إفريقيا ضحية جانبية للوضع العالمي المتأزم

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت إفريقيا تتوقع انتعاشا اقتصاديا عام 2022، لكنها تواجه عوضا عن ذلك صعوبات على مستويات عدة، إذ تعاني عواقب الحرب في أوكرانيا ومختلف الصدمات التي تهز الاقتصاد العالمي.

وبعد تعافي اقتصاد إفريقيا جنوب الصحراء العام الماضي، كان من المتوقع أن يتباطأ النمو في 2022 إلى 3,6% على أن يستقر عند 3,7% في 2023، غير أن صندوق النقد الدولي أشار في تقريره للمنطقة الصادر الجمعة إلى أن الآفاق على المدى القريب "غامضة للغاية".

وجاء في التقرير أن "آفاق المستقبل للمنطقة مرتبطة مباشرة بتطورات الاقتصاد العالمي ... وفي هذه الظروف، يواجه القادة السياسيون وضعا هو من الأصعب في السنوات الأخيرة".

ونتج ذلك من تزامن صعوبات غير مسبوقة ما بين تباطؤ الاقتصاد في الولايات المتحدة والصين وأوروبا، أكبر أسواق لصادرات القارة، والارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والمواد الغذائية نتيجة الحرب في أوكرانيا، وسوق مالية تعطي الأفضلية للاستثمارات الأكثر أمانا وفي مقدمها الدين الأميركي.

ويزيد هذا الوضع الاقتصادي من شدة الصعوبات التي تواجهها إفريقيا منذ بدء تفشي وباء كوفيد-19. فإن كانت الدول الإفريقية عانت بصورة عامة أقل من سواها على الصعيد الصحي، إلا أن التبعات الاقتصادية للوباء كانت قاسية جدا، إذ واجهت القارة زيادة غير مسبوقة في مستوى الفقر كما في انعدام الأمن الغذائي.

وقال أبي سيلاسي مدير قسم إفريقيا في صندوق النقد الدولي "هناك تباطؤ، لكن ما يطرح مشكلة أكبر وأكثر ضررا هو ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة ... إنه وضع صعب جدا للأكثر فرقا وضعفا. وإن كان الوضع شاقا في مناطق كثيرة، فهو أكثر إشكالية في إفريقيا".

وبحسب البنك الدولي، فإن إفريقيا جنوب الصحراء باتت تمثل 60% من الفقر المدقع في العالم إذ يطال فيها 390 مليون شخص، ما يزيد على مجموع سكان دولتي القارة الأكبر تعدادا سكانيا، نيجيريا وإثيوبيا.

ولاجتثاث الفقر المدقع بحلول نهاية العقد، ينبغي أن تسجل جميع دول المنطقة نموا اقتصاديا سنويا بنسبة 9% وهي بحسب البنك الدولي "عتبة مرتفعة للغاية بالنسبة لدول كان متوسط نمو إجمالي ناتجها الداخلي للفرد 1,2% في العقد الذي سبق الوباء".

- صعوبة الوصول إلى التمويل -

من الصعب الاستثمار واجتذاب الرساميل في وضع اقتصادي من التباطؤ والانكماش، في حين يتجه المتمولون إلى استثمارات أكثر أمانا بانتظار أن تعبر العاصفة المالية.

في المقابل، بات هامش المناورة المالية في إفريقيا حاليا ضيقا في ظل مستوى مديونية يقارب 60% من إجمالي ناتجها المحلي، أعلى مستوى منذ بداية القرن بحسب صندوق النقد الدولي.
وقال سيلاسي "كنا نشدد حتى قبل الوباء على زيادة المديونية العامة في المنطقة، وتفاقم هذا الوضع مع الوباء".

وسعيا لمعالجة المشكلة، وجهت المؤسستان نداء إلى الدول المعنية يدعوها إلى الاستعانة بهما بدون انتظار أن يسوء وضعها المالي أكثر.

وتواجه الدول الإفريقية التحديات ذاتها كسائر العالم، غير أن هذه التحديات تزداد صعوبة في ظل خصوصيات القارة، فكيف يمكن دعم الوصول إلى المواد الغذائية في ظل الارتفاع الحاد في الأسعار؟ وكيف يمكن الاستثمار في تحول الاقتصاد لمواجهة مخاطر الاحترار المناخي في حين أن نسبة المديونية مرتفعة أساسا والموارد المالية محدودة للغاية؟

وفي هذه الظروف، يؤدي التشدد في السياسات النقدية إلى تجفيف سوق الائتمان، ما يجعل من الصعب إعادة تمويل دول في مأزق مالي.

وحذر رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس في السابع من أكتوبر من أن "44 مليار دولار من الديون باتت مستحقة" على الدول الأكثر فقرا ومعظمها إفريقية، وهو مبلغ يفوق المساعدة الدولية التي تلقتها الدول المعنية.

وأوضح أبي سيلاسي أنه "إذا كان مستوى المديونية يفوق قدرة البلدان، لا يمكننا التدخل، ويترتب على الدول التوافق مع دائنيها. فإذا تدخلنا في حين أن البلد غير قادر على تحمّل أعباء ديونه، عندها ستذهب الموارد التي نضخّها إلى تسديد الدين بدل أن تذهب إلى السياسة المالية".

وتمكنت بعض الدول من إعادة هيكلة دينها، ولا سيما بفضل إطار التفاوض المشترك الذي أنشأته مجموعة العشرين، ومن هذه الدول زامبيا التي خاضت مفاوضات استمرت سنتين مع دائنيها وفي طليعتهم الصين.

لكن مسعود أحمد رئيس مركز النمو العالمي قال "إنها آلية بطيئة جدا ولا تأتي بنتيجة جيدة، وفي هذه الأثناء يتحتّم على الدول التي تواجه صعوبات أن تنتظر فيما يتدهور وضعها".

 

Email