الطريق نحو رسم خريطة سياسية واقتصادية جديدة للعالم

«البريكس».. الفرص والتحديات

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواجه القواعد الراسخة بهيكل النظام الدولي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مجموعة من التحديات العاصفة، ترتبط ارتباطاً مباشراً بجملة المتغيرات التي تشهدها تركيبة التفاعلات الدولية خلال السنوات الماضية، وفي ضوء نشاط محاور مناوئة للهيمنة الأمريكية والغربية، تتبنى الدعوة لوضع نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

وفي ظل التطورات الجيوسياسية التي يشهدها العالم وارتداداتها الاقتصادية واسعة المدى، بزغت بوادر «الهجرة الجماعية»، لا سيما بالنسبة للبلدان النامية، بعيداً عن سطوة الدولار، بوصفه رمز الهيمنة الأمريكية في النظام الدولي الراهن.

عزز ذلك الاستخدام المفرط من جانب الولايات المتحدة سلاح «العقوبات الاقتصادية» على عديد من الدول ضمن أجنداتها السياسية ومحاولات الضغط، وبما شجّع اتجاهات التخلي عن الدولار، وصعود أحلاف هادفة إلى تحقيق التوازن بالنظام الاقتصادي العالمي.

وتأتي مجموعة «البريكس» في هذا السياق كأحد أبرز التحالفات التي يُنظر إليها باعتبارها يُمكن أن تُشكل تهديداً مباشراً لنظام القطب الواحد وقواعده الاقتصادية المهيمنة، في وقت تضم فيه المجموعة خمسة من أكثر الاقتصادات الناشئة ديناميكية، وتنظر في توسعة هذا التحالف، خلال اجتماع من المقرر أن يعقد في الثاني والثالث من شهر يونيو المقبل، طبقاً لسفير جنوب أفريقيا لدى المجموعة، أنيل سوكلال، الذي كشف عن أن 19 دولة أبدت رغبتها في الانضمام للمجموعة (من بينها 13 دولة بشكل رسمي، و6 دول بشكل غير رسمي).

ويعكس تسابق عديد من الاقتصادات الناشئة للانضمام إلى هذا التكتل حجم التعويل على هذا الكيان الذي يحظى بفرص واعدة؛ لما يشكله، بقيادة الصين، من ثقل على المستوى الاقتصادي، حتى أنه تخطى الأرقام القياسية لمجموعة السبع من حيث نسبة المشاركة بالاقتصاد الدولي، بنسبة 31.5 % لصالح بريكس، مقابل 30.7 % للدول السبع الصناعية الكبرى.

وعلى الرغم من تلك الفرص الواعدة التي يُعززها نهم عديد من الاقتصادات للابتعاد عن الدولار، فإن المجموعة لا تزال تحدها مجموعة من التحديات والعقبات، سواء الداخلية (المرتبطة بمدى تجانس الأعضاء سياسياً واقتصادياً ومدى اتفاقهم على الأهداف الرئيسية والأولويات)، وكذلك التحديات الخارجية المرتبطة بصعوبات مقارعة الدولار المتغلغل في صلب النظام الدولي، الذي يهيمن على مفاصل التجارة الدولية، على الرغم من انخفاض حصته من احتياطيات النقد الأجنبي عالمياً إلى 58.36 % (بحسب أحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي)؛ وبالتالي فإن فرص هز النظام القائمة على المدى المنظور تبدو ضعيفة بالنسبة لبريكس، التي تحتاج إلى مزيد من العمل لبلوغ تحقيق هدفها المنشود على المدى الطويل.

 

اقتصادات ديناميكية

وتبدو مجموعة «بريكس»، التي تشير إلى الأحرف الأولى لهذه الدول (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، في وضع مناسب جداً دولياً في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا ومعها الحرب الاقتصادية الموازية التي تُشن من قبل الولايات المتحدة والدول السبع ضد روسيا، طبقاً لتعليق المحلل الاقتصادي في جريدة فاينانشال تايمز البريطانية، أنور القاسم، الذي يشير في تصريحات لـ«البيان» إلى أن أهمية هذه المجموعة تتجلى بعد تجاوزها مفهوم أنها مجرد تحالف اقتصادي؛ فقد أصبحت الآن بمثابة تحالف سياسي قادر على تهديد نظام القطب الواحد، على حد قوله.

ووفق القاسم، فإن «ثمة تغيراً تُبلوره هذه المجموعة عالمياً؛ فهي تجمع مع أكثر الاقتصادات الناشئة ديناميكية، وباتت تقدم نفسها عاملاً حاسماً في هيكل الحوكمة العالمية، وباتت بحكم الأمر الواقع صوت (الجنوب العامل)، الذي يدعـو إلى بديل اقتصادي وسياسي للهيمنة الغربية على النظام القائم حالياً».

