أكاديميون وخبراء حددوا لـ« البيان » أبرز الفرص والتحديات

2030 هدف عربي للنهوض بقدرات الطاقة المتجددة عالمياً

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تسارع دول عربية عدة الخطى، لمواكبة التطلع الدولي في بلوغ هدف مضاعفة وتعزيز القدرات العالمية للطاقة المتجددة 3 مرات بحلول عام 2030، الذي يحظى باهتمام واسع النطاق، وسط خطط واستراتيجيات مختلفة على المستويات الوطنية في عديد من البلدان.

والدول العربية المرشحة للعب الدور الأكبر في هذا الصدد، بحسب خبراء المجال، هي: الإمارات، والسعودية، وعُمان، والكويت، ومصر، والأردن، والجزائر، والمغرب، من خلال ضخ المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي الواعد.

وخلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة، التي انعقدت سبتمبر الجاري في نيودلهي، أبدى قادة المجموعة دعمهم لكافة الجهود الرامية إلى زيادة قدرات الطاقة المتجددة، وتعهدوا بتسريع التدابير اللازمة، لمواجهة الأزمات والتحديات البيئية.

ومع هذا الاهتمام الدولي المتنامي بالتحول الطاقي، تواجه الخطط المرسومة عديداً من التحديات، من بينها (على سبيل المثال لا الحصر): القدرة على الوصول إلى التمويل، خاصة بالنسبة للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، في ظل ما يتطلبه ذلك من استثمارات واسعة على مدار الأعوام المقبلة.

«البيان»، استطلعت آراء نخبة من الأكاديميين والمختصين الأمريكيين، في قطاع الطاقة المتجددة، حول أبرز الفرص والتحديات على طريق هدف زيادة القدرات المنشود، وما يتطلبه تحقيق ذلك الهدف من استثمارات، ومدى انعكاساته المرتقبة، البيئية، والاقتصادية.

عوائد ضخمة

من شأن تحقيق هدف مضاعفة القدرات العالمية للطاقة المتجددة، الطموح، أن ينعكس على المدى القريب، بشكل ملموس في سياقات عدة، وهو ما يشرحه لدى مشاركته في استطلاع «البيان» الأكاديمي في جامعة «ويسكونسن» الأمريكية، غريغوري نيميت، المتخصص في تحليل أنظمة الطاقة والسياسات البيئية الدولية، حيث يقول: إن مضاعفة القدرة العالمية في الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول 2030، من شأنه أن يحقق فوائد كبيرة من حيث فرص العمل، والتنمية الاقتصادية، وتحسين نوعية الهواء، فضلاً عن وضع العالم على طريق التصدي لظاهرة تغيّر المناخ على المدى الطويل.

ويضيف نيميت: «انخفضت تكاليف الطاقة المتجددة، خاصة «الشمسية»، و«الرياح»، بشكل كبير خلال الأعوام العشرة الأخيرة، كما يتوقع معظم المختصين أن تستمر في الانخفاض»، موضحاً أن مصدر الطاقة النظيف، والوفير بأسعار معقولة، يخلق فرصاً هائلة، تسمح بزيادة القدرات العالمية للطاقة المتجددة 3 مرات من خلال الاستفادة الكاملة منها.

وبحسب نيميت، تنطوي الزيادة إلى 3 أضعاف على تحديات أيضاً، مثل: «القدرة على الوصول إلى التمويل للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، والاستثمارات في الشبكات الكهربائية لاستيعاب هذا النمو»، مؤكداً في إمكانية «التغلب على التحديات من خلال الجهود الحثيثة، والسياسات الداعمة، كما رأينا عديداً من الأمثلة في الماضي القريب»، في إشارة إلى تعاون دولي واسع مطلوب في هذا الصدد.

ففي العام الماضي ، ارتفعت القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة (على المستوى العالمي) بـ 9.6 %، مسجلة 3372 غيغاواط، ما شكل زيادة بمعدل قياسي بلغ 295 غيغاواط، رغم حالة عدم اليقين التي تكتنف العالم، في ضوء التطورات الجيوسياسية، والحرب الأوكرانية، وفق البيانات التي نشرتها الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، في 22 مارس الماضي.

كما تمت إضافة نصف القدرة الإنتاجية الجديدة تقريباً من الطاقة المتجددة في آسيا، مع الإسهامات الصينية في هذا السياق عبر إضافة أكثر من 141 غيغاواط إلى القدرة الإنتاجية الجديدة للقارة برمتها. فيما نمت مصادر الطاقة المتجددة في أوروبا، والولايات المتحدة بـ57.3 غيغاواط، و29.1 غيغاواط على التوالي. وارتفعت القدرات الأفريقية بشكل طفيف بمقدار 2.7 غيغاواط.

