ريبورتاج

ماري.. مملكة تلاشت معالمها خلال الحرب السورية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

على أطراف نهر الفرات وعلى بعد أمتار منه، تتموضع حضارات وتاريخ قضت الحرب على أطلالها وعاثت بها فساداً، هذا السرير النهري شهد عشرات الحضارات التاريخية على مدار القرون الماضية، لكن الحرب أتت عليها وحولتها إلى مدن منهوبة ومهجورة في الوقت ذاته.

من هذه الأوابد الأثرية الغائرة في التاريخ، مملكة ماري في ريف البوكمال على الطريق الواصل بين البوكمال ودير الزور، هذه المملكة التي اتخذت من أطراف النهر مقراً لها منذ مئات آلاف السنين، تحول حالها إلى مدن أشباح بينما كانت عبر الزمان منارة عصرها.

هذا العمق الأثري والتاريخي على الأراضي السورية قال فيه الباحث الفرنسي في الآثار والتاريخ، أندريه بارو حينما «إن لكل إنسان وطنين، وطنه الأم وسوريا، فهو لم يكن مخطئاً، حيث ما زالت أصوات الحضارات القديمة التي نبعت منها صارخة، تدلّ على أنها أمّ الحضارات والموطن البشري الأول».

مملكة ماري التاريخية من أبرز الآثار وأقدمها على الأراضي السورية، حيث توجد على موقع يُعرف بتل الحريري، الموجود على ضفة نهر الفرات اليمنى، وهي من الآثار النادرة التي تقع على نهر الفرات، من بينها آثار الصالحية المجاورة، لكن ماري تقع في السهل ما يدل على عمق الزراعة والاستقرار في هذه المناطق منذ آلاف السنين.

يتمتع موقع آثار مدينة ماري بيضوي الشكل، وتقع عدّة وديان ذات حجم صغير في الجهة الجنوبية الغربية منه، وطول الجانب الشمالي منه يصل إلى كيلومتر، وتتوزع فيه تلال عدة صغيرة الحجم، تضم منشآت هذه المدينة، عدا الأكروبول فإنه يقع في التل المركزي والذي يُعد أعلى من غيره، حيث يرتفع خمسة عشر متراً.

من الآثار العظيمة التاريخية التي عثر عليها أهالي المنطقة، تمثال من دون رأس، حيث كان الأهالي في تلك المنطقة يبحثون عن أحد القبور، وخلال عملية الحفر الطويلة في أكثر من موقع، عثروا على تمثال ضخم من دون رأس، فما كان من الأهالي إلا أن توجهوا إلى القائد العسكري الفرنسي في المنطقة آنذاك ليخبروه بما جرى، وكانت النتيجة أن القائد الفرنسي كابان الذي ذهل لمثل هذا الخبر إلا أن زار الموقع مباشرة، ليجد أن هذه الحجارة الكبيرة عبارة عن مجسّم لشخص عاري الجذع، بلا رأس، يديه مضمومتين لفوق صدره، أما جزؤه السفلي فإنه مغطى بحراشف، ومكتوب فوقه بالكتابة المسمارية. لم يتوانَ كابان عن مساعدة أهالي المنطقة في رفع هذا التمثال المدفون في الأرض، وتم نقله إلى مدينة البوكمال.

الاكتشافات الأثرية كثيرة في مملكة ماري، والتي في معظمها تحوي كتابات مسمارية، وحمل أحد التماثيل كلمة لامجي– ماري، وتم اكتشاف معبد عشتار الذي يُعد أهم الاكتشافات فيها، والذي يعود تاريخه لعصر حمورابي.

وبعد حوالي ثلاثة أعوام تم اكتشاف القصر الملكي، والذي يعود في تاريخه للألف الثاني لما قبل الميلاد، والذي يُعتبر من أهم العمارة القديمة الشرقية، ويعتبر هذا القصر الملكي من أفخم القصور التاريخية، حيث يظهر في تصميمه أيضاً نمط الحكم وإدارة الدولة واتخاذ القرارات السياسية، من خلال غرفة الاجتماعات وتوزع المقاعد والدائرة في كل مكان.

ومن بين الاكتشافات، تمّ العثور على رسوم جدارية، أسهمت إلى حدّ كبير في فهم حياة مدينة ماري، والنشاطات التي مارسها أهلها، إضافة إلى الطقوس الدينية ومعتقداتهم، كما عُثر في هذه المدينة على التمثال الشهير ربّة الينبوع، حيث وجد مقطّعاً، وتمّت إعادة تجميعه، لتظهر ربّة الينبوع واقفةً، وتحمل بيديها إناءً، وعلى ثوبها خطوط ترمز للمياه إضافة إلى أسماء، ويُعتبر هذا التمثال كرمز لنهر الفرات.

هذه الأوابد الأثرية كما يروي أحد حراس هذه المملكة منذ أربعين عاماً، تحولت إلى مدن منهوبة وجزء منها تعرض للتدمير على يد عناصر من تنظيم داعش في العام 2015.

يقول حمادي الإبراهيم، والذي عمل حارساً لهذه المملكة في الثمانينات، كانت البعثات الغربية لا تتوقف عن هذه المملكة، وفي كل عام يحصلون على اكتشاف جديد وتماثيل جديدة، وقد تألمت كثيراً وأنا أرى عناصر إجرامية تنهب الكثير من القطع الأثرية وتقوم بتخريب مملكة ماري وأنا عاجز عن إيقافهم.

ويتابع، اضطررت للخروج من قريتي السيال، بعد أن تحولت البلاد إلى ظلام دامس، لأستقر في تركيا بعيداً عن كل هذه المشاهد التي نالت من نفسي، كوني عملت ثلاثين سنة في هذا المكان.

Email