السوفييت والأمريكان وأفغانستان.. خروج واحد ونتيجة مختلفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشهد خروج آخر جندي أمريكي من أفغانستان يوم الاثنين الماضي أعاد للأذهان مشهد خروج آخر جنرال سوفييتي منها عام 1989. لقد وقع السوفييت والأمريكيون هناك في حرب استنزاف طويلة ومكلفة بشرياً ومادياً، وقرروا الانسحاب في نهاية المطاف، إما بلا نتيجة أو بنتيجة لا تستحق جزءاً من الثمن، وفقاً لمراقبين كثيرين، لكن رغم التشابه بين الحدثين، ثمة فروق أيضاً.

الولايات المتحدة غزت أفغانستان عام 2001 للإطاحة بحكم حركة طالبان، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وانخرطت في حرب دامية طيلة عشرين سنة، وهي أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. وتشير إحصائيات مجلة «فورتشن» الأمريكية إلى أن حرب العراق تأتي في المرتبة الثانية بـ18 عاماً، ثم حرب فيتنام بـ14 عاماً. وبحسب المجلة فإن الفترة التي شارك فيها الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية 5 سنوات، وفي الحرب الكورية 4 سنوات، ولم يشارك الجيش الأمريكي إلا لمدة عام واحد في الحرب العالمية الأولى، بينما كانت مدة مشاركته في حرب الخليج أقل من عام.

أما الاتحاد السوفييتي فقد تدخل في أفغانستان عام 1979، في حرب دامت عشر سنوات، تحت عنوان دعم الحكومة الاشتراكية برئاسة بابراك كارمال، التي كانت تعاني من هجمات معارضين مدعومين من الغرب.

وقدّر موقع قناة «DW» الألمانية الخسائر البشرية الأمريكية بمقتل 2442 جندياً وإصابة أكثر من 20 ألف جندي، مع خسائر مادية قدرت بحوالي 978 مليار دولار حتى العام 2020، بحسب أرقام رسمية، و990 مليار دولار، بحسب مجلة «فورتشن»، في حين أسفر التدخّل العسكري السوفييتي في أفغانستان عن مقتل 15 ألف جندي، وخسائر مادية قدرت بمليارات الدولارات، خلال فترة عانى فيها الاتحاد السوفييتي من صعوبات اقتصادية حادة.

طريقة الانسحاب

الاتحاد السوفييتي انسحب من أفغانستان في مشاهد احتفالية وبطريقة منظمة، كما تقول «DW» على النقيض من الانسحاب الأمريكي الذي شابته الفوضى العارمة والهجمات الدامية والهروب الجماعي لعشرات الآلاف من الأفغان. ولن يكون من السهل نسيان واقعة تشبث عدد من الأفغان بعجلات الطائرة، قبل أن يبدأوا بالتساقط من الجو في مشهد مؤلم.

السوفييت تركوا في أفغانستان نظاماً مستقرّاً نسبياً وموالياً لهم، ولم تسقط حكومة محمد نجيب الله إلا بعد أربع سنوات كاملة، حين أوقف الاتحاد السوفييتي في عهد ميخائيل غورباتشوف إمدادات السلاح لها، وقد اندلعت حرب أهلية طاحنة بين مجموعات ممن كانوا يعرفون بالمجاهدين الأفغان الذين سيطروا على البلاد بعد سقوط الحكومة الموالية للسوفييت.

لكن وبعد 20 عاماً من التدخل الأمريكي في أفغانستان لضرب «القاعدة» وحركة طالبان، خرج الأمريكان من دون أن ينجحوا في بناء دولة مدنية قوية، لتطغى على المشهد الصورة النمطية لأفغانستان التي وصفها الرئيس الأمريكي جو بايدن في كلمة متلفزة بالقول: «ما نراه الآن يثبت أنه ما من قوة عسكرية يمكنها تغيير الأحداث في أفغانستان المعروفة بأنها مقبرة الغزاة». 

فهل تنتقل أفغانستان إلى دولة مستقرة، أم أنها ستنتظر غازياً جديداً لتقهره؟

Email