فرص وتحديات.. الطاقات المتجددة معجزة القارة السمراء

الإمارات.. تمكين أفريقيا في مواجهة تغير المناخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

تزخر القارة الأفريقية بإمكانات وموارد طبيعية هائلة تمكنها - نظرياً - من حجز مكانتها على خارطة الطاقة النظيفة عالمياً، والتغلب على عديد من الأزمات التي تواجه بلدانها، ومن بينها أزمة الطاقة علاوة على التخفيف من آثار التغير المناخي عبر التوسع بمصادر الطاقة البديلة، غير أن مجموعة من المعيقات والتحديات تقف حائلاً أمام استغلال تلك القدرات والمزايا، في مقدمتها التحديات المرتبطة بالتمويل والاستثمارات الأجنبية المباشرة في هذا القطاع.

تطالب الدول الأفريقية بزيادة مساهمة المجتمع الدولي في رفع قدرات القارة في إنتاج الطاقات المتجددة، لا سيما وأن القارة السمراء لا تحصل سوى على 2% فقط من الاستثمارات العالمية في تلك القطاعات. وقد شهدت قمة أفريقيا للمناخ في نيروبي، الأسبوع الماضي، تعهدات استثمارية في هذا السياق. فضلاً عن مبادرة إماراتية جديدة لتعزيز قدرات القارة في مجال الطاقة النظيفة، حيث تقود دولة الإمارات جهود تمكين القارة السمراء في هذه القطاعات ومواجهة التغير المناخي.

وتتبنى عديد من الدول الأفريقية استراتيجيات خاصة مرتبطة بالطاقة المتجددة، هادفة لتنمية القدرات في مختلف القطاعات ذات الصلة، من خلال استثمارات واعدة في المشاريع البيئية، ومن أجل تعزيز القدرات الأفريقية في التحول الطاقي كطوق نجاة للقارة السمراء من تبعات تغير المناخ.

ويعد محور الاستدامة البيئية والطاقة المتجددة، من بين أبرز المحاور الأساسية في سياق الانخراط الأفريقي بفعالية في اقتصاد المستقبل، ذلك أن تطوير قطاع الطاقة المتجددة وتبني مبادئ الاستدامة في الإنتاج والاستهلاك يمكن أن يسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز دور دول القارة في الاقتصاد العالمي.

وقد نجحت بعض تلك الدول في تحقيق اختراقات واسعة يشار إليها بالبنان في هذا السياق، مع مستهدفات طموحة خلال السنوات المقبلة، من بينها دول عربية مثل مصر والمغرب على سبيل المثال.

 

الفرص.. والتحديات

«أفريقيا هي أرض الفرص والتحديات، درة وعروس القارات التي يخطب الجميع ودها، والتي ظلمت كثيراً باستعمارها لفترة طويلة وأيضاً بتحملها عواقب الأزمات الكبرى، من بينها التغيرات المناخية التي ليست مسؤولة عنها، فيما وقعت في مصيدة أخطاء الكبار وأطماعهم من الدول الصناعية الكبرى»، وفق الخبيرة الاقتصادية المصرية، الدكتورة وفاء علي، والتي تشير في حديثها مع «البيان» إلى القدرات والإمكانات غير المستغلة التي تزخر بها القارة، فيما يتعلق بإنتاج الطاقة النظيفة.

وتعد دول القارة الأفريقية الـ 54 الأقل تسبباً بتغير المناخ وتسهم بأقل من 4% من الانبعاثات العالمية، إلا أنها الأكثر تأثراً بتداعياته، وعلى سبيل المثال تخسر أفريقيا 4 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة تلك التداعيات، فضلاً عن حالات الجفاف وانعدام الأمن الغذائي الذي يجبر الناس على الهجرة، ويضعف التنوع البيولوجي ويؤثر على الحياة وسبل العيش.

