استدامة التراث

أهالي الجبال يستديمون زراعة القمح بتقنيات الأجداد

سعيد الظهوري رجل من الطراز الأول في حفظ الموروث | تصوير: زيشان أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال أهالي المناطق الجبلية في تحدٍّ مع جميع المتغيرات، التي من أهمها شح المياه الذي واجهوه منذ فترة الثمانينيات.

وتفاقمت المشكلة في منتصف التسعينيات، وتم بذل الجهود من الدولة للحفاظ على المخزون المائي، والحض على الترشيد أو التقنين للحفاظ على الزراعة في مناطق مختلفة، ومع ذلك كان أهالي الجبال مبادرين إلى مواجهة تحديات المناخ لضمان استمرار القمح بالاعتماد على تقنيات الأجداد وما توارثوه من أساليب في حفظ المياه.

موروث

من منطقة شعم بإمارة رأس الخيمة تحدث سعيد عبدالله الظهوري لـ«البيان»، رجل من الطراز الأول في حفظ الموروث، والذي لا يزال يزرع ويحصد القمح بجهود فردية يشاركه محبو هذا الجانب المتوارث، فقال: حافظ الأجداد على المياه عن طريق صنع برك لتجميع المياه، وهناك اسم يقال له «شوق» وهو خزانات من أحجار الجبل والجص.

وتمتلئ بالمياه عند هطول الأمطار وهناك في المسطحات الجبلية حفر نتيجة العوامل الطبيعية أيضاً تتجمع فيها مياه الأمطار، ورغم كل التطور الذي حدث في الدولة والتقنيات الحديثة إلا أننا نفخر بالمحافظة على ما توارثناه، وكل حياة الأهالي كانت تعتمد على مياه الأمطار التي كانت غزيرة، إلا أنها بدأت تقل منذ العام 1995 بسبب قلة مياه الأمطار.

ونحن نعد أن مرور شهرين أو ثلاثة أشهر من دون سقوط الأمطار أمر غير عادي، وللقمح أهمية عظيمة وخاصة أن أهالي المناطق توارثوا زراعته، وله طقوس تراثية عند الغرس وعند الحصاد، فهو الغلة الرئيسة في غذاء المناطق الجبلية، ونصنع منه الخبز والسخونة (نوع من الحساء) والجريش والهريس، وإن كان الحصاد بكميات كبيرة فإنهم يتصدقون بجزء منه ويباع جزء منه في الأسواق.

ويضيف سعيد الظهوري: المتوارث من زمن الأجداد مستمر نتيجة الوصايا المتوارثة وحث الأهالي بعضهم بعضاً على الاستمرار لاستدامة جزء مهم من التراث الزراعي.

والأجداد كانوا يبحثون عن الأماكن التي يوجد فيها طين، كي ينفذوا مخازن خاصة للقمح تسمى «أصيلة» من طين ومدر، وتسمى الحراثة «هيس أو الهياس» في ما يعرف بـ«الوعوب»، وكل مرحلة من مراحل زراعة القمح لها فرحة، وخاصة من تنتج أرضه أكبر كمية من السنابل الذهبية فتصل الكميات إلى آلاف من الكيلوغرامات.

ويساعد على ذلك برودة الطقس، إذ لا ترتفع درجات الحرارة في الصيف كثيراً في السفوح من أعالي الجبال، وذلك في سنوات الأربعينيات والخمسينيات وحتى الستينيات، وقديماً كان صعود الجبال يحتاج للمشي ساعات طويلة، وربما يحتاج 9 ساعات .

وفي الوقت ذاته يحملون على ظهورهم مواد الزراعة والبناء، وهم أيضاً حافظوا على تصنيع الفحم من جذوع الأشجار، ولا تزال استدامة الحفاظ على الموروث الخاص بزراعة القمح، إذ يزرع الأهالي حتى اليوم ويحافظون على تلك المكتسبات التراثية لأنها جزء من حياتهم اليومية، ولأن لكل أمر في حياتهم مواسم ومواقف وتاريخ، وجزء من ذلك التاريخ المستمر هو القمح وزراعته.

وما جعل أهالي المناطق الجبلية أكثر حماساً رغم كل الصعاب والظروف، التشجيع الذي وجدوه من قبل الحكومة الرشيدة، إذ كان هناك دعم مادي ومعنوي، ولأننا دولة تناشد دوماً مواطنيها أن يواكبوا التطور للحفاظ على التراث أو الموروث، فإن الجميع مستمر الخطى نحو العمل على ذلك، ومن بين الجوانب الجميلة للإنسان في الجبل أو المناطق من حوله، الإصرار على زراعة القمح ليمارسوا فرحة الحصاد بعد جهد الغرس والرعاية.

 

Email