وبحسب بيانات «آيرينا»، فإنه رغم استحواذ الطاقة الكهرومائية على الحصة الأكبر من إجمالي القدرة الإنتاجية العالمية للطاقة المتجددة بواقع 1250 غيغاواط، إلا أن طاقتي الشمس والرياح مستمرتان في السيطرة على القدرة الإنتاجية الجديدة مع مساهمتهما معاً بـ90 % من مجمل القدرة خلال العام الماضي. كما حلت القدرة الإنتاجية للطاقة الشمسية في المرتبة الأولى بزيادة 22 %، تليها طاقة الرياح بزيادة 9 %.

سياسات وحوافز

بدوره، يعتقد الأكاديمي في جامعة «ماساتشوستس» الأمريكية، ديفيد توركوت، الذي تشمل اهتماماته البحثية تغيّر المناخ، والعدالة البيئية، أن هناك عديداً من الفرص في سياق زيادة قدرة الطاقة المتجددة العالمية، بسبب الزيادات في أسعار النفط، نتيجة الأزمة الأوكرانية، التي تجعل مصادر الطاقة المتجددة أكثر فاعلية من حيث التكلفة، فضلاً عن تفاقم التكاليف الاقتصادية، والبشرية، جرّاء كوارث تغيّر المناخ المتكررة، الأكثر حدة.

ويضيف في تصريحات لـ«البيان»: «عمدت عديد من الدول المتقدمة إلى توسيع السياسات، والحوافز، لتشجيع زيادة القدرة على إنتاج الطاقة المتجددة. مع ذلك، ما زلنا نواجه كثيراً من التحديات (..) التي تهدد عرقلة الجهود الرامية إلى زيادة قدرة الطاقة المتجددة، والانتقال إلى اقتصاد الطاقة النظيفة. من بين تلك التحديات، ما يرتبط بالافتقار إلى التمويل الكافي، لدعم الزيادات في قدرات الطاقة المتجددة في الدول النامية، وهو تحدٍ وصفه بـ«الخطير».

فيما تتسارع الجهود الدولية صوب توجيه الاستثمارات في سياق زيادة قدرات الطاقة المتجددة عالمياً، إلا أن تلك الاستثمارات لا تزال أقل عن المعدل المطلوب لخفض درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية. وهو ما تظهره بيانات «آيرينا»، ومبادرة سياسة المناخ (CPI) الصادرة فبراير الماضي، التي تقدر إجمالي حجم الاستثمارات في قطاعات الطاقة المتجددة خلال 2022 بنحو 499 مليار دولار، ارتفاعاً من 430 ملياراً في العام الأسبق 2021.

كما ساعدت التطورات التي شهدها العالم خلال العام الماضي - لاسيما مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022- على تشجيع عديد من البلدان إلى زيادة التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة، للتغلب على أزمة الطاقة الناجمة عن تداعيات الحرب، بما يصب في مصلحة هدف زيادة القدرات المنشود.

استثمارات مطلوبة

أستاذ الهندسة الميكانيكية لدى مركز إنتاج الطاقة والبنية التحتية، في جامعة «نورث كارولينا» بالولايات المتحدة، جون هول، ينوّه إلى أن «هدف مضاعفة القدرة العالمية للطاقة المتجددة 3 مرات بحلول 2030 يمثل تحدياً، ويتطلب تحقيق الهدف، استراتيجية عالمية مكثفة، تركز على الاستثمار المالي الكبير، والابتكار التكنولوجي الذي يستهدف هذه المجتمعات، والسياسات الشاملة، والجهود التعاونية».

ويشدد لدى حديثه مع «البيان» على ضرورة أن تكون المشاركة المجتمعية، وتطوير البنية التحتية في المناطق المحرومة، أمراً محورياً في الاستراتيجية، بما لا يؤدي إلى تعزيز تحول الطاقة فحسب، بل وأيضاً الارتقاء الاقتصادي.

وتقدر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، حجم الاستثمارات المطلوبة في قطاع الطاقة النظيفة حتى 2030، بنحو 4 تريليونات دولار سنوياً، لتعزيز القدرات العالمية في هذا الصدد.

تحديات لوجستية

ويصرح الأكاديمي في جامعة «كوينز» الكندية، وارن مابي، المتخصص في سياسات الطاقة وإدارة الموارد الطبيعية، لـ«البيان»، إنه «من الممكن، من الناحية الفنية، مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة العالمية 3 مرات على مدى الأعوام الستة المقبلة، وسوف يفرض ذلك ضغطاً هائلاً على سلاسل التوريد العالمية التي تدعم القطاع، كما يمكننا أن نتوقع طلباً جديداً كبيراً على المعادن الحيوية، والسلع المصنعة، اللازمة لعملية التحول».