وتضيف علي: «أفريقيا تمتلك نحو 40% من المخزون العالمي للطاقة الشمسية، لكنها تحتاج إلى تمويلات ميسرة كبيرة، بعيداً عن القروض (باهظة الكلفة والتي تكبل البلدان الأفريقية وتثقل كاهلها).. القارة السمراء بحاجة إلى استثمارات جديدة وحقيقية للطاقة المتجددة ليست في شكل استعمار جديد»، على حد قولها.

وتتعدد «هموم القارة الأفريقية»، فيما يعد ملف الطاقة من بين الملفات الأكثر أهمية والتي يمكن من خلال العمل عليه لخلق فرص واسعة لدول القارة التي تحتاج إلى بنية تحتية متطورة وقوية، بحسب علي، التي تقول إن «مشاريع الطاقة المتجددة يمكن أن تساعد في حل كثير من مشكلات هذه القارة الغنية بمواردها وسكانها.. فهي (الطاقة المتجددة) المفتاح السحري في التغلب على التحديات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية».

وقفز حجم الاستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة على المستوى العالمي في العام 2022 بنسبة تصل إلى 17.2% مقارنة بمعدلات العام 2021، وجاءت هذه الزيادة مدفوعة بالتطورات الجيوسياسية التي شهدها العالم وأزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، وقد سجلت الاستثمارات في هذا القطاع مستوى يتجاوز الـ 495 مليار دولار، بحسب تقرير الحالة العالمية لمصادر الطاقة المتجددة للعام 2023، الصادر عن شبكة سياسات الطاقة المتجددة للقرن الـ21.

فيما كشفت دراسة صادرة عن مركز فاروس للدراسات الاستراتيجية والأفريقية، أن القارة الأفريقية جذبت استثمارات لم تتجاوز الـ 13 مليار دولار خلال العام 2022 في قطاعات الطاقة المتجددة.

 

المعجزة الأفريقية

والتحول الطاقي في القارة ضروري وحتمي لمستقبل آمن مناخياً ولإنقاذ هذه القارة من التصحر والجفاف، والفوز بامتيازات التنمية المستدامة وتمكين الاقتصاد الأفريقي. تقول الخبيرة الاقتصادية «من العجيب أنه حتى الآن يتم استبعاد جزء كبير من أفريقيا من مسألة التحول إلى الطاقة المتجددة، فحوالي 2% فقط من الاستثمارات العالمية دخلت القارة بالرغم من وجود إمكانات كبيرة وهائلة سواء في طاقة الرياح أم الطاقة الشمسية أم الطاقة المائية وأيضاً الطاقة الحرارية الأرضية».

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال كلمة ألقاها في قمة المناخ الأفريقية، التي استضافتها العاصمة الكينية نيروبي، العالم إلى جعل أفريقيا «قوة عظمى في مجال الطاقة المتجددة». وقال: «قد تكون الطاقات المتجددة المعجزة الأفريقية.. يجب أن نعمل معاً حتى تصبح أفريقيا قوة عظمى في مجال الطاقة المتجددة».

وتوضح الخبيرة الاقتصادية أن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة مجموعة العشرين إلى تحمل المسؤولية نحو مكافحة التغيرات المناخية والاستثمار في الطاقة المتجددة في أفريقيا «هي بيت القصيد»؛ ذلك أن هناك 600 مليون شخص يعيشون دون مصدر كهرباء في أفريقيا جنوب الصحراء، بينما هناك فرص حقيقية لتوفير الطاقة من شأنها أن تدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه القارة السمراء التي تحصل على أقل من ربع ما تحتاجه من الاستثمارات في هذا القطاع سنوياً، ذلك أن القارة تحتاج سنوياً 60 مليار دولار بحلول العام 2030 في مجال الطاقة المتجددة (وفق بيانات الأمم المتحدة).

وطبقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، فإن القارة السمراء تحتاج سنوياً إلى استثمارات بنحو 25 مليار دولار لتوفير طاقة بأسعار معقولة لجميع السكان (الأفراد)، كأولوية عاجلة.

