رسوم على جدران دمشقية تشعل مواقع التواصل الاجتماعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حين كانت دمشق نائمة على مدار عقود طويلة لم تتغير ملامحها، إلا أن ثمة من جاء يوقظ التاريخ المتأهب، ويستفز دمشق والدمشقيين على غفلة، بألوان أخذت ضجيجاً كبيراً في الأوساط السورية.

رسوم على الجدران في حي تابع لمنطقة باب مصلى الدمشقي، أثارت ضجة كبيرة بين السوريين، وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا هذا الأمر تشويه للمدينة القديمة وتراث العاصمة، لا سيما أن الرسومات لم تحمل أي قيمة فنية، وجاءت بمستوى لا يقارن بعمر دمشق التاريخي، حسبما يرى الدمشقيون.

الرسومات هي جزء من فعالية أقامها غاليري مصطفى علي، بدعوة من حي يعرف باسم التيامنة والكنيسة الموجودة فيه، ويقول فادي الحمصي، المسؤول عن الكنيسة، أنهم رغبوا بإقامة نشاط يسلط الضوء على حيهم المنسي، وأن يخلقوا شيئاً من الفرح، بالتعاون مع محافظة دمشق ووزارة الثقافة، وبيّن الحمصي أن النشاط تضمن بالأصل فكرة الرسم على الجدران، لكن الذي تغيّر، أنه، وبسبب كثرة الأولاد الذين توافدوا على مكان النشاط، قرروا إشراكهم ومنحهم مساحات على بعض الجدران الداخلية، كي يرسموا عليها، ويعبّروا عن أنفسهم، ويرى أن النقد كان مسيئاً وخاطئاً، خاصة أن من انتقدوا، اعتبر أن التيامنة تابع لباب شرقي، وهو أمر غير صحيح، لأن حيهم يبعد عن المنطقة المذكورة أربعة كيلومترات ونصف، كما أنهم انتقدوا العمل من زاوية ضيقة، حسب رأيه، وهي انتقاد الأعمال الحرة التي نفذها الجمهور، وليست الأعمال التي قام بها فنانون محترفون أكاديميون، وعبّر الحمصي عن سروره من الضجة التي حدثت، لأن ما حصل سلط الضوء على الحي، وعلى المعالم الموجودة فيه، وهذا بحد ذاته أعاد الاعتبار إلى هذه الأحياء المنسية.

من جانبه، مصطفى علي - وهو نحات سوري مشهور مسؤول عن تنظيم الفعالية- أوضح أن حي التيامنة، هو خارج سور دمشق، ولا يعد شريحة أثرية، ورفض اعتبار ما عملوا به تشويهاً، وأكد أن نشاطهم الأساسي ما قام به الفنانون الستة عشر المشاركون بأعمال الرسم على اللوحات القماشية والنحت، وتابع بأنهم رغبوا بتنفيذ أعمال غرافيتي، واختاروا ثلاثة جدران كي يرسموا عليها.

في الحي، تباينت الآراء بين ناس رأوا في النشاط خطوة لإعادة إحياء الحي المهمل، والذي تعاني غالبية جدرانه من الكتابات والإهمال، في حين رأى البعض الآخر، أن الرسومات لم تكن لائقة بالمكان الذي يرجع عمره لحوالي 300 عام، وإن لم يكن مصنفاً شريحة أثرية، لكنه قديم.

وكتب الباحث التاريخي، سامي مبيض، أنه، وبحسب المادة الأولى من قانون الآثار السوري، الصادر سنة 1963، فإنّ الأحياء الأثرية، هي فقط تلك التي يتجاوز عمرها 200 عام، وحيّ التيامنة هذا عمره مئات السنين، أي أنه أقدم من البيت الأبيض في واشنطن، وفيه كنيسة جاروجيوس، التي أنشئت عام 1836. أي أن عمرها 184عاماً، وبذلك، فهي أقدم من ساعة «بيغ بن» في لندن (1859)، وأقدم من برج إيفّل في باريس (1889). والمسيحيون الموجودون فيها والمقيمون في جوارها، هم أقدم من سور دمشق. وباب مصلّى، حيث كانت استراحة الحجاج في الماضي، والرسومات الإشكالية اليوم، هو أيضاً أثري وقديم. ولكن، وبالنسبة لمحافظة دمشق، جميع هذه الأدلّة لا تكفي، لمُجرد أن الكنيسة لم يتجاوز عمرها 200 عام، عِلماً بأن الحيّ بحد ذاته، هو أقدم من ذلك بكثير.

نائل طعمة (40 عاماً)، يقيم في باب شرقي منذ الصغر، وهو يعترض على مثل هذه الأشكال، باعتبارها اختطفت التاريخ البصري لدمشق، بحسب قوله، ويضيف، لا يمكن الاستغناء عن الجدران الرمادية التي ارتسمت في أذهاننا منذ سنين بألوان جديدة، لا تحمل أي فكرة، نريد دمشق تحافظ على أصالتها المتجددة، وليس تغيير ملامحها.

حسان عيسى أيضاً من أبناء الأحياء الدمشقية، يقول في الصباح استفقنا على ورشات رسوم في الأحياء القديمة، غيّرت شكل الحي القديم، إلا أن أهالي الحي اعترضوا على هذه الورشات التي انتشرت بشكل مفاجئ في معظم الأحياء الدمشقية، مؤكداً أن مثل هذه الأعمال، تسرق التاريخ والعبق الدمشقي.

هذه الأصالة للأحياء الدمشقية، استفزت الأهالي والمراقبين للتراث، باعتبار أن مثل هذه الألوان، انحراف للتراث الدمشقي، والسوري عموماً، كما أن دمشق تمتلك مناطق تاريخية أبعد في عمرها من الكثير من الأماكن الشهيرة في الغرب، لذا، فإن الحفاظ على تاريخية دمشق، يتطلب، بحسب رأي المعترضين، الابتعاد عن ألوان الحداثة، والرسوم التي غطت هذه الأحياء.

Email