القصة الكاملة لأطول معركة قضائية في الولايات المتحدة

الإجهاض في أمريكا.. من أدوية العطارين في 1821 إلى «لمسة ترامب»

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعرض الديمقراطيون لهزيمة ثقيلة في المعركة القانونية حول الإجهاض، حيث اتخذت المحكمة العليا في الولايات المتحدة اليوم الجمعة خطوة جذرية وأبطلت حكماً تاريخياً صدر في عام 1973 اعترف بحق المرأة الدستوري في الإجهاض وقننه على مستوى البلاد، بما شكل نصراً للجمهوريين والمحافظين الذين يريدون الحد من الأمر أو حظره كلياً.

وفي حكم صدر بتأييد ستة مقابل رفض ثلاثة أعضاء، أيدت المحكمة بأغلبيتها المحافظة قانوناً صدر في ولاية مسيسيبي ودعمه الجمهوريون وتم بموجبه حظر الإجهاض بعد 15 أسبوعاً من الحمل.

ويشكل الصراع القضائي حول حق الإجهاض واحداً من أكثر فصول الجدل السياسي في الولايات المتحدة، حيث تتداخل فيه القيم الأخلاقية مع حق الحياة والقدرة على الإنجاب، وتفتح فصلاً جديداً من معركة قانونية مستمرة منذ قرنين، يعتصم فريقاها على فلسفتين مختلفتين حول الإرادة والمسؤولية والحياة. فهل الأولوية لقرار الأم الحامل أم للجنين؟

في العام 1973، اعترف الحكم الصادر في القضية المعروفة باسم «رو ضد وايد» بأن حق الخصوصية الشخصية في الدستور الأمريكي يحمي قدرة المرأة على إنهاء حملها.

«رو ضد وايد» هي القضية التي نجم عنها إصدار قرار المحكمة العليا الأمريكية بمنح النساء حق الإجهاض في كل الولايات المتحدة. ودارت القضية حول سيدة تدعى نورما مكورفي - والتي سميت بجين رو - كانت حبلى بطفلها الثالث في عام 1969.

كانت مكورفي ترغب في إجهاض طفلها، ولكن القوانين التي كان معمولاً بها في ولاية تكساس التي كانت تقيم فيها، كانت تحظر هذا الأمر، ما حدا بها إلى إقامة دعوى قضائية ضد المدعي العام المحلي المدعو هنري ويد. وكان لقرار المحكمة أن منَح للنسوة الحق المطلق في الإجهاض في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.

ومن خلال إلغاء الحق الدستوري في الإجهاض، اليوم، يعيد الحكم للولايات الأمريكية قدرتها على تمرير قوانين تحظره. ويعتقد أن نحو 26 ولاية ستحظر الإجهاض قطعاً أو ترجيحاً.

وكان الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب قد وعد في حملته الانتخابية في 2016 بتعيين قضاة في المحكمة العليا سيبطلون حكم (رو ضد وايد) وتمكن بالفعل من تعيين ثلاثة قضاة محافظين خلال ولايته التي استمرت أربع سنوات مما رجح كفة اليمينيين في المحكمة وأسس لأغلبية محافظة من ستة قضاة مقابل ثلاثة ليبراليين. والحكم الصادر اليوم يعد نتاج لمسة ترامب في التعيينات ضمن الإرث الذي أسسه حين أوغل في تعيين شخصيات يمينية محافظة في كل المفاصل بما في ذلك المحكمة الدستورية العليا.

الصراع حول «الأسرة المثالية»

يستند دعاة منع الإجهاض إلى حزمة من المرجعيات، أبرزها الكنيسة الأنجليكانية، فيما يستند مؤيدو حق المرأة في الإجهاض إلى قيم مدنية في منع أي وصاية جماعية تتعارض مع قرار الفرد بخصوص علاقته مع جسده بما في ذلك الحمل، فهي إذاً منظومة ليبرالية اجتماعية.

