لبنان.. انتظار ثقيل وأزمة عميقة من دون أفق

فيما يستمر حزب الله في تعميق أزمة لبنان الداخلية والخارجية، في إطار مساعي قلْب موازين البلاد، أعادت المملكة العربية السعودية، رسم الخطوط العريضة للأزمة الراهنة، عبر التشديد على أنّ طبيعتها نابعة من فرْض حزب الله إرادته على الشعب اللبناني بالقوة العسكرية، وأنّ تحرير ‏لبنان من هيمنة حزب الله، مهمة ملقاة على عاتق الطبقة السياسية اللبنانية، دون سواها.

ومن بوابة هذا الترسيم، وتحت وطأة العجز الحكومي عن تطويق تداعيات الأزمة مع دول مجلس التعاون الخليجي، تعالت مجدداً الأصوات السيادية الرافضة لسياسة تركيع لبنان، ‏وإخضاع اللبنانيين لأجندة التعطيل، واستعداء العرب، فيما لا يزال رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، على تفاؤله بنجاح محاولات تدوير ‏الزوايا لإعادة إنعاش مجلس الوزراء.

ومع ضعف الرهانات، ضجّت القراءات السياسية بالإشارة إلى أنّ الأزمة الخانقة التي يتخبط فيها لبنان، ليست بين لبنان وعمْقه العربي، بل بين منطق الدولة، ولا منطق الدويلة، بينما سببها المباشر، أنّ الدولة المتراخية استسهلت منذ عام 2005، شراء سلْمها الأهلي وأمنها وعدالتها وعلاقاتها مع محيطها والعالم، من خلال التنازل لحزب الله، وصغّرت إمكاناتها، وكبّرت متطلباته، فخسرت كل مقوماتها، معنوياً ومادياً وبشرياً وأمنياً، كما علاقاتها مع العرب والعالم.

أزمة مفتوحة

وفي ظل الحصار السياسي الذي تفرضه الطبقة الحاكمة على البلاد بسياساتها، تكاد كل الآمال ‏المعلقة على الحكومة تتبخّر، من فرملة الانهيار المالي وضبط سعر ‏الدولار، إلى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ‏التي تقود إلى نتائج عملية، وتعيد وضْع لبنان على طريق الإنقاذ، وما ‏بينهما الاستقرار السياسي، الذي يفسح في المجال أمام المعالجات ‏الاقتصاديّة، ويقود إلى الانتخابات النيابية، وإعادة إنتاج السلطة، يتبخّر كل ذلك مبدئياً، وإن تمّ إنجازه، سيكون بصعوبة، كالانتخابات ‏النيابية، التي دخلت في دهاليز الطعون والمراجعات، على وقع شلل ‏حكومي، وتسخين سياسي، وانهيار مالي مستمر.

ويذكر الوضع الراهن بمرحلة الفراغ الحكومي، مع رئيس مكلّف يعجز ‏عن التأليف، فيما الفارق الوحيد وجود حكومة شكلاً بصفة تصريف أعمال مضموناً.

ويقف الخارج متفرّجاً على أزمة مفتوحة على الأسوأ، فلا الموقف الخليجي قابل للتراجع، ولا حزب الله في وارد ‏القبول باستقالة، الوزير جورج قرداحي، ما يعني دخول الحكومة ‏دهاليز تصريف أعمال مبكّر، حتى لو لم تستقلْ رسمياً، فيما اللبنانيون متروكون لأقدراهم.

وتبدو الأزمة ‏الحكومية والأزمة الدبلوماسية المتدحرجة مع دول الخليج، تتّجهان نحو سقوف جديدة من التعقيد والمراوحة، وسط ‏جمود لافت لأيّ وساطات وتحرّكات، حتى بين أهل السلطة أنفسهم، بحثاً عن مخارج للأزمة ‏الحكومية على الأقل. وتبدو حكومة ميقاتي، وكأنّها مجرد شاهد على ما يجري، لا السلطة التنفيذية، ولا المؤسسة الأبرز على صعيد اتخاذ القرارات، فيما يتمثّل أخطر ما في هذه الأزمة، في كوْنها أزمة من دون أفق.