إرهاق الحرب.. دعم أوكرانيا في «صراع طويل» أكبر من تحمّل أوروبا

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو واضحاً الانقسام الواسع بالشارع الأوروبي بين معسكرين رئيسيين، الأول ينادي بـ«السلام» عبر الخيارات الدبلوماسية والسياسية في التعامل مع العملية الروسية في أوكرانيا وتبعاتها، حتى لو دفع ذلك إلى تقديم كييف تنازلات، والثاني ينادي بمواصلة الحرب من أجل «ردع روسيا».

استطلاع الرأي الذي نشره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، يسلّط الضوء على وجود معسكرين داخل أوروبا عندما يتعلق الأمر بالصراع في أوكرانيا. ومن بين الدول العشر التي شملها الاستطلاع، ظهرت إيطاليا بقوة في المعسكر الأول، وبولندا في المعسكر الآخر.

ينطلق أنصار كل معسكر من وجهتي نظر مختلفتين، فبينما يعي أنصار «معسكر السلام» خطورة الانجرار إلى سيناريو «الحرب الطويلة والمستمرة» التي تسير الأمور ميدانياً باتجاهها بعد أربعة أشهر من الحرب، وفي ظل التحديات شديدة الخطورة التي تواجه أوروبا - وبشكل خاص في ملف الطاقة والغاز الروسي - فإن أنصار المعسكر الثاني يرون أن انتصار روسيا في أوكرانيا سيكون «كارثة»، طبقاً لتعبير رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.

تصريحات جونسون ترجمها مراقبون بأنها انتقادات مبطنة لتوجهات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومناداته بعدم «إذلال» روسيا، ودعوته لضرورة التفاوض مع الرئيس فلاديمير بوتين. لكن جونسون حذر، في الوقت نفسه، قبيل أيام من «إرهاق الحرب» الذي يضعف معنويات الغرب، في حين أن روسيا تواصل عمليتها في أوكرانيا.

وعاد رئيس الوزراء البريطاني للتأكيد في الوقت نفسه على ضرورة دعم أوكرانيا بشكل واسع، واحتفاظ القادة الأوروبيين بـ«برود أعصابهم» استعداداً لحرب طويلة، أو المخاطرة بما وصفه «أكبر انتصار للعدوان في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية» على حد قوله.

وتطرح جملة من التساؤلات نفسها حول مستقبل المواقف الأوروبية في حال استمرار الحرب، وما إن كانت أوروبا قادرة على مجابهة تبعاتها ومواصلة دعم أوكرانيا، في ظل التأكيدات الواردة من القادة الأوربيين على ضرورة مساندة وتسليح كييف بدفعات جديدة من الأسلحة؟

مأزق حاد

يقول المحلل السياسي المتخصص بالشؤون الأوروبية، نزار الجليدي، في تصريحات لـ«البيان» إنه «بات من الواضح أن أوروبا في وضعية المأزق الحاد، وربما الآن تتمتع بشيء من الصبر، لكنها لن تواصل بشكل أو بآخر جسور الإمداد لأوكرانيا، لأنها (دول أوروبا) تعرف جيداً أن أوكرانيا ليست هي التي ستوفر الطاقة في اللحظة المطلوبة إلى مواطني الاتحاد الأوروبي»، في إشارة إلى الضغوطات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في ملف الطاقة وتأثير ذلك المحتمل على مواقف أوروبية من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

ويضيف: «في اعتقادي أن طلب أوكرانيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سيواجه التسويف أو الرفض لعلّات كثيرة، سيما وأن الموقف الأوروبي غير متفق بأن تنتمي كييف إلى الاتحاد سريعاً». لذلك فإن السيناريو الأرجح بالنسبة لأوروبا - في تصور الجليدي - هو أن تتجه إلى أفريقيا (ضمن المصادر البديلة للطاقة عوضاً عن الغاز الروسي) بينما في الوقت نفسه ستحاول ترميم موقفها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وستخفض جناح الذل لروسيا، علها تجد مخرجاً على اعتبار أن الحرب سوف تمتد أكثر فأكثر وأن بوتين عازم على الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة، وهي الصيغة التي لا يمكن أن تقبلها أوروبا، ومع ذلك يبقى العنوان الرئيسي لمشكلة أوروبا ليس مواصلة مد أوكرانيا بالسلاح بل معاناة الطاقة والشتاء القارس، وفي ضوء الأوضاع الراهنة وتراجع القوة الشرائية وارتفاع أسعار النفط.

