لبنان: «وجهاً لوجه» أمام «ثورة جياع»

ت + ت - الحجم الطبيعي

على وقع تسارع اشتعال «بارود» الدولار في السوق السوداء، مطيحاً بما تبقّى من قدرة شرائيّة لدى المواطنين وقدرة تشغيليّة لدى مختلف القطاعات والمؤسّسات، وفي ظلّ انسداد الأفق السياسي والخوف من الدخول في فراغ دستوري شامل نتيجة انسحاب الانقسام السياسي، الذي كان سائداً قبل الانتخابات النيابيّة، على الواقع الراهن، دخل لبنان عمليّاً مدار الارتطام بقعر الانهيار، واقترب فتيل القنبلة الاجتماعيّة من لحظة الانفجار المعيشي المدوّي. أمّا المفارقة اللافتة، فتتمثل بكوْن بعض الأوساط بدأ يتوقع عودة «الثورة» بمساريْن هذه المرّة: مسار «ثورة من الداخل»، مع تفعيل عمل مجموعة النوّاب التغييريين المنتخَبين إلى المجموعات السياديّة والمعارِضة الأخرى، بدءاً من جلسة الثلاثاء المقبل للبرلمان المنتخَب، ومسار «ثورة من الخارج»، مع عودة ملامح تحريك الشارع أمام القلق المتّسع من المرحلة المتقدّمة للانهيار المتدحرج.

أطبّاء ومستشفيات، محامون وأصحاب أفران، موظفون وسائقون عموميّون، صيادلة ومودعون، وكلّ ألوان الوجع اللبناني، بعثوا من ساحات مختلفة صرخة ألم رمزيّة عمّا يختزنه الوطن من مآسٍ يوميّة. والرابط بين كلّ الأزمات، دولار «فخّخ» كلّ القطاعات، وأحرق العملة الوطنيّة، ويكاد يحرق البلد كلّه.. وهكذا، بدأ المشهد اللبناني فصلاً دراماتيكيّاً جديداً من انعدام التوازن والاستقرار الأهلي، لاحت طلائعه الميدانيّة خلال الساعات الأخيرة عبر تدحرج كرة تحرّكات احتجاجيّة على الأرض، ما أنذر بدخول البلد في مرحلة سوداويّة متلاطمة المصائب، حياتياً وغذائياً واجتماعياً واقتصادياً وصحياً، إذْ تعالت الصرخات والتحذيرات، بدءاً من المواطنين وأصحاب الأفران، مروراً بالمستشفيات والأطبّاء والممرّضين، ووصولاً إلى السائقين العموميّين ومحطّات الوقود. وتحت وطأة الجوع والعوز، تداعى الجميع إلى قطع الطرق في بيروت والمناطق. أمّا على المقلب الآخر من الصورة، فسلطة «غائبة عن السمع»، لا تحرّك ساكناً لتخفيف معاناة اللبنانيّين، بل تبدو أشبه بـ«مجرم» يتلذّذ بعذابات ضحاياه!

وفيما معظم القطاعات الخدماتيّة في البلد، إنْ لم نقلْ كلّها، معطّلة قسراً بفعْل غياب الدعم وفي ظلّ الارتفاع الجنوني لأسعار السلع، من القطاع الطبّي والاستشفائي الذي رفع صوته من أمام مصرف لبنان، إلى قطاع الأفران ورغيف الفقير، إلى قطاع الاتصالات، مروراً بالمياه وانعدام الكهرباء، وصولاً إلى السائقين العموميّين الذين تنقّلوا بين شارع وآخر قاطعين الطرق، حتى صار السؤال الأصحّ: هل بقي قطاع واحد منتج في لبنان؟، تعدّدت الاحتجاجات، والصرخة واحدة، لأنّ المعاناة لا تتغيّر والوجع هو هو، في حين لاحت في الأفق مؤشرات إلى «ثورة جيّاع» وانفجار اجتماعي، نتيجة تفاقم الأزمات المعيشيّة التي تتحرّك على وقع الدولار الذي تجاوز 38 ألف ليرة. وعليه، فإنّ ثمّة إجماعاً على أنّ الانهيار الذي يتواصل في لبنان منذ أكثر من عاميْن لم يصل بعد إلى القعر، ولكن مع تسارع وتيرة ارتفاع الدولار ستزداد سرعة الانهيار، وخصوصاً أنّ أكثر من 60 % ممّن يقبضون رواتبهم بالليرة اللبنانيّة باتوا ما دون خطّ الفقر، ولا أحد يكترث.

Email