خلال جلسة حوارية في «مساحتكم عبر البيان »:

الأمن الإنساني وحقوق الإنسان شراكة تكاملية لحفظ الحقوق وتعزيز التنمية

ت + ت - الحجم الطبيعي
أكد خبراء وحقوقيون خليجيون وعرب أن حقوق الإنسان والأمن الإنساني عملية تكاملية تشارك فيها كافة قطاعات الدولة والمجتمع لبناء شراكة فاعلة توازن بين الحقوق والواجبات بالنسبة للدولة والأفراد.
 
وضرورة تعزيز الحوار المجتمعي للتوعية بحقوق الإنسان والأمن الإنساني، وسلط المشاركون في الجلسة الحوارية في «مساحتكم عبر البيان» على تويتر، الضوء على الجانب الاستغلالي الذي يتعرض له ملف حقوق الإنسان عبر تسييس هذا الملف وتوجيهه للنيل من الدول العربية، ودعوا إلى البناء على المنجزات التي تحققت وإغلاق الباب أمام أي متربص لا يريد الخير لهذه الأمة في النهوض والتنمية والازدهار.
 
 
أدارت الجلسة الحوارية الإعلامية سحر الميزاري، من «الشرق للأخبار» واقتصاد الشرق من «بلومبرغ»، حيث استهلت الجلسة بتوجيه الشكر إلى الأستاذة منى بوسمرة، رئيس التحرير المسؤول لصحيفة «البيان»، على إتاحتها الفرصة لهذه المساحة. كما طرحت الميزاري الأسئلة المحورية حول مصطلح الأمن الإنساني وحقوق الإنسان.
 
عملية تكاملية
من الإمارات، تحدث محمد سالم بن ضويعن الكعبي، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لحقوق الإنسان، حيث علق على التوظيف السلبي لحقوق الإنسان من بعض الجهات ضد الدول العربية. وقال الكعبي إن حقوق الإنسان مبنية على كلمتين، هما الكرامة والإنسانية. وحول أيهما يقود الآخر، الأمن أم الحقوق؟ أكد الكعبي: «مهمة الأمم المتحدة والاتفاقيات العالمية هي صياغة معايير حفظ السلم والأمن الدولي.
 
بتصوري الأمن الإنساني وحقوق الإنسان مكملان لبعضهما بشدة، لأنه إذا تحدثنا عن أفراد الشرطة وتنفيذ القانون في أي دولة، هم عماد الضبط القضائي قبل وقوع الجريمة، وكذلك عماد سلطة الضبط القضائي بعد وقوع الجريمة وملاحقة الجناة. بالتالي، لا يمكن الفصل بين حقوق الإنسان والأمن الإنساني».
 
وأكد الكعبي أنه رغم التباس التمييز بين المفهومين، فإنه في الإمارات لا يوجد مثل هذا الالتباس في التكامل بين الأمن الإنساني وحقوق الإنسان، فالأمن جدار حماية لحقوق الإنسان.
 
البناء على الإيجابيات
ومن سلطنة عمان، تحدث د. راشد بن حمد البلوشي، الرئيس السابق للهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي.
والذي أكد أن هناك اختلافاً في النشأة بين المفهومين، فحقوق الإنسان، كمفهوم، بدأ بالظهور منذ القرن السابع عشر، ثم تمأسس عالمياً عبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أما الأمن الإنساني فهو حديث بالنسبة لعلم القانون، وقد ظهر كمفهوم مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 1994. لكن كليهما وجهان لعملة واحدة، وبالتالي يعملان معاً ويقومان على دعائم مشتركة لحماية الإنسان وفق الضوابط القانونية.
 
وأكد د. راشد بن حمد البلوشي، أن الأمن الإنساني يقوم على ثلاث ركائز: الأمن والتنمية وحقوق الإنسان، بالتالي حقوق الإنسان جزء من الأمن الإنساني بمعناه الأوسع. وإذا عدنا إلى الأمن الإنساني وفق وثائق الأمم المتحدة نجد أنه يعني توفير الغذاء وتوفير الأمن. إذاً، لدينا ركيزتان: الأمن ومكافحة الفقر أو العوز.
 
لذلك حين نرجع إلى عمق ثقافتنا العربية والإسلامية، نجد الآية الكريمة «الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» (سورة قريش - الآية 4) تلخص الأمن الإنساني الذي نتحدث عنه اليوم.
 
وأضاف البلوشي أنه يجب أن نركز على ما هو موجود من إيجابيات ونطورها في العالم العربي، ويقع على عاتق الدول العربية تشجيع الحوار، يجب أن نشجع الحوار من خلال الشباب وتمكين المرأة ومكافحة الفساد وتعزيز التماسك الاجتماعي. وسلط الضوء على نموذج نجاح فيتنام في الربط بين التنمية وحقوق الإنسان.
 
وشدد البلوشي على أن ثقافة حقوق الإنسان يجب ألا تكون مقتصرة على النخبة الحقوقية فقط، بل يجب أن تكون موضوعاً في متناول عامة الناس وكافة فئات المجتمع والدولة، لأن العمل تكاملي في مسؤولية المحافظة على حقوق الإنسان وتطويرها في مجتمعاتنا.
 