ويضيف: «إن ما يؤكد هذه الأهمية المتزايدة تصنيف البنك الدولي لهذه المجموعة بأنها تمثل أكثر من 40 % مـن سكان كوكب الأرض، فضلاً عن مساهمتها في الناتج العالمي الإجمالي بأكثر من 16% مـن النمو الدولي»، وبالتالي فإن محاولات عديد من الدول، من بينها عربية، للانضمام إلى المجموعة تعتبر مكسباً كبيراً لتلك الدول، حيث لا يمكن لأي اقتصاد دولي أن يصمد في عصر التكتلات الكبيرة، ونحن نشهد على تاريخ يتغير فيه العالم بشكل متسارع. ومن الدول الساعية إلى الانضمام للبريكس السعودية وإيران والأرجنتين والمكسيك ومصر والجزائر وتونس.

 

قوة مؤثرة

ويلفت عضو المجلس الاستشاري لمعهد الأوراق المالية والاستثمار البريطاني في دبي، وضاح الطه، في تصريحات خاصة لـ«البيان»، إلى أن الدول الخمس المنضوية تحت تكتل «البريكس» تشكل قوة اقتصادية كبيرة (تصل مساحتها مجتمعة إلى 27 % من مساحة اليابسة، وتشكل 40 % من سكان العالم، كما تستحوذ على 31.5 % من الاقتصاد العالمي)، موضحاً أن «النمو الاقتصادي بالنسبة لتلك الدول متباين، وتقوده الصين بشكل أساسي، لكن التكتل كله مؤثر جداً في الاقتصاد العالمي».

ويشير إلى أن «الهدف الأساسي الذي تصبو إليه دول التكتل يتمثل في خلق قطب اقتصادي آخر في العالم بدلاً من القطب الواحد، وخلق حالة من التوازن العالمي أمام هيمنة الاقتصاد الأمريكي والدولار على الاقتصاد العالمي»، يعزز ذلك أن هذه المجموعة من حيث الصناعات ربما هي أقوى من مجموعة السبع، علاوة على قوة اقتصادات تلك الدول من حيث الناتج المحلي الإجمالي؛ ذلك أن الصين ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، والهند (خامس أكبر اقتصاد عالمي) أقوى من بريطانيا وفرنسا، وتأتي ضمن العشر الكبار في العالم، إضافة إلى البرازيل وروسيا كاقتصادات ناشئة مهمة.

تؤدي هذه المجموعة دوراً في تحييد أو تقليل تأثير العقوبات الاقتصادية على روسيا أخيراً، بعد أن رفضت الانضمام للعقوبات الاقتصادية وبقيت تتعامل مع موسكو، خصوصاً الهند والصين، في مجال النفط والغاز.

في تصور الطه، فإن «المجموعة أثبتت فعالية واضحة من خلال التنسيق بين الدول الأعضاء لخلق نظام اقتصادي موازٍ يهدف إلى تقليل تأثير الاقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد، عبر إنشاء بنك التنمية في عام 2014 برأس مال تقريباً 50 مليار دولار، وجزء من هذا البنك كان هناك صندوق لمساعدة الدول النامية الأكثر تضرراً من القروض أو غير القادرة على إدارة اقتصاداتها بشكل جيد».

هذا يعطي شعبية أكبر للمجموعة، وبما يبرر توالي طلبات الانضمام إليها لتصل إلى 13 طلباً رسمياً أخيراً برغبة في الانضمام من عدد من الدول، وجميعها دول مهمة جداً ولديها نقاط قوة وعناصر مهمة مثل النفط والغاز، وبما يعطي قوة أكبر للاقتصادات النامية، ويتم البدء تدريجياً في اعتماد التبادل الثنائي أو المتعدد باستخدام عملات محلية بين دول هذا التكتل والابتعاد عن الدولار، في وقت تدرس فيه المجموعة إطلاق عملتها الخاصة، وهي المسألة التي سوف تناقشها القمة المقبلة للتكتل، طبقاً لما أعلنه وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف.

ويعتقد مراقبون أن الحلم «الروسي بامتياز» في إطلاق عملة «البريكس» قد يُواجه بعقبات داخلية في التكتل، تقودها الصين، الراغبة في تعزيز عملاتها المحلية (اليوان) كعملة أساسية تنافس مستقبلاً هيمنة الدولار، وبما يعكس جانباً من حجم التحديات الداخلية التي يشهدها التكتل في هذا السياق، والمرتبطة بتباين الأهداف الاستراتيجية بالنسبة لكل دولة.

