العواصف الترابية في العراق.. حين تنطبق الأرض على السماء!

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك مَثل شائع يقول «لو انطبقت السماء على الأرض لن يحصل هذا الشيء»، كتعبير عن المستحيل، ولم يرد في الأمثال «لو انطبقت الأرض على السماء»، إلا أن هذا حصل بالفعل في العراق، وإلى حد ما في دول مجاورة أخرى. وفيما كانت السلطات العراقية تتهم دولاً مجاورة بتصدير العواصف الترابية إليها، أوضحت الدراسات البيئية، عدم وجود «مؤامرة»، وأن الأراضي العراقية هي بؤرة العواصف المدمّرة الأخيرة، التي جرى «تصدير» بعضها إلى الجوار.

العراق شهد لأول مرة في التاريخ الحديث، ظاهرة «انطباق الأرض على السماء»، وتحولها إلى اللون الأحمر أو البني، فجاء ارتدادها المتتالي أشد قسوة على السكان من الوباء، فامتلأت المستشفيات بحالات الاختناق، وأغلقت الطرق والمنافذ، وأصبح الوصول إلى المراكز الطبية صعباً، كما صدرت توصيات إلى العراقيين بعدم الخروج من بيوتهم «التي يخترقها الغبار»، والتي تنعدم فيها الكهرباء، بحيث لا تعمل أجهزة التهوية أو التكييف.

معيشة لا تصدق

يقول المحلل السياسي زيد الزبيدي لـ«البيان»، إن من الصعب التصديق بإمكانية العيش في ظروف كالتي نمر بها. ويضيف، إن كل الأعذار التي تسوّقها الأجهزة الحكومية والإعلامية المرتبطة بها، باتت «ممجوجة» لدى العراقيين، لكثرة تكرارها زهاء عقدين من الزمان، ومن بينها إلقاء مسؤولية الجفاف والتصحر على دول الجوار، يقابلها الحديث عن السيول المائية القادمة من الخارج، في مواسم محدّدة، فتغرق القرى والبلدات، وتصل أحياناً إلى حدود بغداد، من دون تحريك ساكن لإنشاء سدود ومخازن مائية على نهري دجلة والفرات، سوى إطلاق التصريحات والوعود والتحدث عن خطط مستقبلية سرابية.

وفي السياق، يوضح الخبير البيئي صباح محسن اللامي، أن عقدة إنشاء سدود وخزانات مائية، أصبحت مزمنة، بسبب سوء التخطيط وانتشار آفة الفساد، ما جعل العراق «يستجدي» حصته المائية من دول المصب، من دون الحصول على استحقاقه، في وقت تؤكد وزارة الموارد المائية، أن لدينا من السدود ما يغطي حاجة البلاد، لو تم استغلالها بالشكل الصحيح.

ويوضح اللامي لـ«البيان»، أن «سدودنا وخزاناتنا المائية الحالية، تعمل بأقل من نصف طاقتها، بسبب تراكم الغرين في طبقاتها السفلى، وعدم إجراء عمليات كري وتنظيف فيها، وفي مصادر تغذيتها منذ أكثر من عقدين، رغم اعتراف الوزارة المتخصصة بهذا الواقع».

ويضيف إن بحيرات الثرثار والحبانية وحديثة والرزازة ودوكان والموصل، وغيرها، لم تشهد أي تنظيف لروافدها، بل على العكس، أدى الحفر العشوائي للآبار في محيط بحيرة ساوة الصحراوية، إلى تجفيفها، وكانت صامدة بمستواها المرتفع عن سطح الأرض «وهي ظاهرة فريدة في العالم»، يزيد عمرها على عشرات العقود، حتى أنها لم تشهد سوى فيضان واحد قبل أكثر من 1400 سنة.

 

مافيات التصحر

من جانبه، وصف وزير البيئة العراقي جاسم الفلاحي الوضع، بالمؤشر الخطير، وقال إن زيادة شدة العواصف الرملية يرتبط بازدياد معدلات التصحر وتقلص الأراضي الزراعية وشح المياه والاعتداءات الجائرة على المناطق الخضراء.

وأوضح أن تغير المناخ الذي يعتبره بعض المسؤولين والوزراء «كذبة»، هو حقيقة تؤثر بشكل كبير على العراق والعالم، مؤكداً أن العراق من أكثر دول العالم تأثّراً بهذه التغيرات.

وأكد الفلاحي أن البيئة العراقية معرضة لمخاطر حقيقية، تستدعي الاهتمام والنظر من قبل الحكومة، وكشف عن أن السنوات المقبلة قد تشهد 106 أيام مغبرة في العام الواحد، متهماً «مافيات»، باعتداءاتٍ جائرة على الأحزمة الخضراء في المدن، وتحويل الأراضي الزراعية والأحزمة الخضراء إلى أحياء سكنية أو مشاريع تجارية.