حقوق وواجبات
 من الأردن، ركز أمجد شموط، الرئيس السابق للجنة العربية بجامعة الدول العربية، في مداخلته على التوعية بالحقوق والواجبات. وأكد على أنه حين تقوم أي دولة بتوقيع اتفاقية متعلقة بحقوق الإنسان، يجب عليها نشرها والتعريف بها للمجتمع.
أحياناً تنضم الدول إلى اتفاقيات بدون التعريف بها، وهذا ما يخلق فجوة بين مضمون الالتزام وبين الوعي المجتمعي. هنا يمكن أن تشارك الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في التوعية بهذه الاتفاقيات والحقوق والواجبات.
وأضاف شموط أن الدول العربية متفاوتة في مسألة التوعية، فبعض الدول لديها استراتيجية في بناء التوعية وتعزيز الحقوق، ولديها أكثر من محور لتنفيذ استراتيجية متكاملة، وهذا يتعلق بالإرادة السياسية ومدى تفاعلها مع ملف حقوق الإنسان وأيضاً هناك مسألة الموارد المالية للنشر والتعريف والتدريب.
 
وأوضح أن هناك استراتيجية عربية تم إقرارها مؤخراً على 3 محاور: التوعية وبناء القدرات وتعزيز آليات الحماية.
 
وتطرق أبو شموط إلى تجارب عربية في آليات دعم حقوق الإنسان، من بينها المرصد العربي لحقوق الإنسان، والمحكمة العربية لحقوق الإنسان التي انطلقت من البحرين.
 
وتطرق إلى الابتزاز السياسي باسم حقوق الإنسان وازدواجية المعايير ضد الدول العربية، داعياً إلى العمل سوياً لرفع الكفاءة العربية الحقوقية لتفويت الفرصة أمام كل من تسول له نفسه التدخل في الشؤون العربية.
 
3 مجموعات
ومن السودان، قال أبو ذر المنا، خبير حقوق الإنسان بالأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، إن هناك ثلاث مجموعات تصنع السياسة الحقوقية في العالم:
الأولى: المجتمع الدولي، ويضم الدول المؤسسة للنظام القانوني.
الثانية: منظمات الأمم المتحدة القائمة على البروتوكولات المتعلقة بالحقوق.
 
الثالثة: مجموعة الناشطين، المدفوعين بالرغبة للدفاع عن حقوق الإنسان. وهناك بينهم أيضاً ناشطون سياسيون يختبئون وراء حقوق الإنسان وهؤلاء يخدمون أجندات سياسية محددة.
 
ودعا الخبير السوداني إلى ترقية الوعي العربي بحقوق الإنسان. وواحدة من المسؤوليات الأساسية على كافة الجهات هو تعريف المواطنين بواجباتهم وحقوقهم. هناك أسس محددة لممارسة الحق وفق القوانين، لكن الأشكال الفوضوية تؤدي إلى ملاحقة مثيري الفوضى عبر القوانين الجنائية وهي قوانين مشروعة وتقرها القوانين الدولية.
 
وأضاف: نحن بحاجة إلى استراتيجية عربية، لأن القانون الدولي ينص على ضرورة ألا تتعارض القوانين الحقوقية مع ثقافة وعقائد المجتمعات.
 
وهذه إشكالية يواجهها العرب بشكل خاص، على حد تعبيره، لأنه ليس لدينا دور فاعل في مطابخ صياغة الحقوق داخل اللجان المختلفة. لو تحدثنا عن «سيداو» هناك دول لديها ملاحظات عن مواد محددة بالأحوال الشخصية.
 
في كل الأحوال، هناك حدود لحقوق الإنسان، في حالات الطوارئ مثلاً، ويشار لها ببند في حقوق الإنسان في الطوارئ الاستثنائية، المقصود بها خطر يهدد حياة الأمة، وتعلنها الدولة بفرض تدابير تتضمن بعض القيود، لكن لا يصل إلى حد الحرمان التعسفي من الحياة الطبيعية.
 
الأمن أم الحقوق؟
ومن مصر، تحدث النائب طارق الخولي، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، عن العلاقة والحدود بين الأمن والحقوق. وأكد أن توضيح الحدود مسألة في غاية الأهمية في ظل تعرض بعض المفاهيم للخطف والتشويش، باستخدام مصطلحات براقة في ظاهرها، فإذا كانت الحرية هي الحياة فالأمن هو الوجود.
 
وسلط الضوء على «تجارب صعبة» مرت بها دول عربية، وعلى ضوئها أمكن استخلاص الدرس في أن الأمن يسبق حقوق الإنسان، لأنه في مجتمع غير مستقر وغير آمن لا فرصة لممارسة حقوق الإنسان، ولا يمكن ممارسة حق الاقتراع أيضاً. كيف يمكن لدولة أن تضمن حقوق الإنسان وهي لا تستطيع توفير وصول السكان لصناديق الاقتراع؟
 
وشدد الخولي على أنه لا يمكن تحقيق حقوق الإنسان بدون الأمن، متحدثاً عن ظاهرة «ثورة اللادولة» التي رافقت ما سمي بـ«الربيع العربي» وتفجر ثورات تحول الأوطان إلى أشباه دول. وتحدث بشكل خاص عن التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب وصون الحقوق «وهي تجربة واضحة في العلاقة بين الأمن وحقوق الإنسان».
 
