السودان أمام آخر عقبة لتسليم المطلوبين للجنائية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مارس من العام 2005 أصدر مجلس الأمن قراره 1593 تحت البند السابع بإحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومنذ ذلك التاريخ ظلت قضية المحكمة الجنائية الدولية هي الشاغل للأوساط السودانية، لا سيما بعد إصدار المحكمة لمذكرات اعتقال بحق الرئيس السوداني حينها عمر البشير.

وعدد من مساعديه بتهم تتعلق بجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في دارفور، واستمر الجدل حول الجنائية إلى ما بعد سقوط حكم البشير، الذي يقبع حالياً بأحد سجون العاصمة الخرطوم، إذ مثلت قضية تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية، وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير واحدة من أبرز القضايا، التي أثيرت خلال مباحثات السلام إلى أن تم تضمينها كونها استحقاقاً دستورياً، نصت عليه اتفاقية السلام بين الحكومة والفصائل المسلحة، ولكن إجراءات كثيرة حالت دون تسليم المطلوبين، منها ما هو متعلق بالمحكمة الجنائية نفسها، وأخرى تتعلق بالحكومة السودانية باعتبار أن المطلوبين موقوفون تحت تهم أخرى، تتعلق بالفساد وغيرها من الجرائم التي ارتكبت إبان حكمهم.

مصادقة

كما أن مصادقة السودان على ميثاق روما الأساسي مثلت واحدة من العقبات الإجرائية، التي عطلت عملية تسليم المطلوبين للجنائية، ولكن هذه العقبة في طريقها إلى الزوال بعد إجازة مجلس الوزراء السوداني بالإجماع لمشروع قانون انضمام السودان لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك تمهيداً لعقد اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء، للمصادقة عليه بشكل نهائي، وأكد رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك أن العدالة والمحاسبة هما الأساس الراسخ للسودان الجديد، والملتزم بسيادة حكم القانون الذي نسعى جميعاً لبنائه.

العملية القضائية

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم عبدالوهاب الطيب البشير في حديث لـ«البيان» أن خطوة انضمام السودان للمحكمة الجنائية هو اعتراف سوداني بالعملية القضائية الدولية، وما تحمله من أبعاد، وما يترتب عليها من إجراءات والتزامات قانونية في ما يتعلق باختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، غير أنه اعتبر إجازة قانون الانضمام للجنائية من قبل مجلس الوزراء وإحالته لمجلس السيادة والوزراء للمصادقة عليه في اجتماع مشترك إجراء منقوصاً في غياب المجلس التشريعي، باعتباره الجهة المخول لها بالمصادقة في مثل هذه القضايا المصيرية الحساسة.

ولم يستبعد البشير أن تحدث المصادقة على ميثاق روما من قبل الحكومة السودانية ردة فعل عنيفة يمكن أن تهدد أمن واستقرار الفترة الانتقالية، لافتاً إلى أن الاعتراف بالمحكمة الجنائية سيتبعه تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية من رموز النظام المعزول، وهي خطوة ستواجه بموجات مضادة من قبل عناصر النظام المخلوع، يمكن أن تصل إلى حد التفجيرات الإرهابية على حد قوله، وأضاف: «بالمقابل ستضطر الحكومة لمواجهة تلك المهددات، الأمر الذي سيربك المرحلة الانتقالية، وسيقود إلى انفجار سياسي سينعكس سلباً على مجمل العملية السياسية في السودان، في ظل الأزمات الداخلية الطاحنة».

سلام جوبا

بدوره يؤكد المحلل السياسي محمد علي فزاري لـ«البيان» أن انضمام السودان لميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية يمثل أحد أهم استحقاقات اتفاق سلام جوبا الموقع بين الحكومة السودانية، والفصائل المسلحة في أكتوبر الماضي، كما يمثل التزاماً دولياً من جانب الحكومة الانتقالية، التي أكدت التزامها بكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية السابقة، خصوصاً أن الحكومة السودانية السابقة وقعت على الميثاق ولكنها لم تصادق على الميثاق، ويلفت إلى أن خطوة الحكومة الانتقالية في إجازة القانون تمثل استكمالاً لخطوات سابقة ومواصلة لتعهدات دولية لاحقة، من بينها السياسة الخارجية للسودان ما بعد الثورة التي تبنت الانفتاح مع العالم والإصلاح في القوانين.

ويشير فزاري إلى أن المصادقة على ميثاق روما تأتي في مصلحة السودان والقوى السياسية التي تريد أن تزيح عقبة تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية من رموز النظام السابق، حيث كانت هناك معضلة قانونية تحول دون ذلك وهي المصادقة، وبالتالي تمثل المصادقة خطوة أخيرة لإسدال الستار على الملف، الذي ظل هاجساً طوال السنوات الأخيرة.

Email