ويحتاج الشأن الأفريقي إلى ميثاق جديد للطاقة، على حد تعبير الدكتورة وفاء علي، ذلك أن هناك بعض الدول كمصر والمغرب (مع تقدمهما في مؤشر جاذبية الدولة للطاقة المتجددة) تقدمت في ملف الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر ولكن باقي دول القارة السمراء تعاني ما لم ينظر إليها العالم بنظرة المشاركات وليس نظرة المستعمرين الجدد.

 

التحول الطاقي

وبحسب تقرير لمنظمة الطاقة المستدامة للجميع (منظمة دولية أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، بان كي مون للمساعدة في تعبئة تحقيق الوصول العالمي إلى الطاقة، وتحسين كفاءة الطاقة)، فإن تحول الطاقة يمكن أن يؤدي إلى زيادة بنسبة 6.4% في الناتج المحلي الإجمالي من العام 2021 إلى العام 2050 وخلق ما بين 8 إلى 14 مليون فرصة عمل. علاوة على ذلك، فإن زيادة التوليد المحلي من شأنه أن يقلل من حاجة أفريقيا إلى استيراد الوقود الأحفوري.

 

من جانبه، يشير عضو مجموعة الخبراء الدوليين للطاقة، هاشم عقل، في تصريحات لـ «البيان» إلى أن البلدان النامية في القارة الأفريقية ينظر إليها باعتبارها من أكثر المناطق التي يمكن تطبيق تكنولوجيات الطاقة المتجددة فيها، لا سيما في ضوء ما يتوافر فيها من مقومات وإمكانات.

وفيما يلفت إلى أن ثمة محطات عدة يمتلكها عدد من البلدان الأفريقية سواء العاملة بالطاقة الشمسية أم طاقة الرياح وكذلك الطاقة الحرارية الأرضية، استغلالاً لتلك الإمكانات، فإنه يحيل إلى بيانات الوكالة الدولة للطاقة المتجددة (آيرينا)، التي تقدر أن دول القارة بوسعها تصدر قطاع الطاقة المتجددة عالمياً بإنتاج يصل إلى 310 غيغاوات بحلول العام 2030 في ظل ما تتمتع به من مقومات.

تشير تلك التقديرات المذكورة إلى تنوع إمكانات مصادر الطاقة الخضراء ما بين الطاقة الشمسية (10 تيراواط)، والطاقة المائية (350 غيغاوات)، وطاقة الرياح (110 غيغاوات).

ويوضح عضو معهد اكسفورد لدراسات الطاقة، أن مشاريع الطاقة المتجددة تعد من بين أهم الحلول بالنسبة لدول القارة الأفريقية، للتغلب على الأوضاع الاقتصادية وتزايد معدلات الفقر وغير ذلك، لا سيما لاستخدام تلك الطاقات في توفير الكهرباء للمناطق المحرومة من إمدادات الكهرباء المستدامة (بالإشارة إلى وجود 600 مليون شخص يعيشون دون مصدر للكهرباء في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى وحدها).

وينوه إلى أنه بينما تمتلك القارة إمكانات مختلفة في هذا السياق، لا سيما الإمكانات الطبيعية، ومع الجهود الرسمية الرامية إلى اتخاذ خطوات جادة في سبيل تعزيز مشاريع الطاقة النظيفة، فإن ثمة مجموعة من التحديات التي تعيق تلك المستهدفات وتواجه مساعي الصدارة العالمية في الطاقة المتجددة، يأتي في مقدمتها تحديات التمويل وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على تلك المشاريع، فضلاً عن التكنولوجيا الحديثة.

 

زيادة القدرات

وطالبت الدول الأفريقية، في البيان الختامي لقمة نيروبي، المجتمع الدولي بالمساهمة في زيادة قدرة القارة في إنتاج الطاقات المتجددة من 56 غيغاوات في 2022 إلى ما لا يقل عن 300 غيغاوات بحلول العام 2030، كما دعت أيضاً إلى «إنشاء هيكل تمويلي جديد يتكيف مع احتياجات القارة» بهدف تخفيف عبء الديون.