ويعتقد مابي أن «التكلفة تبعاً لذلك ستكون هائلة، وقد يكون التحدي اللوجستي أكبر عن التمكن من التغلب عليه»، مشدداً على ضرورة أن تكون هناك «قيادة قوية، ومتسقة من الدول في جميع أنحاء العالم، لتحقيق هذه الغاية».

خطوات عربية

على المستوى العربي، من المتوقع استحواذ خمس دول عربية (الإمارات، والسعودية، وعُمان، ومصر، والمغرب) على نحو 72 % من إجمالي النمو في المنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيما يتعلق بالطاقة المتجددة، طبقاً لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول «أوابك»، التي توقعت وصول سعة الكهرباء المنتجة من الطاقة المتجددة لغاية عام 2027، إلى نحو 45 غيغاوات، بزيادة 3 مرات، مقارنة بالأعوام الخمسة الأخيرة.

وتظهر تقديرات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أن الشرق الأوسط شهد خلال 2022 أعلى زيادة في مصادر توليد الطاقة المتجددة على الإطلاق، مع 3.2 غيغاوات من السعة الجديدة التي أضيفت العام الماضي، بزيادة قدرها 12.8 % على العام الأسبق له.

وطبقاً لتقديرات الهيئة العربية للطاقة المتجددة، فإنه من المتوقع أن يصل حجم استثمارات البلدان العربية في مشروعات الطاقة المتجددة إلى تريليون دولار بحلول عام 2040، في ضوء ما توليه الحكومات العربية من اهتمام في هذا الملف، لتحقيق الأهداف البيئية العالمية.

قفزة هائلة في 10 أعوام

ينتظر أن يشهد قطاع الطاقة المتجددة في المنطقة، تبعاً للمعطيات الراهنة، قفزة هائلة خلال الأعوام العشرة المقبلة، في وقت تقود 8 دول عربية هذا الاتجاه، طبقاً لما يؤكده الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبوبكر الديب، الذي يصرح لـ«البيان» أن الدول المرشحة بقوة للسير في هذا الاتجاه هي (الإمارات، والسعودية، وعُمان، والكويت، ومصر، والأردن، والجزائر، والمغرب).

كما تشير التقديرات، التي يستشهد بها الديب، إلى حجم الكهرباء المولد من المصادر المتجددة في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية، الذي يتوقع له أن يرتفع 6 أضعاف خلال 10 أعوام عبر الاعتماد الكبير على الطاقة الشمسية الكهروضوئية، منوّهاً في الوقت نفسه، إلى أن المنطقة العربية لديها «إمكانات عظيمة» تساعد على تدشين مشروعات كبرى لإنتاج الطاقة من الشمس والرياح، ومن هذه الإمكانات أو المميزات (المناخ المناسب، والشمس الساطعة معظم أيام العام، علاوة على الخبرات البشرية، والقدرات المالية أيضاً بالنسبة لبعض الدول).

فيما تتربع الإمارات على رأس قائمة الدول العربية الأكثر إنتاجاً للكهرباء من الطاقة الشمسية، بينما تأتي مصر، على الصعيد العربي كأكبر الدول من حيث إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح، بحسب تقرير صادر عن «غلوبال إنيرجي مونيتور»، الذي يستشهد به الديب لدى شرحه التقدم الذي أحرزته بعض الدول العربية في هذا القطاع، موضحاً أن «الإمارات، ومصر، والأردن، المغرب، من أولى الدول العربية التي بادرت إلى إنشاء محطات إنتاج كهرباء من الشمس والرياح». 

ووفق تقرير المؤسسة المذكورة، فمشروعات محطات توليد الطاقة المتجددة للدول العربية سيرجح أن تحقق عند اكتمالها قرابة 92 % من إجمالي ما تستهدف المنطقة تحقيقه بحلول 2030. 

من المشروعات المهمة التي يعول عليها كثيراً في هذا الصدد، مشروعات الهيدروجين الأخضر، التي تسعى من خلالها منطقة الشرق الأوسط نحو الريادة العالمية، إذ يرجح أن تصل عائدات تصديرها إلى 200 مليار دولار بحلول 2050 بالنسبة لدول الخليج، طبقاً لدراسة أجرتها شركة (Dii Desert Energy). 

وينوّه الديب في السياق إلى ما تتمتع به الدول العربية من وفرة موارد الطاقة المتجددة، والهيدروجين النظيف، والخبرات البشرية، ورؤوس الأموال، وقربها الجغرافي من السوق الأوروبية، ما يتيح لها جميعها فرصاً مهمة ومتعاظمة.

Email