن الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري أهم التدابير المضادة.

كما يتحدث عن أنماط مختلفة من احتجاز الكربون (زراعة الأشجار، وحقن ثاني أكسيد الكربون في آبار النفط والغاز المستنزفة وفي أعماق المحيطات)، علاوة على جهود التكيف مع تداعيات تغير المناخ، مثل بناء الأسوار البحرية، وتحسين ممارسات إدارة الغابات، والقضاء على أماكن تكاثر الحشرات التي تحمل الأمراض.

فاتورة باهظة

عادة ما تكون للكوارث الطبيعية كلفة اقتصادية كبيرة. وتشير تقديرات البنك الدولي، إلى أنه منذ العام 1980، فقد أكثر من 2.5 مليون شخص ما يقرب من 6 تريليونات دولار بسبب الكوارث الناجمة عن المخاطر الطبيعية على مستوى العالم. كما ارتفع إجمالي الأضرار بنحو 350 % من 52 مليار دولار سنوياً في الثمانينيات إلى 207 مليارات دولار سنوياً في العقد الماضي و232 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث الأولى من عشرينيات القرن العشرين.

ووفق بيانات شركة إعادة التأمين «سويس ري»، فإن الاقتصاد العالمي تكبد خسائر قيمتها 202 مليار دولار في العام 2020، و270 مليار دولار في 2021، و275 مليار دولار العام الماضي، و120 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري جراء الكوارث الطبيعية.

Email