وشكل قانون سار في ولاية ميسيسبي يحظر الإجهاض بعد الأسابيع الـ 15 الأولى من الحمل، دعماً كبيراً لقرار المحكمة العليا في قرارها اليوم. صدّق على هذا القانون في عام 2018، ولكنه لم يطبق نظراً لطعن تقدمت به منظمة جاكسون لصحة المرأة. غير أنّ هذا القانون الخاص بولاية ميسيسبي يحظر الإجهاض كلياً بما في ذلك الحمل الناتج عن الاغتصاب والعلاقات الجنسية بين الأقارب من الدرجة الأولى، وهو ما قد يفتح الباب أمام مشكلات اجتماعية، بحسب دعاة الإجهاض، من أبرزها جعل الأم الحامل بطريقة خاطئة وغير مسؤولة وخارج إرادتها، ملكاً للجنين، ومن دون أن تكون هناك قوانين تلزم المغتصب على تحمل المسؤولية في حال التعرف عليه. غير أن دعاة الإجهاض لهم وجهة نظر أوسع بكثير ولا تتعلق فقط بمثال الحمل اللا إرادي (نتيجة الاغتصاب أو حتى علاقة غير شرعية لا يمكن تتويجها بالزواج وفق التشريعات الكنسية)، فالصراع متعلق بين رؤيتين لـ«الأسرة المثالية»، وهي الرؤية المحافظة والرؤية الليبرالية.

إضاءة تاريخية

بعد استقلال الولايات المتحدة، اتبعت أغلب الولايات القانون العام الإنجليزي فيما يخص الإجهاض. ما يعني أنه غير مسموح بعد الارتكاض (حركة الجنين الأولى)، والتي تبدأ عادة بين الأسابيع 15-20 من بداية الحمل.

أصبح الإجهاض غير قانوني في بريطانيا وفق تشريع يتبع لقانون إطلاق النار والطعن لعام 1803، كما بدأت العديد من القوانين التي تقيد الإجهاض بالظهور في الولايات المتحدة خلال فترة عشرينيات القرن التاسع عشر، والتي ساهمت في تنسيق وتوسيع القانون العام.

عموماً سادت القيم المحافظة طيلة القرن التاسع عشر في العلاقات الأسرية والاجتماعية، وهو العصر الذي يطلق عليه اصطلاحاً العصر الفيكتوري، حيث حكمت الملكة فيكتوريا بريطانيا العظمى من (1837 – 1901).

في عام 1821، استهدف قانون في ولاية كونيتيكت العطارين الذين كانوا يبيعون النساء سموماً بغرض تحريض الإجهاض لديهن، واعتبرت ولاية نيويورك الإجهاض بعد الارتكاض جريمة يعاقب عليها القانون، وما قبل ذلك كمخالفة.

تقترح التقديرات المعاصرة التي أجريت في منتصف القرن الماضي حول معدلات الإجهاض بأنه بين 20 إلى 25% من بين حوادث الحمل في الولايات المتحدة خلال ذلك الوقت انتهت بالإجهاض. شهد ذلك العصر نقلة نوعية في عدد الحاصلين على عملية الإجهاض. إلا أنّ هذا الارتفاع في الإجهاض أو حالات الحمل خارج الولادة، مرحلي أيضاً. فمنذ عام 1965 كانت حبوب منع الحمل قد أحدثت ثورة في تقليل حالات الحمل خارج الزواج أو حتى تحديد النسل لدى المتزوجين، وبات لأول مرة في التاريخ، ضبط طبي مسبق لتداعيات أي علاقات خارج إطار الزواج. كما تقدم الطب خطوة إضافية في تقليل حالات الحمل خارج الإرادة عبر ابتكارات ظهرت للوقاية من أمراض فتاكة مثل الأيدز.

ما هي الفئات المتأثرة؟

إن تقييد حق الحصول على الإجهاض سيؤثر على النسوة الفقيرات بشكل أساسي - وهن النسوة اللواتي قد يكن الأكثر حاجة للقيام بالإجهاض بالأساس. وستتأثر النسوة السوداوات وذوات الأصول الإسبانية بهذه القرارات بشكل خاص، إذ إن 61 في المئة من اللواتي يخضعن للإجهاض في الولايات المتحدة ينتمين إلى أقليات عرقية. وتشمل هذه الفئة النساء في العقد الثاني من عمرهن بشكل محدد، إذ كانت هذه الفئة تشكل 57 في المئة من اللواتي خضعن لعمليات إجهاض في الولايات المتحدة في عام 2019.

وحسب بيانات مركز الولايات المتحدة للسيطرة على الأوبئة والأمراض، وفق تقرير بـ«بي بي سي عربي» شهدت البلاد 630 ألف حالة إجهاض عام 2019، وهو تراجع بنسبة 18 في المئة مقارنة بعام 2010.

Email