الحسكة.. بقعة تنافس إيرانية روسية جديدة

بعد نهاية الأعمال العسكرية في حلب نهاية العام 2016 التي قضت بخروج الفصائل المسلحة من حلب الشرقية، وسيطرة الشرطة العسكرية الروسية على المدينة، بدأت بشكل فعلي الخلافات الإيرانية الروسية، حيث رفضت إيران في البداية وجود شرطة عسكرية شيشانية في مدينة حلب، بينما أصرت روسيا أن تتولى أمن المدينة، على أن يتم التفاهم لاحقاً على مناطق توزيع النفوذ.. وحتى الآن مازال النفوذ الروسي هو من يسيطر على مدينة حلب بشكل واسع.

من حلب بدأت ملامح التنافس الروسي الإيراني في سوريا، وحاول كل طرف توسيع دائرة نفوذه على الأرض، واختارت إيران الجنوب السوري بشكل منفرد، بينما تولت روسيا مناطق الساحل وحلب وخطوط المواجهة مع الفصائل المسلحة، حيث أبرمت اتفاقات مع المسلحين في ريف حمص الشمالي، وأصبح النفوذ الروسي في قلب سوريا (محافظة حمص).

اليوم تظهر بقعة تنافس جديدة على الأراضي السورية في شمال شرق سوريا، حيث دخلت إيران على خط تقاسم الكعكة السورية، لكن هذه المرة على مقربة من مناطق النفوذ الأمريكي في الحسكة والقامشلي، مستغلة التوتر الأمني بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري.

في أكتوبر من العام 2019 وجدت روسيا لها فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها في شمال شرق سوريا، بعد العملية التركية التي سيطرت بموجبها على المنطقة الواقعة على حدودها من تل أبيض إلى رأس العين بطول ما يقارب 124 كيلومتراً، وهذا كان مدخل روسيا لتكون فاصل الاشتباك بين الفصائل المسلحة المدعومة من أنقرة وبين قوات سوريا الديمقراطية، بموافقة أمريكية، وحتى نهاية العام 2020 كانت روسيا عامل توازن بين الفصائل المسلحة وقوات قسد، إلا أن إيران طاردت روسيا على هذه الرقعة لتكون مناطق شمال شرق سوريا منطقة تنافس جديدة بين الروس والإيرانيين.

وقبل الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية في السادس من الشهر الجاري، بدأت إيران بإرسال عناصر موالية لها من الفرقة الرابعة في دمشق، التي تتمتع بعلاقات واسعة مع الحرس الثوري الإيراني.

وبحسب مصادر إعلامية متطابقة فإن ميليشيات الإيرانية بدأت بتجنيد عناصر الدفاع الوطني، ومدنيين، في صفوفها، مقابل رواتب شهرية تصل إلى نحو 350 ألف ليرة سورية للعنصر الواحد، حيث تم نقل العناصر المجندة الجديدة إلى ما يعرف بفوج (طرطب) جنوب الحسكة، لتدريبهم على القتال بإشراف الحرس الثوري الإيراني، وتعتبر هذه الخطوة الأولى من نوعها للميليشيات الإيرانية، إذ طالما ابتعدت إيران عن مناطق شمال شرق سوريا باعتبار أنها مناطق نفوذ أمريكية، فيما دخلت روسيا بعد العملية التركية كلاعب عسكري على الأرض.

وأكد موقع عين الفرات المحلي، أن الحرس الثوري الإيراني نقل عشرات العناصر من القواعد الإيرانية في دير الزور عبر الطيران إلى مطار القامشلي بريف الحسكة.

وتفيد مصادر محلية في القامشلي والحسكة إلى أن الميليشيات الإيرانية استقرت في بعض القطاعات العسكرية التابعة للجيش السوري، واتخذت من جبل كوكب العسكري والمربع الأمني بمدينة الحسكة مقراً لها، بالإضافة إلى نشر بعض النقاط على الخط الفاصل بين «قسد» و«الجيش الوطني» شمالي الحسكة، وذلك تحت راية قوات الجيش السوري.

كثفت روسيا في الأسبوعين الماضيين من إرسال عناصر تابعة لها إلى مطار القامشلي والحسكة، ونقلت العديد من قواتها من الرقة إلى مناطق شمال شرق سوريا لمنع أي تمدد للنفوذ الإيراني.

ويبدو أن الصراع الإيراني الروسي الخفي ما يزال يتوسع على الأرض السورية، وتستغل إيران في كل مرة حالة الهشاشة الأمنية في المناطق السورية من أجل تثبيت نفوذها، إلا أن هذه المرة مدينة الحسكة تعد من أصعب المناطق في الشمال السوري، حيث يتوزع على هذه الأرض أكثر من قوة عسكرية بدءاً من القوات الأمريكية إلى قوات سوريا الديمقراطية، وهذا ما يجعل المهمة الإيرانية صعبة وطويلة وكذلك يزيد من حساسية العلاقة الروسية الإيرانية.

الأكثر مشاركة