اللبنانيون والـ«ألو».. وداع إلى حين

ت + ت - الحجم الطبيعي

في 17 أكتوبر 2019، اهتز لبنان، وترنّحت حكومته، بل الدولة بكلّ أركانها، بفعْل الغضب الشعبي الذي قرّر توجيه صرخته في وجه السلطة، رفضاً لفرْض ضرائب جديدة على اللبنانيّين. يومها، كان قرار فرْض رسْم على «واتساب» بمثابة الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات تحت راية «ثورة 17 أكتوبر»، وهي التي صُنِّفت كأكبر ثورة عرفها البلد في تاريخه القديم والمعاصر، إذْ جمعت تحت لوائها أطياف الشعب اللبناني كلّها دون استثناء، متجاوزة حدود المناطق والطوائف والمذاهب التي لطالما باعدت بين اللبنانيّين. وفي المحصّلة، حرقت شرارة الـ«واتساب» حكومة الوحدة الوطنية، ما أدّى إلى إعلان رئيسها سعد الحريري استقالتها في 28 أكتوبر من العام ذاته، رامياً كرة النار في ملعب معرقلي اقتراحات الحلول للخروج من الأزمة، ومضى.

وبعد نحو سنتيْن و9 أشهر على إسقاط الـ6 سنتات على «واتساب»، والذي أدّى إلى اندلاع «ثورة 17 أكتوبر»، شهد لبنان، اليوم الجمعة، بدْء استيفاء فواتير الخليوي، العائدة لشركتَي «ألفا» و«تاتش»، وفق التسعيرة الجديدة التي حدّدتها وزارة الاتصالات، في خطوة وصفتها بـ«الإلزاميّة» لعدم انهيار القطاع. أمّا على المقلب الآخر من الصورة، فأضافت هذه الخطوة عبئاً جديداً على الأعباء المادية التي باتت تفوق قدرة الناس على التأقلم والصمود، خصوصاً في ظلّ التخبّط الرسمي إزاء سبل الخروج من الأزمة، وعلت صرخات كلّ مَن يئنّ تحت عجز مواجهة الحياة اليوميّة «صفْر اليدين»، وكلّ رصيده صور وفيديوهات ذلّ، يعاينها العالم بعيْن الشفقة!

وما بين المشهديْن، وفي وقت بدا أنّ قرار زيادة التعرفة، وفق منصّة صيْرفة، سيسلك طريقه من دون اعتراضات تُذكر، باستثناء مؤتمر صحافي يتيم دعا إلى تجديد «ثورة 17 أكتوبر» التي انطلقت على خلفيّة محاولة رفض رسْم على خدمة الـ«واتساب»، مع ما يعنيه الأمر من كوْن هذه الزيادة «ستجعل الكلّ يخضع، ويا اتصالات ما يهزّك دولار»، وفق تعبير الشابّة ليال لـ«البيان»، تردّدت معلومات مفادها أنّ جهات سياسيّة وحزبيّة ستتصدّر واجهة الدعوات للتظاهر، رفضاً لما يجري، وتحت شعار أوجاع الناس، وذلك في مفارقة تتمثل بكوْن هذه الجهات هي نفسها التي «داست» على هذه الأوجاع، عندما تصدّت لـ«ثورة 17 أكتوبر»، وفقأت عيون شبابها بالرصاص الحيّ. أمّا الثابت الوحيد ما بين المشهديْن، فيتمثل بـ3 عناوين: منظومة «تتخانق»، «طوابير الوجع» توحّد اللبنانيين، و«المشهد مخزٍ ومعيب»، تماماً كانتظار اللبنانيين الهالك أمام محطات الوقود والأفران والصيدليّات والمستشفيات وكلّ ما يمتّ إلى متطلبّات العيش بصلة.

وما بين المشهديْن أيضاً، سلطة حاكمة لا تزال تراقب مشهديّة الذل والقهر التي يعايشها اللبنانيّون على قارعة الطرق، توسّلاً لكلّ شيء، من دون أن يرفّ لها جفن إزاء ما أوصلت إليه البلاد من تصحّر في كلّ منابع الطاقة والحياة، إذْ كلّ قطاعات البلد تتهاوى كأحجار «الدومينو»، والناس تتساقط كـ«البيادق» على لوحة «شطرنج» السلطة.. أمّا المؤشّرات الداخلية والخارجية كلّها، فتؤكّد أنّ «الآتي أعظم»!

وهكذا، وسط التخبّط السياسي المخيف، استفاق اللبنانيّون، اليوم الجمعة، على فوْرة الغلاء في قطاع الاتصالات، والتي رفعت التعرفة نحو 4 أضعاف، ولسان حالهم يسأل: هل سنعتاد عليها، أم نعتمد نظام «التقنين» في اتصالاتنا وتواصلنا مع الآخرين، أم نودّع الـ«ألو» بعد حين؟.. وما بين مضامين هذه الأسئلة، يتحضّر اللبنانيّون لأكبر ضربة موجعة في تاريخ بلدهم، بتوقيتها الخاطئ، مع ما يعنيه الأمر من العودة إلى زمن «الرسائل القصيرة» ومن إلغاء الـ«واي فاي» من المنازل وغيرها من الخطوات «لزوم التقشّف»، وربّما «تندلع ثورة 1 يوليو»، وفق تعبير الطالب الجامعي زياد. وذلك، من دون أن يخلو المشهد، كالمعتاد، من إطلاق النِكات المرتبطة بما يجري، والتي من وحيها استذكر الكثيرون الفنان اللبناني الراحل وسيم طبّارة الذي وضع، في ثمانينيات القرن الماضي، عنواناً لإحدى مسرحياته «اضحكوا قبل ما يغلا الضحك»، إذْ كتبت إحداهنّ على صفحتها في «فيسبوك»:«لو كان وسيم اليوم موجوداً، لكان ربما عنون مسرحيته الجديدة: اضحكوا قبل ما يغلا كلّ شي».

Email