دخان ينبعث من محطة بيليشاتو الألمانية للطاقة والأكبر التي تعمل بالفحم في أوروبا | أرشيفية

حماية المناخ هل تتحول إلى ظاهرة خطابية؟

لا يخلو أي تجمع دبلوماسي في العالم من ملف التغير المناخي الذي تقدم تأثيره السلبي في السنوات الأخيرة حتى أصبح خطرها لا يقل عن الحروب والصراعات، بل إن التغير المناخي أصبح «حليفاً» للأزمات العالمية في ظل عدم قدرة الدول الكبرى على التوفيق بين الالتزام بالسياسات الخضراء وتحقيق النمو الاقتصادي، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الشاملة التي تعصف بالأسواق العالمية فضلاً عن أزمة الطاقة في أوروبا.

في افتتاح المناقشة العامة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، جمع أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في كلمته الأزمات المتحالفة وتأثيرها على الوضع العالمي غير المستقر، وقال: «نلتقي في لحظة خطر كبيرة على عالمنا.. الصراعات والكارثة المناخية، عدم الثقة والانقسام، الفقر وعدم المساواة والتمييز، ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة».

وعرج في حديثه إلى أهداف التنمية المستدامة، حيث تجعلها المخاطر الحالية بعيدة المنال ولكن لا يزال يمكن إنقاذها. وتابع «يجب على العالم أن يضع قائمة مهام».

لكن ما زال يغيب عن الخطابات الإرشادية الأممية حول المناخ محور رئيسي لم يجد بعد طريقه إلى المناقشة العامة على نطاق واسع، وهو أن التنمية بمفهومها التقليدي (النمو الاقتصادي والتوسع في التوظيف ومراكمة الأرباح) لا تتوافق مع أهداف عديدة من «التنمية المستدامة» الـ17.

وفي المقدمة منها مكافحة التغير المناخي، وهو مفهوم مسكوت عنه لأن اقتطاع النمو من الدول الفقيرة في سبيل المناخ يفتح الباب أمام الحديث عن تعويض الفقراء من قبل الدول الأكثر جنياً للأرباح.

أمم صاعدة

أعلنت جزر المحيط الهادئ شراكة جديدة للحفاظ على تراثها في مواجهة التهديد الوجودي المتأتي عن الاحترار المناخي. وأعلنت المبادرة التي سُميت «الأمم الصاعدة»، من جانب رئيس وزراء توفالو كوسيا ناتانو ورئيس جزر مارشال ديفيد كابوا، بدعم من دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة وكندا.

وقال ناتانو «أزمة المناخ تهدد بشكل متزايد مستقبل الناس في كل أنحاء العالم». وأضاف «للمفارقة، في منطقتي، المحيط الهادئ، يبدو المستقبل واضحاً أكثر فأكثر، لكن ليس بطريقة تبعث على الارتياح».

وتمثل جزر المحيط الهادئ 0,03 في المئة فقط من انبعاثات غازات الدفيئة، لكنها مهددة بالزوال، حتى لو احترم المجتمع الدولي تعهداته بموجب اتفاق باريس للمناخ.

زراعة بلا مياه

روى نهر دجلة حضارات متعاقبة عبر التاريخ، لكنه اليوم يصارع الموت. إذ يهدّد النشاط البشري الجائر والتغيّر المناخي بمحو شريان حياة عمره آلاف السنوات.

أصبح العراق واحداً من أكثر خمسة بلدان في العالم عرضة لعواقب تغيّر المناخ، بحسب الأمم المتحدة، مع الجفاف وانخفاض نسبة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة والتصحّر المتسارع. وتأثّر بذلك نهر دجلة مع تراجع الأمطار، وكذلك بسبب السدود المبنية في تركيا حيث ينبع النهر.

في بعض الأماكن، يبدو النهر مثل برك ناتجة عن مياه الأمطار. ويشكو المزارع أبو مهدي (42 عاماً) قائلاً «سنضطر إلى التخلي عن الزراعة وبيع ماشيتنا ونرى أين يمكننا أن نذهب». ويضيف «لقد شردتنا الحرب. الآن سنهاجر بسبب المياه».

- 75 %

قالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) إن عوامل تغير المناخ وتعثر الاقتصاد والقضايا الأمنية العالقة تضافرت لتلحق ضرراً بالغاً بإنتاج سوريا من الحبوب عام 2022، مما ترك غالبية مزارعيها في مواجهة وضع حرج ومحفوف بالمخاطر.

وقال مايك روبسون ممثل المنظمة في سوريا إن محصول القمح في سوريا لعام 2022 بلغ نحو مليون طن بانخفاض 75 في المئة عن مستويات ما قبل الأزمة في حين أن الشعير بات شبه منعدم.

وأدى عدم انتظام هطول الأمطار في الموسمين الماضيين إلى تقلص محصول القمح في سوريا الذي كان يبلغ نحو أربعة ملايين طن سنوياً قبل الحرب، وهي كمية كانت تكفيها لإطعام شعبها وكذلك تصديرها إلى البلدان المجاورة في الظروف المواتية.

جوع حاد

حذرت منظمة أوكسفام غير الحكومية بأن موجات الجفاف القصوى والفيضانات الكاسحة وظاهرة التصحّر زادت من شدة «الجوع الحاد» بأكثر من الضعف في الدول الأكثر عرضة للكوارث المناخية، داعية الدول الصناعية إلى الحد بشكل كثيف من انبعاثات الغازات المسببة للاحترار وإصلاح الأضرار التي تسببت بها.

وأفادت أوكسفام في تقرير أن الجوع الحادّ ازداد بنسبة 123 % في عشر دول تصنف من الأكثر عرضة للمخاطر المناخية هي الصومال وهايتي وجيبوتي وكينيا والنيجر وأفغانستان وغواتيمالا ومدغشقر وبوركينا فاسو وزيمبابوي.

وإن كانت النزاعات والأزمات الاقتصادية تبقى العاملين الأولين خلف الجوع فإن «ظواهر الطقس القصوى التي تزداد وتيرة وشدة، تحد هي أيضاً من قدرة الشعوب الفقيرة على التصدي للجوع ومواجهة الصدمات المقبلة»، بحسب ما أورد التقرير.

الأكثر مشاركة