الفلسطيني سعدالله.. نسيج نصف قرن على النول

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدأ السبعيني الفلسطيني سعد الله الزنط نهاره مغموراً بأكوام الصوف والسجاد، ومنحنياً مع إبرة الحياكة، معتبراً أن عمله في مهنة التنجيد اليدوي سرق منه أجمل سنوات عمره، فهو لا يقوى على ممارسة أي نشاط ترفيهي بعد العمل الذي يستمر حتى ساعة متأخرة من الليل، ولا يعرف سوى البحر في يوم إجازته، كي يغسل همومه فيه.

في ضاحية النصر بمدينة غزة، يزخر مشغل الزنط، بأدوات عمل قديمة، غير أن معينها لا ينضب، فيستحضر أصالة مهنة التنجيد اليدوية والمعروفة عند الفلسطينيين بـ«النول» ويصورها قيماً سامية تعبق بإرث تاريخ مجيد، مشدداً على أنه لا يفكر بالتقاعد، ولا يرغب في التخلي عن هذه المهنة بعد أن أمضى في مزاولتها ما يقارب النصف قرن.

يقول الزنط إنه لا يكل ولا يمل من دعم التراث الفلسطيني، وأنه مع كل غرزة ينسجها بيديه، يستحضر معها ذكريات وأجواء عاشها في سنوات الطفولة، ما يدعوه إلى محاكاة ذلك الزمن، الذي نشأ فيه على هذه المهنة، بكل ما أوتي من تفان وعبق، مبيناً أنه يحقق من خلال عمله أقصى درجات التواصل مع الزمن الجميل لمهنة نسج السجاد، ورد ولو شيئاً بسيطاً لما أبدعته أيدي الآباء والأجداد، بجهد بسيط، يعكس بساطتهم وروحهم المتسامحة الطيبة.

مهارة التنجيد

يروي سعد الله أنه عمل في هذه المهنة منذ أن بلغ الـ25 من عمره، وأنه اكتسب مهارة التنجيد اليدوي من جدته لأبيه، التي كانت تصطحبه معها أثناء عملها. يقول: «جدتي التي رحلت عن 86 عاماً، كانت تعلمت النسيج على النول اليدوي من والدها، وهي بدورها علمت أولادها وأحفادها». ويبين «أبو محمد» أن آلة النول التي يعمل عليها، نهضت عليها عائلة الزنط بأكملها، مفاخراً بأن بلدة المجدل الفلسطينية المهجرة، التي تنحدر منها عائلته، كانت تشكل المدينة الصناعية التي تغطي احتياجات مدن وقرى فلسطين كافة، قبل عام 1948، فضلاً عما اشتهرت به في مجال صناعة البسط والسجاد والزي المدرسي وملابس العيد والأفراح والتنجيد.

يستكمل حديثه، مستذكراً بعض المفارقات والحوادث الطريفة التي صادفت عمله: «وجدت في إحدى المرات، أوراقاً نقية قديمة داخل فرشة، وأعدتها إلى أصحابها، حيث تبين أن تلك العملة انتهى التعامل معها منذ زمن، ولم تعد تساوي شيئاً».

Email