الفرات.. النهر الذي شتت القبيلة شرق سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

على طرفي الفرات تتجمع القبائل السورية في محافظة دير الزور، وهي العمق القبلي في سوريا، حيث تلتقي هذه القبائل على ضفاف نهر الفرات، إذ وجدت هذه القبائل نفسها تاريخياً على نهر يمكنها من الاستمرار والبقاء، إلا أن هذه القبائل ونتيجة امتداد نهر الفرات على طول 150 كيلومتراً تقريباً في محافظة دير الزور توزعت على أطراف النهر الأمر الذي قسم القبيلة إلى شطرين على ضفتي النهر، وهذا ما أثر على وحدة وقرار وسيادة القبيلة في القرارات الاجتماعية ومن ثم القرارات السياسية في مرحلة الأزمة السورية، وجعل من هذه القوى الاجتماعية قوة ضعيفة التأثير ضاعت بين الجماعات المتطرفة الإرهابية من جبهة النصرة إلى تنظيم داعش ومن قبلها بين الفصائل المسلحة التي سيطرت على المدينة والريف في بداية الأزمة حتى العام 2014.

ونتيجة التباعد الاجتماعي والتوزع الجغرافي على الأرض، لم تتمكن هذه القبائل من بناء مدينة تمثل بشكل حقيقي الحجم الاجتماعي والقبلي لهذه القبائل المستقرة على النهر، فيكفي القول إن قبيلة مثل العكيدات التي تعتبر أكبر القبائل في سوريا تعيش في الجزيرة والشامية بحكم الطبيعة الجغرافية وهذا ما جعل من قوة هذه القبيلة منقوصة من حيث التماسك.

ولم تتمكن هذه القبائل على الرغم من توفر البنية التحتية لبناء المدينة، من صناعة مدينة مركزية على ضفاف المهر، وعلى طول 130 من البوكمال إلى مدينة دير الزور لا تجد مدينة مركزية يمكن أن تمثل هذه القبائل الفراتية، حتى مدينة البوكمال التاريخية التي تعتبر نهاية الطرف الصحراوي المسكون في دير الزور لم تكن مدينة بالمستوى الذي يمثل حجم السكان وتنوع المصادر الطبيعية. وظلت هذه القبائل مرتبطة بمدينة دير الزور التي لا تمثل أحداً من دير الزور وإنما تمثل الخليط المدني مع العشائري.

بل أن مدينة دير الزور ذاتها ليست بالمدينة بالمعنى المتكامل، فهي على سبيل المثال مرتبطة من الناحية الاقتصادية بمحافظة حلب، إلى أن جاء طريق دمشق دير الزور البري في الثمانينيات حتى انقسمت هذه المدينة في الارتباط الاقتصادي بين حلب ودمشق، ولم تتمكن من بناء مدينة ذات خدمات مدنية وصناعية على غرار حلب ودمشق وحمص.

وزاد ذلك الضعف أيضاً اختلاف السيطرة على طرفي النهر من القوى اللاعبة على الأرض، فقسم كبير من هذه القبيلة يعيش على غربي نهر الفرات (الشامية)، وهي مناطق تحت سيطرة الحكومة السورية وروسيا وبالتالي فإن هذه قبيلة العكيدات وغيرها من العشائر الأخرى مضطرة للتعامل مع القوى المسيطرة، وفي الوقت ذاته فإن نفس القبائل في الجزيرة (شرقي الفرات)، تتعامل مع التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية بحكم الواقع، وهذا ما أفقد القبيلة في دير الزور تحديداً على لعب دور محوري في القضايا السياسية والعسكرية والاجتماعية.

وعلى الرغم من الصفة العشائرية لمدينة دير الزور التي تغلب على طابع العلاقات الاجتماعية، إلا أنها ليست مدينة قبلية بالكامل، ذلك أن الاختلاط بين المدنية الحديثة في دير الزور والعشائرية أفقد المدينة طابعاً مميزاً وثابتاً، ونتيجة البعد الجغرافي عن المركز سواء دمشق أو حلب، فإن التصور السائد حتى الآن حول مدينة دير الزور عموماً هو الطابع العشائري، إلا أن تداخل عدة أمور منها التباعد القبلي نتيجة التوزع على النعر وارتباط كل ضفة بجهة عسكرية على الأرض، إضافة إلى وجود مدينة دير الزور القريب من الضفتين أعاق دور القبيلة في أن تكون لاعباً قادراً على التأثير في هذه الدولة التي مزقتها الحرب، على الرغم من أن تجانس وتقارب الوعي والبيئة العشائرية يمكن أن يكون عاملاً إيجابياً لكنه لم يستثمر حتى الآن في صياغة نفسه وبقي على الهامش طوال السنوات العشر الماضية.

Email