 

تحول صعب

ولا يعتقد الطه أن ذلك التحول الذي تصبو «البريكس» إلى تحقيقه (تحقيق التوازن بالاقتصاد الدولي) من السهولة بمكان حدوثه، على أساس أن إبعاد الدولار من التجارة العالمية بقيمة أكثر من 30 تريليون دولار وإحلال عملات أخرى بديلة أمر ليس بالسهل، «لكن ما يحدث هو بداية مهمة في سياق مواجهة هيمنة الدولار، لا سيما وأن نمو نشاط التكتل جاء نتيجة تخبط السياسات الأمريكية ومع طباعة تريليونات الدولارات، وبما قاد إلى هذه السياسات المناهضة للسياسة الأمريكية».

ويضيف عضو المجلس الاستشاري لمعهد الأوراق المالية والاستثمار البريطاني في دبي: «توسع التكتل من شأنه خلق حالة من التوازن في العالم اقتصادياً وسياسياً أيضاً»، مشيراً إلى أن التكتل قد يتوسع بما يتجاوز 10 دول خلال العام المقبل، وهو ما يجعل موقف الصين أقوى في مواجهة الولايات المتحدة.

وتسعى دول «البريكس» إلى تقديم التكتل وأذرعه المستحدثة (بنك التنمية وصندوق الاحتياط) بديلاً عن الكيانات المالية الراسخة، ومن بينها صندوق النقد الدولي، حتى أن بعض الدول لجأت إلى «مناورة» صندوق النقد الدولي ضمن مفاوضاتها معه بورقة الانضمام لبريكس، في ظل الاشتراطات التي يفرضها الصندوق.

 

فرص استثمارية

ويأتي «إبداء عدد من الدول، بما في ذلك دول عربية، الرغبة في الانضمام إلى «بريكس» رغبة منها في إيجاد فضاء جديد يمنح لها فرص استثمار وآفاقاً اقتصادية وشراكات جديدة، لا سيما وأن من بين هياكل هذا التكتل صندوق الاحتياط وبنك التنمية الجديد، وبما يسمح بتمويل مشاريع البنية التحتية وإقامة مشاريع مشتركة بعيداً عن النموذج الغربي الذي يضع دائماً شروطاً وإصلاحات تخدم النظرة والمصالح الغربية»، بحسب المحلل الاقتصادي الجزائري أحمد الحيدوسي.

وعليه، فإن هذه الدول «تبحث عن فضاء جديد تجد فيه متنفساً بعيداً عن الهيمنة الغربية التي تضررت منها كثير من دول المنطقة العربية، وكذلك مع تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة»، وفق ما يوضحه الحيدوسي لـ«البيان»، حيث يشير إلى أن «توسع البريكس من شأنه أن يمهد لإقامة نظام عالمي جديد بعيداً عن هيمنة الغرب والنظام العالمي الذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية (بموجب اتفاق بريتون وودز)، الذي وضع الاقتصاد الأمريكي على قمة الاقتصادات العالمية من حيث الهيمنة، وأعطى لورقة الدولار نفوذاً كبيراً على مستوى العالم في التجارة الدولية.

ولذلك فإن توسعة أعضاء هذا الكتل «تهدد هيمنة الغرب وسطوة الدولار.. وتؤسس لإقامة نظام عالمي جديد بقواعد لعب تختلف عن قواعد اللعب التي أسسها الغرب (..) تكون في ذلك النظام الجديد المصالح والفوائد متساوية عكس النظام القديم الذي كان في الأخير يصب في مصلحة الغرب، يدعم ذلك جهود التكتل واتجاهاته الرئيسية في سبيل التعامل بالعملات الوطنية وتوحيد الجهود بين البنوك المركزية وحتى إطلاق عملة جديدة، وبما يهدد الدولار الذي تراجعت حصته من الاحتياطات العالمية من نحو

80 % بعد الحرب العالمية إلى دون الـ60 % حالياً». ويُعدد الخبير الاقتصادي الجزائري في هذا السياق أبرز الفرص التي يتمتع بها التكتل بوضعه الحالي، وهي الفرص التي تتزايد مع دخول أعضاء جدد، مشيراً إلى دور الصين بوصفها قوة اقتصادية مؤثرة، وكذلك الهند التي استطاعت أن تزيح مستعمرتها السابقة (بريطانيا) من المرتبة الخامسة ضمن أكبر الاقتصادات على مستوى العالم، وصولاً إلى البرازيل الساعية إلى العودة لحظيرة الكبار، وروسيا بما تمتلكه من مزايا كاقتصاد قوي، بخلاف لاعبين جدد ينضمون إلى هذا التكتل». ويختتم الحيدوسي حديثه بالإشارة إلى أن دول تكتل «بريكس» تحاول توحيد الرؤى والتنسيق فيما بينها لمجابهة الهيمنة الغربية، لا سيما بعد ما أظهرته نتائج وتبعات الحرب في أوكرانيا.

