يُنظر إلى الانتخابات التي تُجرى في الولايات المتحدة الأمريكية، نوفمبر المقبل، باعتبارها انتخابات حاسمة بالنسبة لعديد من الملفات الدولية الحالية، لجهة ما يُمكن أن تسفر عنه من متغيرات في ما يخص السياسات الأمريكية إزاء عدد من تلك الملفات، لا سيما حال ما إن عاد الرئيس السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض الذي قال في آخر تصريح له، إنه يحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأن ذلك شيء جيد، مشدداً على ضرورة التفاوض مع الرئيس الروسي لحل نزاع أوكرانيا.
الحرب في أوكرانيا والدعم الأمريكي لكييف، من بين أهم تلك الملفات، حال عودة ترامب الساعي لإعادة انتخابه، خاصة مع تكرار وعوده بوقف الحرب في أوكرانيا، والتي كان آخرها ما نقله عنه أخيراً رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، عندما قال خلال لقاء جمعهما «لن أعطي أي فلس لتمويل الحرب في أوكرانيا».
تتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول التي تقدم مساعدات لأوكرانيا في حربها، حيث تنفق سنويًا مليارات الدولارات، وبلغ حجم تلك المساعدات منذ بداية الحرب في فبراير عام 2022 نحو 113.4 مليار دولار، وفق بيانات البنتاغون.
وذكر محللون أنه مع احتمالات عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فإن من المرجح وقف الحرب في أوكرانيا، وإنهاء أخطر صراع أثرت تبعاته على القارة الأوروبية والعالم خلال آخر عامين، لكن تبقى مؤشرات عودته ضعيفة، حيث إنه بدلاً من العمل على جذب ناخبين له، يضاعف تهديداته بالعنف السياسي.
إنهاء الحرب
وأكد مدير مركز خبراء «رياليست» في موسكو، عمرو الديب، في تصريحات خاصة لـ «البيان»، أن ترامب حال عودته إلى البيت الأبيض من جديد، من المتوقع أنه لن يتوقف عن تمويل الحرب في أوكرانيا فقط، لكنه سينهي تلك الحرب فورًا، مشيرًا إلى أن هذا الأمر جاء على لسانه، مؤكدًا على هذه المسألة في عديد من المناسبات.
ونوه بأن الموقف من الحرب في أوكرانيا يعد من أهم النقاط في البرنامج الانتخابي لترامب، بإنهاء تلك الحرب التي أثرت في الاقتصاد والنفوذ الأمريكي لدى دول العالم.
وتابع: هناك فرصة كبيرة لعودة ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعد فرصة لإنهاء تلك الحرب، خاصة أن القارة الأوروبية تابعة بشكل أو بآخر للقرار السياسي الأمريكي، فإذا ما قررت واشنطن وقف تقديم المساعدات لأوكرانيا، أو إيقاف الحرب، سيكون على أوروبا تقبل الأمر، خصوصًا وأنها تلكأت كثيرًا في مسألة دعم أوكرانيا.
وأضاف أن أوروبا تعد المنطقة الأكثر تأثرًا بالحرب في أوكرانيا، خاصة مع تعطل إمدادات الغاز الروسي، وتوقف التجارة مع روسيا، فضلًا عن تأثرها بكل تبعات تلك الحرب على مدار عامين، وهو ما سيدفعها نحو الترحيب بقرار وقف الحرب، حال قرر ترامب ذلك.
كما أشار الديب إلى أن أوكرانيا تعيش خلافات داخلية (..)، وهناك أمور كثيرة تحدث بالداخل الأوكراني، وإذا ما أراد البيت الأبيض، حال عاد إليه ترامب، سيكون الأمر في اتجاه القبول بالوضع الراهن.
«أمريكا أولاً»
أما الأستاذ بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، الأكاديمي والباحث رامي القليوبي، أشار في تصريحات خاصة لـ «البيان»، إلى أنه بالعودة إلى فترة رئاسة ترامب للولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 2016 حتى 2020، كانت منهجية السياسة الخارجية الأمريكية هي أمريكا أولًا، وأن هذا لم يكن شعارًا حينها، بل تُرجم لخطوات فعلية.
وأوضح أن ترامب كونه رجل أعمال، أكثر من رجل سياسة، كان يرى أن قوة الولايات المتحدة في خلق الوظائف والتنمية الاقتصادية، وليس في دعم دول معينة حول العالم، وكان بذلك يشكل تيارًا مناهضًا للعولمة.
وذكر أن أوروبا بوضعها اليوم في المجال العسكري، باتت منطقة منقوصة السيادة، كونها تعتمد على واشنطن في المجال الأمني، متوقعًا أن تصدر مواقف أوروبية منددة بالتراجع الأمريكي عن دعم أوكرانيا، حال فاز ترامب في الانتخابات الأمريكية وقرر ذلك، مستطردًا: على الرغم من ذلك، إلا أن أوروبا فعليًا غير قادرة على اتخاذ موقف.
وتوقع أن تسعى أوكرانيا للتمسك بالدعم الأمريكي، وتسويق الأمر على أنه في حال توقف الدعم الأمريكي، هذا سيعني خسارة الغرب لقيمه ونظامه العالمي الرافض لضم أراضٍ لدول بقوة، لكن في الوقت نفسه، هذا سيجعل أوكرانيا أكثر مرونة في مسألة المفاوضات، وربما بقبولها وتقديم تنازلات، ولو ضمنية، عن أراضٍ من أجل إنهاء الحرب، وتجنب مزيد من الخسائر.