ويؤكد مدير عام هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي، عامر الجابري، أن السبب الرئيس للعواصف الترابية الأخيرة هو تفاقم حالة التصحر في البلاد، ووجود صعوبات وتحديات تواجه تنفيذ «مشروع مكافحة التصحر»، وإيجاد أكبر عدد من الغابات والمسطحات المائية، مشيراً إلى أن وزارتي الزراعة والموارد المائية تشكوان من قلة المخصصات المالية، وكميات المياه المحدّدة من قبل الموارد المائية، مؤكداً أن المشروع كبير وبحاجة إلى دراسة استراتيجية، إذ ليس من السهل بناء مشروع كبير في هذه المرحلة، ومن المفترض أن تكون هناك خطوات ابتدائية ووجود مشاريع آنية واستباقية، وبشكل عام هناك حاجة إلى أكبر عدد من الغابات في جميع المحافظات.

أسباب طبيعية وبشرية

ويعتبر الجابري، «التغيرات المناخية، تغيرات عالمية، والبعض منها نتيجة عمل الإنسان». ويقول إن العواصف الترابية لا يمكن التنبؤ بها، وما يتم توقعه يجري عن طريق قراءة حالة طقس العراق، وبخاصة خلال الشهرين الرابع والخامس من كل عام، واللذين يبدأ فيهما نشاط المنخفضات والمرتفعات الجوية الموسمية التي تحمل معها كتلاً هوائية دافئة مع الغبار وتساعد على ارتفاع درجات الحرارة، فيما يتم تحديد العواصف عن طريق التوقعات قبل 48 ساعة لغرض الدقة، بسبب التقلبات الجوية.

ويتحدث الخبير الزراعي «أبو مسرّة» لـ«البيان» عمّا يسميها «أكذوبة» الأحزمة الخضراء، حيث ابتدأ المشروع «نظرياً» في تسعينيات القرن الماضي، ولما كانت الأوضاع المالية غير ملائمة لتنفيذ مثل هذا المشروع، في ظل ظروف الحصار، فقد أصدرت الحكومة توجيهات بإلزام كل بيت في منطقة بزراعة نخلة في بيته، كما منحت كل الدور المحاذية لمشروع الحزام، حق استخدام أرض بعمق 10 أمتار، لأغراض زراعة حدائق خلفية فيها، وبالفعل انتشرت الحدائق البيتية وعمليات التشجير بكثرة، لاسيما عند الحدود البلدية للعاصمة، إلا أن الانفلات الأمني والإداري بعد أبريل 2003، دفع أصحاب تلك الحدائق إلى استخدامها في البناء، وكان ذلك في نظرهم أفضل من تركها «للعشوائيات»، ولحد الآن لم تشهد أي مدينة عراقية عمليات تشجير، بل العكس أصبح سائداً، من خلال تجريف وحرق الأراضي المزروعة، وعرضها للبيع كأراضٍ سكنية، على رغم أنف القانون، ما دام الفاعلون لهم إسناد من بعض المسؤولين أو الميليشيات.

حقوق منتهكة

من جانبه، يقول رئيس منظمة حقوق الإنسان في العراق، المحامي حسن شعبان، إن الإهمال المتراكم للوضع البيئي، يعد من أسوأ أشكال انتهاك حقوق الإنسان. ويضيف في حديث لـ«البيان»، قبل أن نلقي اللوم على الدول المجاورة، وهي تستحق إجراءات أكثر من ذلك بكثير، ينبغي أن نحاسب أنفسنا أولاً، وأن تقف السلطات ضد السرقات المحلية لمياه الأنهار والمسطحات، من خلال شق جداول تسحب المياه إلى مزارع خاصة كبيرة، ومزارع أسماك، تعود إلى هذه الجهة أو الشخصية أو تلك، وقد وجهنا، على سبيل المثال، مذكرات إلى الجهات الرسمية حول فقدان الكثير من مياه نهري دجلة والفرات، نتيجة الاستخدام العشوائي.

وتطرق شعبان إلى معضلة أخرى تتعلق بالزراعة والتصحر، وهي انقطاع أو انعدام الكهرباء، حيث من غير الممكن ري المزروعات من دون أجهزة كهربائية لسحب وتوزيع الماء، وهي حتى لو توفرت، فإن من الصعب الحصول على الوقود اللازم لتشغيلها.

وأكد أن «مشكلة شحة المياه تحتاج اليوم إلى الحلول الجدية الحقيقية والسريعة، الأمر الذي يعزز بناء تنمية مستدامة في العراق، فضلاً عن حاجة البلد إلى خطط وبرامج مستقبلية للقضاء على مشكلة التصحر، وهذا ما يتطلب رسم وتنفيذ خطوات مدروسة ووضع حلول مستقبلية لحماية وتحسين بيئة العراق»، لافتاً إلى أن ذلك يجب أن يقع على عاتق جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني التي تسهم بنحو فاعل في حماية البيئة، والتذكير بأهمية مكافحة التصحر وفي نشر الوعي البيئي للمواطن العراقي الذي من حقه أن ينعم ببيئة نظيفة صحية، وليكن شعارنا دائماً هو لتتضافر كل الجهود لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي.

ويكشف رئيس منظمة حقوق الإنسان عن إحصائيات دولية، تفيد بأن نسبة تصحر «الأراضي المروية» في العراق بلغت 71%، بينما في سوريا 17%، وفي تركيا 13%، وفي لبنان 7%، ما يعني أن العراق هو الأكثر فقداناً لأراضيه الزراعية.

Email