 

تحديات أساسية

ومع هذا التفاؤل الذي تبديه تعليقات كثير من المحللين بشأن فعالية الحجر الذي يلقيه تحالف «البريكس» في المياه الراكدة، فإنه «لا يزال من السابق لأوانه الحديث عن مدى (مدى وتوقيت) إسهام مجموعة البريكس في التأسيس لنظام اقتصادي عالمي جديد، لا سيما أن التجمع حتى الآن يقتصر على خمس دول أعضاء، كما أن الاقتصاد العالمي لا يزال يُهيمن الغرب عليه بشكل كبير، وما زالت العملة الأوروبية الموحدة قوية، علاوة على هيمنة الدولار المسيطر على الصادرات والواردات والتعاملات بين الدول»، وهو ما يشير إليه في تصريحات لـ«البيان» الكاتب والمحلل الاقتصادي، نايل الجوابرة. لكنه يسلط الضوء في الوقت نفسه على تعاظم الاتجاه نحو الخروج من عباءة الدولار، وذلك من خلال اتجاه عدد من دول التكتل إلى التعامل بالعملات المحلية في تبادلاتها التجارية، والابتعاد عن الدولار، وهو ما يضع العملة الأمريكية تحت الضغط، وبما يعزز قوة المجموعة.

ويتحدث الجوابرة في الوقت نفسه عن اهتمام عدد من الدول العربية بالانضمام إلى البريكس، مشيراً إلى اتجاه تلك الدول عكس البوصلة مقارنة باتجاهات سابقة، من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الآسيوية (الصين والهند بشكل خاص).

ذلك في إشارة لجملة المتغيرات التي طرأت على العلاقات الخارجية لعديد من الدول الساعية للخروج من التبعية الاقتصادية للولايات المتحدة من خلال فتح منافذ وعلاقات أوسع مع دول معسكرات أخرى.

 

الصين وروسيا.. رؤية جديدة

تؤدي روسيا والصين دوراً واسعاً في مواجهة «هيمنة الدولار الأمريكي»، وذلك ضمن تبنيهما رؤية جديدة لمستقبل النظام العالمي ورفض سيطرة القطب الواحد.

ويأتي انخراط البلدين ضمن تحالف «البريكس» عاملاً مؤثراً ضمن تلك الرؤية المشتركة، في وقت ترتبط فيه الدول الأعضاء باتفاقات مصرفية ونقدية لتبادل العملات وزيادة التجارة بالعملات المحلية لتقليل الاعتماد على الدولار.

 

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي الروسي، ديمتري بريجع، في تصريحات لـ«البيان»، إن «الصين أصبحت في حلف واحد مع روسيا، يعبر عن ذلك التطور الواسع الذي تشهده مجموعة بريكس»، موضحاً أن تطور البريكس وسعي دول جديدة للانضمام في الفترة المقبلة يعكس حقيقة أن التكتل أصبح يشكل تحالفاً موازياً للتحالف الغربي عموماً.

ويضيف: «تسعى روسيا رفقة الصين إلى بناء تحالف موازٍ، وقد نجحت في ذلك جزئياً»، موضحاً أنه على الرغم من ذلك فإن ثمة خلافات في وجهات النظر السياسية؛ كون بعض الدول التي يسميها الرئيس فلاديمير بوتين دولاً صديقة لا تتفق سياساتها الخارجية بشكل كامل مع روسيا، لكنها في الأخير مهتمة بالحفاظ على العلاقات مع موسكو ولا تسعى للتصعيد.

 

التوسع المرتقب للمجموعة.. هل يعزز فاعليتها بالاقتصاد الدولي؟

ينظر كثير من المراقبين إلى مجموعة «البريكس» على اعتبار أنها كيان صاعد بقوة بمقدوره «إعادة رسم الخرائط الاقتصادية في العالم»، لا سيما مع التوسع المرتقب للتكتل في المرحلة المقبلة وضم دول جديدة تتمتع بمزايا مختلفة تزيد من ثقل المجموعة كورقة فاعلة ومؤثرة بالاقتصاد الدولي، رغم التحديات التي تجابهها في المرحلة المقبلة.

ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول اقتصاد أغنى الدول في العالم حالياً، طبقاً لمجموعة غولدمان ساكس.

 

الخبير الاقتصادي الجزائري الدكتور الهواري تيغرسي يقول لـ«البيان» إن بريكس هو تكتل اقتصادي سياسي يشكل بديلاً لهيمنة الولايات المتحدة والغرب على النظام الاقتصادي العالمي، ويواجه «التعسف» الذي يغلف اتجاهات وقرارات هذا النظام.

وتتمتع البريكس بمجموعة من عوامل القوى، على رأسها ما تشكله الدول الخمس مجتمعة من مساهمات بالاقتصاد العالمي (31.5 %) هي أكبر من مساهمة مجموعة السبع.

ويشدد على أن هذا التكتل يهدف إلى رسم خريطة اقتصادية سياسية جديدة، في مواجهة الخريطة الحالية، لا سيما مع إبداء أكثر من 13 دولة رغبتها بالانضمام وتوسيع المجموعة التي تُعد قطباً رئيسياً يريد تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وخدمة مصالح أعضائه وفق مبدأ (رابح-رابح)، موضحاً أن ثمة شروطاً أساسية للانضمام؛ أهمها أن تكون الدولة العضو دولة ناشئة ذات معدلات نمو مرتفعة، وأن يكون الناتج المحلي الإجمالي 200 مليار دولار، وأن تحظى بحركة اقتصادية وتكنولوجية قوية.

ويتابع: «هذه الكتلة الاقتصادية مبنية على أساس تسهيل العملية الاقتصادية والاستثمارات وعمليات التبادل التجاري بطريقة سهلة وسلسة تؤمن الإمكانات والموارد الطبيعية والموارد المالية اللازمة للدول، وتعتمد على الشفافية واحترام سيادة الدول.

وأعتقد أنه في المرحلة المقبلة سوف تظهر مزيد من الحلول الاقتصادية المهمة، من بينها إيجاد عملة جديدة بالنسبة للتكتل، لا سيما بعد التشتت الذي عانى منه العالم بعد الحرب في أوكرانيا وعزل موسكو جزئياً عن نظام سويفت، وهي عوامل دفعت للتفكير في حلول مختلفة من جانب هذا التكتل للانفتاح على العالم، لا سيما الدول النامية والضعيفة في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية».

 

وإلى ذلك، يقول المدير العام للمركز العربي الأفريقي للاستثمار والتطوير، أمين بوطالبي، في تصريحات خاصة لـ«البيان» إنه يُنظر لمجموعة «البريكس» منذ تأسيسها على أنها مجموعة قوية من شأنها أن تؤثر على القرار الاقتصادي العالمي، لا سيما وأن العالم كله متجه لبناء مجموعات اقتصادية بعيدة عن الأحادية القطبية التي كانت موجودة من قبل، وهو ما يدفع عديداً من الدول إلى الهرولة والمضي قدماً نحو المجموعات الجديدة، سواء البريكس أو غيرها من المجموعات التي قد تظهر ربما في الفترات المقبلة.

ويضيف: «جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا أزمتان وضعتا العالم بأسره في أزمة اقتصادية كبيرة، مع ارتفاع معدلات التضخم التي ضربت اقتصادات الدول، وبالتالي اتضح مدى تعثر الدولار مقارنة بحجم الديون الأمريكية، كما برزت الإشكاليات المرتبطة بمدى مرونة العملة الأمريكية في التعاملات الاقتصادية في مثل هذه الأزمات، وبما شجع دولاً مثل روسيا، التي تتعرض لعقوبات اقتصادية، للتعامل بالروبل، وذلك ضمن تحولات جذرية مختلفة يشهدها الاقتصاد العالمي».

وفي ما يخص منافسة البريكس لمجموعة السبع، يشير بوطالبي إلى أن «البريكس هي مجموعة اقتصادية، ولا تريد أن تتحرك ضمن توجهات سياسية أو عسكرية كما هي الحال بالنسبة لمجموعة السبع أو المجموعات الاقتصادية الأخرى، وهذا ما يظهره برنامج التكتل، حتى لو نظرنا إلى الصين والهند باعتبارهما عضوين في البريكس، بينما لا يتفقان في كثير من الملفات السياسية بشكل واضح».

لكنه يعتقد أن المؤشرات عموماً تقود إلى «نظام عالمي جديد، على اعتبار أن العالم وصل إلى تخمة اليوم، وهو ما يتطلب التوجه لوجهات ثانية»، موضحاً أن «الغرب لم يستطع المحافظة على مكتسباته، وأيضاً لم يستطع أن يحقق وعوده».

 

Email