وخلال القمة، تم تقديم تعهدات استثمارية - من جانب الحكومات العالمية وبنوك التنمية والمستثمرين من القطاع الخاص - بقيمة 23 مليار دولار في مجال الطاقات المتجددة، من بينها 4.5 مليارات دولار من الاستثمارات من جانب دولة الإمارات.

وأعلنت الإمارات عن مبادرة تمويل بقيمة 16.5 مليار درهم لتعزيز قدرات أفريقيا في مجال الطاقة النظيفة، تتويجاً لمسار تاريخي من التعاون المشترك بين الدولة ودول القارة الأفريقية لتسريع جهود حماية الموارد الطبيعية وتعزيز استدامتها عبر إنشاء وتطوير وتشغيل مجموعة كبيرة من برامج ومشاريع توليد الطاقة من الشمس والرياح وغيرها من حلول الطاقة النظيفة.

تندرج المبادرة تحت مظلة «اتحاد 7»، وهي برنامج تطوير أطلقته دولة الإمارات خلال أسبوع أبوظبي للاستدامة في العام 2022 بدعم من وزارة الخارجية، ويهدف إلى تزويد 100 مليون فرد في جميع أنحاء القارة الأفريقية بالكهرباء النظيفة بحلول العام 2035، الأمر الذي يكسبها أهمية إضافية نسبة لعدد المستفيدين منها.

 

دور رائد للإمارات

وفي هذا السياق، يقول خبير الشؤون الأفريقية بالقاهرة، رامي زهدي، إن دولة الإمارات تشكل قوة مهمة ورئيسية في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، إضافة إلى دورها في قارة أفريقيا، وهي القارة التي من بين مشكلاتها الأساسية ما يرتبط بـ «الأمن الطاقي» والفرص دائماً بالنسبة لها هي في الطاقات النظيفة والبديلة والمتجددة، لأنها الأقرب في التنفيذ والأعلى من ناحية عوائد الاستثمار مقارنة بالطاقات التقليدية التي تتسبب في تفاقم أزمة تغير المناخ.

ويشير في حديثه مع «البيان»، إلى أن الإمارات التي تترأس مؤتمر COP28 أطلقت أكثر من مبادرة لها علاقة بالمساعدة في جهود التنمية في أفريقيا، من بينها مبادرات ممثلة في مشروعات الطاقة النظيفة ودعم اقتصادات الدول الأفريقية في مواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية، موضحاً أن هناك إيماناً بأنه «كلما تحسنت الظروف البيئية والاقتصادية والمجتمعية وعم الاستقرار في القارة، كلما أسهم ذلك في مزيد من مجالات التعاون بين الإمارات والبلدان الأفريقية، في وقت تعد فيه الدول شريكاً مهماً لعدد كبير من الدول الأفريقية ولها إسهامات مختلفة، إما في شكل منح وقروض أو استثمارات».

وساهمت مشاريع الطاقة المتجددة التي نفذها أو مولها صندوق أبوظبي للتنمية في القارة الأفريقية في تحسين الظروف المعيشية لملايين الأشخاص، فضلاً عن دورها في تقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة، والمساهمة في الحد من تداعيات التغير المناخي.

تتسق المبادرة الإماراتية الأخيرة مع الدور الذي اختارته الدولة لنفسها بأن تكون متداخلة في إحلال السلم والأمن في منطقة مهمة للعالم وتمثل عمقاً استراتيجياً وهي القارة الأفريقية. ويعتقد زهدي أن «انضمام دولة الإمارات لتكتل بريكس بداية من يناير المقبل، جنباً إلى جنب وتواجدها في منظمات إقليمية ودولية، من شأن ذلك أن يعزز جهود الدولة في دعم الدول الأفريقية في مشروعات الطاقة المتجددة والنظيفة تحديداً»، مشدداً على أن الإمارات تتمتع بخبرات كبيرة تولدت عبر سنوات في هذا المجال، وتمتلك مؤسسات مختلفة قادرة على التنفيذ والتعامل في تلك المشاريع، وكذلك كفاءات بشرية استطاعت التحصل عليها عبر سنوات مضت.

Email