البشرية.. بين هاجس الخلود وحق الموت

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم أن الموت جزء  أساسي من التجربة الإنسانية.. لكن فكرة تحقيق الخلود لم تزل تراود خيال البشر منذ نزولهم إلى الأرض، بدوافع مختلفة منها التطورات في العلوم الطبية، أو سعياً وراء الشهرة أو الإرث، أو البحث عن التحول الروحي. 

ذلك الهوس بالخلود ليس وليد زماننا، بل هو رفيق الإنسان مذ وجد نفسه على هذه الأرض، فاتجهت به بدايات ذلك الهاجس إلى نسج الأساطير حول ماء الخلود أو إكسير الحياة أو حجر الفلاسفة أو النبتة السحرية، والتي تدور حول قدرة سحرية على الشفاء من الأمراض وحفظ الجسد من الهرم، ومع مرور الزمن تكشفت حقيقة واحدة، هي أن الإنسان فانٍ مهما طال به الزمن، وأن السرمدية لا تكون إلا لله.

وقد حثت الأديان عموماً والسماوية على وجه الخصوص على الاستعداد للموت وللحساب ولدخول الجنة أو النار، وبعيداً عن موضوع الاستخلاف في الأرض، نجد أن في حقيقة الموت حكمة تلجم هوى النفس البشرية وتعطشها للبطش دون حساب، فتخيل لو أدرك القوي ألا رادع له في الدنيا ولن يصل إلى الآخرة، لأنه خالد ولن يموت.

ومع دخولنا العقد الثالث بعد الألفية الثانية، ومع بلوغ التكنولوجيا أوجها، لم تغب فكرة الخلود عن أذهان البشر، حيث يؤمن بعضهم بإمكانية تسخير التكنولوجيا للوصول إلى "الخلود".

أفكار عدة يعول عليها العلماء في رأيهم الأخير من أبرزها:

- تجديد الجسم

يرى العلماء أن تجديد جسم الإنسان إلى 29 أو 30 عاماً، عبر تقنيات الهندسة الوراثية لتلافي الشيخوخة قد يكون سبيل "الخلود". أو تطوير تقنيات الاستنساخ لتسمح باستبدال أعضاء الجسم الحيوية بأجزاء جديدة.
وقد بدأت بعض المحاولات لتصنيع إنشاء أعضاء بشرية باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد محملة بالخلايا الحية، ما يقرب ذلك الحلم.

- العيش في روبوت
يرى بعض العلماء أن الإنسان سيكون قادراً على ربط عقله بأدوات تكنولوجية، ليعيش الإنسان وعيه في سحابة إلكترونية.. وهي تقنيات تتطور بسرعة.

- الوعي الافتراضي

تختلف هذه الفكرة عن سابقتها في أن الإنسان سيكون بمقدوره تحميل وعيه على الإنترنت مع الاستغناء عن الحضور الجسماني، ويرى البعض منطقية في هذه الفكرة لأن الساعات التي يقضيها الناس على الإنترنت تزداد باطراد كبير، بينما يعارضها الكثيرون من ناحية أن الحياة الافتراضية ستكون خالية من المتع الحسية التي لا يستغني الإنسان عن إشباعها.

في ظل تقدم التكنولوجيا وفتحها أفقاً واسعاً في الطريق إلى الخلود، أو تأجيل الموت بعبارة أدق.. تتبادر إلى الذهن أسئلة مهمة عن الضغط الذي سيشكله ذلك الكم الهائل من الذكريات والأفكار والتجارب على بنيانه النفسي قبل أن يبدأ في الانهيار، وعن المدى الذي سيتحمله قبل أن يبدي الرغبة في إنهاء حياته، في عودة إلى المسار الطبيعي الذي وضعه الخالق للبشر.

كما يبرز سؤال آخر مرعب حول إمكانية احتكار فئة معينة لتكنولوجيا تطيل العمر، وحرمان الشريحة الأكبر منها، في تمثيل صارخ للأنانية التي تميز البشر.

ويبدي بعض خبراء علم النفس قلقهم من أن يجعل ذلك الحداد عملية أكثر صعوبة؛ لأنه لن تكون هناك نهاية للحزن. وإدراك أن أحباءهم رحلوا إلى الأبد.

Email