مبادرة عون الحوارية.. خطوات كبيرة إلى الوراء

على مرمى أيام من دخول العهد الحالي في لبنان أشهره التسعة الأخيرة، التي تنتهي 31 أكتوبر المقبل، انشغل الرئيس ميشال عون بالدعوة التي كان وجّهها أواخر العام الماضي لحوار عاجل، من أجل التفاهم على 3 مسائل، والعمل على إقرارها لاحقاً ضمن المؤسّسات، وهي اللامركزيّة الإداريّة والماليّة الموسّعة، والاستراتيجيّة الدفاعيّة لحماية لبنان، وخطّة التعافي المالي والاقتصادي، مع ما يعنيه الأمر من طرْح عناوين سياديّة وإشكاليّة، في محاولة لقلْب الطاولة في وجه حلفائه قبل الخصوم، وفي طليعتهم «حزب الله» الذي خصّه بـ«هزّة عصا» تجاه سلاحه، من خلال «نفْض الغبار» الرئاسي عن ملفّ الاستراتيجية الدفاعيّة وسحْبه من أدراج قصر بعبدا لإعادة إدراجه على طاولة «حوار عاجل».

وفيما لبنان بات واقفاً على شفير انفجار اجتماعي وشيك، بدأ فتيله يشتعل على الأرض بشكل ملموس، منذراً بقرب خروج الأمور عن السيطرة، دلّت المعطيات على أنّ مبادرة الرئيس عون الحواريّة متّجهة إلى الطيّ، لعدم توافر الإجماع على قبولها، إذْ بدا الانقسام حولها ملحوظاً، وخصوصاً أنّ الرافضين أو المستنكفين عن المشاركة فيها انطلقوا في مواقفهم من خلفيات داخلية تتصل بالنزاع السياسي السائد بينهم وبين عون والقوى الحليفة له. وبهذا المعنى، بدا واضحاً أنّ أكثريّة المؤيّدين للدعوة انحصروا بما كان يشكّل سابقاً «تحالف 8 آذار» فقط.

وإثر إصرار عون على إبقاء باب الدعوة إلى الحوار مفتوحاً، محمّلاً المقاطعين والرافضين «مسؤوليّة ما يترتّب على استمرار التعطيل»، ومتّهماً إياهم بالافتقار إلى «الحسّ الوطني»، أشارت المصادر المعارضة نفسها إلى أنّ مشاورات «الفريق الواحد» بشأن طاولة الحوار، في القصر الجمهوري في الأسبوع الماضي، خرجت بخلاصة وحيدة، مفادها تكريس عزلة العهد وشرذمة أكثريته الحاكمة، فكانت الصورة جليّة أمام أعيْن الداخل والخارج، ولفتت «البيان» إلى أنّ السلطة «أعجز» عن محاورة نفسها بنفسها، وإلى أنّ ما حصل على مستوى المشاورات عكس مستوى التشرذم في صفوف الأكثريّة الحاكمة، سواء عبر المقاطعة الجارفة لدعوة العهد من جانب معظم المكوّنات اللبنانيّة، أو حتى من خلال تمنّع بعض الحلفاء الاستراتيجيّين للعهد عن الاستجابة لهذه الدعوة، ومنهم رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، الذي جاهر بموقفه الرافض للمشاركة في «حوار الفريق الواحد»، لأنّه سيكون مجرّد «حوار للصورة» لا أكثر. علماً أنّ رئيس البرلمان نبيه برّي ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي عبّرا بوضوح عن أنّ مشاركة كلّ منهما في طاولة الحوار، في حال انعقادها، تنطلق من «الموقع الرئاسي، وليس السياسي»، في إشارة إلى أنّها مشاركة على مضض، لا عن قناعة بجدوى أيّ حوار يخوضه العهد في آخر أيامه.

وفي الانتظار، ضجّت القراءات السياسيّة بالإشارة إلى أنّ ما أحاط بالمبادرة الرئاسيّة، من انقسامات وتباينات في الرأي بين المكوّنات السياسيّة حيالها، كافٍ للتوقّع أنّ حوار بعبدا لن يُعقد، أو في أحسن الأحوال، إنْ تجاوز رئيس الجمهورية مقاطعة أطراف سياسيّة وازنة وأصرّ على عقده بمن حضر، فسيكون بمقام «نصف حوار»، يصعّب من الاصطفافات السياسيّة التي من شأنها أن تفتح معارك سياسيّة جديدة، من المؤكّد أنّ لبنان في غنى عن جبهاتها. وفي الانتظار أيضاً، فإنّ أحداً لا يمكنه التكهّن بخطوة رئيس الجمهورية التالية، وإنْ كان ثمّة من يرى أنّ المكتوب يُقرأ من عنوانه، ومفاده أنّ الدعوة الرئاسيّة دُفِنت في مهدها، على يد «أهل البيت الواحد». وما بين الخيارين، فإنّ ثمّة من يدعو إلى التأنّي، إذْ ما كان يصحّ في الدعوة السابقة لا يصحّ بالتأكيد عشيّة الانتخابات البرلمانية، وبعدها الرئاسيّة.