لبنان في قلب العاصفة.. حلة بيضاء وظروف سوداء

ت + ت - الحجم الطبيعي

بحواجزها البيضاء، قطعت العاصفة القطبيّة «ياسمين» أوصال لبنان، وتدحرجت كرة ثلجها من المرتفعات حتى لامست في بعض المناطق حدّ الساحل، فكان الخير الجزيل الذي نظر إليه اللبنانيّون ببشارة أمل أيّام القحْط. أمّا على المقلب الآخر من الصورة، فتدثر اللبنانيّون لمواجهة الصقيع، حيث لا بديل مع غلاء الغاز والمازوت وانعدام الكهرباء وصعوبة إيجاد وسائل التدفئة، فيما عملت وزارة الأشغال العامّة، ومعها البلديات والجهات المحليّة، بما أوتيت من إمكانات لفتح الطرقات والوصول إلى المناطق المعزولة عند المرتفعات.

وكانت «ياسمين» اشتدّت على لبنان، بحراً وجبلاً وساحلاً، فرسمت حدوده بالأبيض، وهكذا، احتلّت «ياسمين» صدارة اهتمامات اللبنانيّين، وقد وجدوا أنفسهم مضطرّين إلى تنظيم حياتهم على إيقاع عاصفة عاتية، حملت معها الثلوج والصقيع، وأعادت التذكير بــ«طقوس» فصل الشتاء العائد بقوة إلى دولة منهارة تفتقد أدنى مقوّمات المواجهة، بدءاً من التدفئة المنعدمة إلا في بيوت الميسورين، في ظلّ انقطاع تامّ للكهرباء وارتفاع أسعار المحروقات، فأقفلت المدارس وبعض المحال أبوابها، لا سيّما في القرى الجبليّة والمتوسّطة، حيث تساقطت الثلوج على ارتفاع 400 متر وما دون، وقد لامست الشاطئ في بلدتَي عمشيت وجبيل، وتساقط البرَد بغزارة في العاصمة بيروت، وتدنّت درجة الحرارة إلى الصفر وبضع درجات تحته في البقاع وعلى المرتفعات. وفي المحصّلة، دخل اللبنانيّون في معركة من نوع آخر، ليس مع المنظومة السياسيّة، إنّما مع صقيع الطبيعة وجنرالها الأبيض.

وهكذا أيضاً، فإنّ نعمة العاصفة الثلجيّة الثالثة التي غمرت لبنان هذا الشتاء بكثافة كبيرة، والتي من شأنها تعويض الكثير من منسوب المياه الجوفيّة واستدراك أضرار التصحّر المزمن، سرعان ما انقلبت، مع قسوتها، نقمة واسعة على معظم اللبنانيّين. ذلك أنّ تداعيات الانهيار الاجتماعي برزت بكلّ معالمها الحادّة في القرى والمرتفعات، كما في المدن الساحليّة، مع الافتقار العارم إلى التدفئة ووسائل الوقاية من موجة صقيع قطبيّة، نادراً ما عرفها لبنان منذ سنوات طوال، وتدنّت معها الحرارة على الساحل والمرتفعات إلى نسب قياسيّة. وإذْ لامس بساط البرد والثلج، للمرّة الأولى، شاطئ «جبيل» و«عمشيت»، ولوْ لفترة قصيرة، فإن تساقط الثلوج على علو 400 متر في بعض المناطق أخرج العاصفة من إطار الترحيب بالنعمة، إلى التخوّف من تداعياتها متى طالت، والناس في افتقار إلى الكهرباء ومازوت التدفئة والغاز، وحتّى الحطب.

تزامناً، ووسط عمليّة بيْع المازوت في السوق السوداء خلال موجة الصقيع، انطلقت وعود التغذية الكهربائيّة وزيادتها «ساعتين بعد شهرين»، بفعل اتفاق الاستجرار الثلاثي اللبناني- الأردني- السوري، وهي مجرّد وعود هوائيّة حتى الآن، إذْ ثمّة إجماع داخلي على البوْن الشاسع بين الوعود والاتفاقات والتنفيذ العليل السقيم. ومن العموميات إلى الخصوصيّات، أقفل المشهد على صور نشرها الجيش اللبناني لعناصره، عبر صفحته على «فايسبوك»، وأرفقها بعبارة: «بيسألونا: بردانين؟.. أبداً، قلوبنا دفيانة بمحبّة شعبنا»!

Email