وتعبر تصريحات عددٍ من القادة الأوروبيين عن ذلك الاتجاه، من بينها التصريحات الشهيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أسابيع، بعدم «إذلال» روسيا، وهي التصريحات التي كشفت عن مقاربات باريس في سياق الحلول الدبلوماسية.

ويعلق الجليدي بقوله: «هذا التصريح إنما يكشف موقف أوروبا.. ماكرون ليس أمامه الآن بعد الانتخابات التشريعية وصعود معارضيه، لا سيما حزب مارين لوبان، ومعارضي سياسة ماكرون الخارجية، والأقرب جداً إلى روسيا.. هذا الوضع الفرنسي يؤثر بشكل مباشر على الموقف الأوروبي ككل».

وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير لها منتصف الأسبوع الماضي، أنه في الوقت الحالي يظل نفق الحرب طويلاً ومتعرجاً ومظلماً. وسلط التقرير الضوء على تصريحات الرئيس الأوكراني زيلينسكي التي أشار خلالها ضمنياً إلى رفض الاقتراحات الواردة من بعض الأطراف والتي قد تحتاج لتقديم كييف تنازلات إقليمية.

واعتبرت الصحيفة أن تصريحات الرئيس الأوكراني الأخيرة التي قال خلالها «لن نتخلى عن الجنوب لأي شخص» شكلت تذكيراً بأن تيار المعركة يتأرجح بشكل ينذر بالسوء، في وقت من المحتمل أن تستعد روسيا لهجمات جديدة في الأسابيع المقبلة. وأشار التقرير إلى أن «الوحدة الأوروبية معرضة للتهديد جراء الضغوطات الاقتصادية، على اعتبار أن قرار روسيا الأخير بتقليص حاد لتوصيل الغاز إلى القارة يحذر المحللون معه من شتاء مرير ومكلف في معظم أنحاء أوروبا».

موقف ضعيف

وإلى ذلك يصف خبير العلاقات الدولية، الدكتور طارق البرديسي، في تصريحات لـ «البيان» الموقف الأوروبي بـ«الضعيف» لا سيما في ظل التحديات التي تواجهها الدول الأوروبية، مشيراً إلى اختلاف المواقف بين تلك الدول، لجهة المواقف المؤيدة لمزيدٍ من التصعيد على سبيل المثال في إطار دول شرق أوروبا، والمواقف الساعية إلى الحلول الدبلوماسية والتي تمثلها فرنسا وألمانيا وإيطاليا، بينما دول أخرى مثل فنلندا والسويد تريد الانضمام لحلف الناتو، لتشكيل ضغط وتصعيد ضد موسكو من ناحية، بينما من ناحية أخرى يهدد ذلك تماسك المنظمة نفسها.

وتسعى الدول الكبرى ضمن الاتحاد الأوروبي، والتي تقود الاتحاد اقتصادياً وسياسياً (ألمانيا وفرنسا ومن بعدهما إيطاليا) لطرح حلول دبلوماسية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، لا سيما وأن الأوضاع ضاغطة بشكل كبير على تلك الدول التي تواجها تحديات واسعة «كما أنها دول ديمقراطية.. والشارع لم يقل كلمته بعد»، طبقاً للبرديسي.

ويستطرد: «هناك تفاوت ملحوظ في مواقف الدول الأوروبية، إذ ليس ثمة سياسة أوروبية موحدة.. وتضع الحرب الراهنة وتبعاتها الاتحاد الأوروبي على المحك»، لافتاً إلى دعوة بريطانيا للتصعيد والقدرات الدفاعية المستقلة «نوع من الضعضعة والضعف بالنسبة للاتحاد الأوروبي كقوى سياسية، وكذلك الناتو، لأن الدول الأعضاء ليست في خندق واحد، والمساهمات ليست بنسب عادلة ومتساوية، بينما تشهد أوروبا تحديات متصاعدة».

وبينما ينادي القادة الأوروبيون بالشجاعة والمرونة في آنٍ واحد. قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ لصحيفة بيلد الألمانية: «يجب ألا نتوانى عن دعم أوكرانيا.. حتى لو كانت التكاليف مرتفعة.. ليس فقط لجهة الدعم العسكري».

ومع ذلك فمن المتوقع أن تكون الفترات المقبلة بينما تدخل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا شهرها الخامس، حافلة بالتطورات على أكثر من صعيد، في اختبار صلابة لمدى قدرة الغرب على المواجهة أو الاضطرار إلى تقديم تنازلات.

Email