وأردف: «مررنا بفترة كان فيها حكم جماعة الإخوان الإرهابية التي سعت لاختطاف الدولة المصرية تحت شعارات زائفة. بعد ذلك استطاعت الدولة المصرية وضع أولويات لمكافحة الإرهاب، حتى نستطيع الوصول إلى مرحلة يمكن فيها تطبيق حقوق الإنسان على وجه صحيح وبمنهجية صحيحة وسليمة». وقال الخولي إن هناك تسييساً لحقوق الإنسان على المستوى العالمي. هناك ازدواجية معايير صارخة في ملف حقوق الإنسان تجاه العرب خاصة. وهو ما يضع شكوكاً قوية حول حقيقة أهداف الجهات التي ترفع شعارات حقوق الإنسان.
 
المجتمع الدولي والمنظمات
من اليمن، أكدت د. وسام أبو بكر باسندوه، رئيس الائتلاف اليمني للنساء المستقلات، أن حقوق الإنسان تتعرض لتسييس مجحف تجاه بعض الدول، ولم تعد تستهدف صون حقوق الإنسان.
 
وأضافت: هناك إشكالية في التعامل بين المجتمع الدولي والمنظمات، وبات يتم استغلالها ضد الدول، ومن هنا جاءت الإشكالية. وعبرت عن أسفها لأن العديد من ممثلي المجتمع المدني في العالم والمنطقة خضعوا لتدريبات لم يكن الهدف منها دعم حقوق الإنسان، وتحول العديد من هؤلاء إلى رأس حربة ضد دولهم، وكأنهم في حالة حرب على الدولة.
 
وكأن حقوق الإنسان يجب أن تسقط الدولة الوطنية العربية، كل هذا لأن الجهات الممولة للتدريب على ثقافة حقوق الإنسان عبر منظمات المجتمع المدني الممولة خارجياً يتم من خلال منظمات دولية مخترقة. بعد 2011، سادت الفوضى السياسية في المنطقة وهذه الفوضى طعنت في كل من الأمن وحقوق الإنسان. وتحدثت باسندوه في هذا الإطار عن التجربة اليمنية حيث قالت إن عقلية العديد من الناشطين مغتربة عن الواقع اليمني.
 
وقالت إن تدمير الدول لن يقود إلى حقوق الإنسان. الأمن الإنساني ليس فقط أمن سياسي، بل جميع مستويات الأمن. واختتمت مداخلتها بالقول إن هناك حاجة إلى استراتيجية عربية شاملة في مجال التوعية، وعملية التدريب، تكون ضمن استراتيجية موحدة تتبناها جامعة الدول العربية.
 
موازنة بين الحقوق والواجبات
من البحرين، تطرق عيسى العربي، رئيس الاتحاد العربي لحقوق الإنسان، إلى حقوق وواجبات المواطن وهل هناك توعية كافية حول الواجبات؟
 
وتحدث العربي عن مصدر الأمن الإنساني كمفهوم في السياق الحقوقي العالمي، فنظريات الأمن على مستوى البشرية تطورت من الأمن الذاتي والمجتمعي إلى الوطني إلى القومي، لكن المتغير الكبير الرئيسي في تسريع التغيير تمثل في الحرب العالمية الثانية، عبر منظومة الأمم المتحدة، وأكدت هذه المنظومة أنه إذا اختلت الحقوق اختلت معادلة السلم والأمن الدولي.
 
وتطور مفهوم حقوق الإنسان على مدى أكثر من سبعين سنة، وجزء من هذا التطور هو البناء التشريعي والتنظيمي والقيمي لحقوق الإنسان.
 
جاء مفهوم حقوق الإنسان وفق نظرية الحقوق، والعديد من الدول كانت تراها جزءاً من أدوات انتقاص السيادة. المفترق الرئيسي جاء مع إعلان فيينا عام 1993، اجتمع العالم كله من أجل تأسيس منظومة حقوقية جديدة بعيدة عن التأزيم، ومنها انطلقت الأمم المتحدة نحو خطط التنمية المستدامة، ومنها انبثق مفهوم الأمن الإنساني. لا يمكن أن تستقر الدول ما لم تتم تلبية هذه الجوانب، وأي إخلال فيها تختل منظومة الأمن برمتها.
 
بالتالي، وفق عيسى العربي، تحرص الدول على تعزيز الأمن الإنساني في معادلة تكاملية بين الدول والأفراد والمنظمات بحيث تلتقي كافة المساعي في تحقيق التنمية المستدامة، ومن المهم الارتقاء بالتعاون إلى خلق شراكة بين كافة الشرائح للوصول إلى التنمية المستدامة وحقوق الإنسان والأمن الإنساني.
 
 
Email