صحراء أبوظبي.. واحات لاستزراع الأسماك

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح قطاع الاستزراع السمكي في العاصمة أبوظبي أحد أهم المشاريع الاقتصادية المستدامة، وبلغ إجمالي إنتاج هذه المزارع نحو أكثر من 408 أطنان، في ست منشآت مرخصة لاستزراع الأحياء المائية بأبوظبي، وبات هذا القطاع يمنح نصيباً منصفاً في عمليات التخطيط لاستخدام الأراضي والمسطحات المائية، كما أصبح مدفوعاً بمبادرات واستثمارات القطاع الخاص الذي تقع على عاتقه مسؤولية التنمية التجارية، ومحكوماً بسياسة وأطر تنظيمية، وبيئة أعمال تمنح المصداقية والاستقرار للقطاع والصناعات المصاحبة.

24 طناً

 

ومن مزرعته الشاملة في منطقة العراد بمدينة العين، استطاع عبد الرحمن راشد الشامسي أن يقهر الصحراء مقدماً نموذجاً استثنائياً في زراعة الأحياء المائية بطريقة مستدامة، منتجاً أكثر من 24 طناً من الأسماك سنوياً، كما أنه استطاع أن يوفر أكثر من 56 ضعفاً من المياه المستخدمة في الاستزراع.

ويؤكد الشامسي أن ابتكار تقنية «الأكوابونيك» ساعدته بشكل كبير في دعم تجربته بالاستزراع السمكي، وهي ما يعرف بالزراعة التكاملية بين النبات والأسماك معاً معتمدين على مخلفات الأسماك في تغذية النبات، ومعتمدين على تغذية الأسماك عبر أحواض لإنتاج الطحالب عبر مياه الأسماك، بحيث تضخ المياه العذبة التي تنتج من ماكينات مخصصة لتحلية المياه في أحواض الأسماك وعبر قنوات يتنقل المياه إلى أحواض الطحالب المائية التي تحتوي على 40% بروتين كغذاء للأسماك.

«البيان» تقف على تفاصيل تجربة استزراع الأحياء المائية في أبوظبي، من مزارع في عمق الصحراء تنبت من واحاتها أطناناً من الثروة السمكية، إلى منشآت متطورة ذات خبرة عالمية، لترسم أبرز السيناريوهات المستدامة لأمن غذائي مستقبلي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي على مدار العام، لتحقيق رؤية تسابق الزمن بأبعاد تطويرية مبنية على أحدث التقنيات الخاصة بالاستزراع السمكي، إذ تظهر الإحصائيات أن الاستهلاك السنوي للمأكولات البحرية في الإمارات يبلغ حالياً نحو 270 ألف طن، وعلى الصعيد العالمي، يعتبر هذا القطاع من أسرع قطاعات إنتاج الغذاء نمواً، إذ يعتبر مسؤولاً عن تأمين أكثر من 52% من استهلاك العالم من الأسماك حالياً.

تنافسية

أحمد الهاشمي، المدير التنفيذي لقطاع التنوع البيولوجي البري والبحري في هيئة البيئة بأبوظبي، أكد أن قيمة إنتاج مزارع الأحياء المائية بلغت 14.3 مليون درهم خلال العام الماضي، في حين بلغ إجمالي إنتاج هذه المزارع أكثر من حوالي 408 أطنان في ست منشآت مرخصة لاستزراع الأحياء المائية في أبوظبي.

وأشار أن سياسة الاستزراع السمكي المستدام التي أطلقتها الهيئة تهدف إلى تطوير قطاع يتسم بالتنافسية والاستدامة في إمارة أبوظبي، ويسهم في تحقيق النمو الاقتصادي والأمن الغذائي، وتوفير فرص عمل، وتحقيق مكاسب اقتصادية للمواطنين، من خلال إنتاج أغذية بحرية آمنة وذات جودة عالية تلبي حاجة السوق، وباستخدام تقنيات مستدامة تحافظ على التنوع البيولوجي وتضمن حماية الأنظمة البيئية.

6 أولويات

وأوضح المدير التنفيذي لقطاع التنوع البيولوجي البري والبحري، أنه تم تحديد ست أولويات لتطوير القطاع في الإمارة وتحقيق أهدافها، والتي تتمثل في تنفيذ إجراءات داخلية جديدة ومتكاملة بالهيئة لنظام إصدار تصاريح الاستزراع، وإعداد استراتيجية لتنفيذ سياسة الاستزراع مع تحديد نماذج العمل المناسبة والأنواع والمناطق المخصصة لتطوير الاستزراع، وإعداد خطة استثمارية لتلك المناطق، وتشجيع الاستثمار في القطاع، وتطوير التشريعات والمعايير والأدلة، هذا بالإضافة إلى تشجيع الأبحاث والابتكارات في مجال الاستزراع من خلال تطوير خطة أبحاث الاستزراع، فضلاً عن تطوير المواد اللازمة للتسويق والاتصال واستقطاب المستثمرين.

وقال الهاشمي: إن سياسة الاستزراع للأحياء المائية تتماشى مع رؤية السياسة الشاملة لاستراتيجية أبوظبي البحرية من أجل تحقيق مجال بحري آمن ومستدام لإمارة أبوظبي، مع تحقيق رؤية «مصائد سمكية مستدامة لدولة الإمارات العربية المتحدة»، واستعادة مخزون الأنواع الرئيسية مع حلول 2030.

زيادة

وفي سياق متصل، أشارت الهيئة إلى أنه وبالرغم من أن متوسط الحجم النسبي لمخزون الأسماك البالغة أقل من المستوى المرجعي بنحو 30٪، فقد أظهر مؤشر الأداء الرئيسي خلال العامين الماضيين زيادة كبيرة، والأمر الذي يشير إلى ارتفاع مؤشر حالة مخزون الأسماك في المستقبل القريب، كما أوضحت الهيئة أن قيمة مؤشر الاستغلال المستدام ارتفع نتيجة للضوابط الإدارية الحالية وسياسات مصائد الأسماك، إذ بلغت قيمة مؤشر الاستغلال المستدام لكل الأنواع 57.1٪، في حين تتطلع المساعي الحثيثة للهيئة أن تصل إلى 70٪ بحلول عام 2030.

تطوير القدرات

وأكد سلطان الوهيبي، مدير مكتب الشراكة والاستثمار في هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، أن هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية في إطار تنفيذها لخطتها الاستراتيجية بإطلاق مبادرة استراتيجية تعنى بتطوير برنامج الاستزراع المائي بإمارة أبوظبي، وذلك من خلال تطوير القدرات وتوظيف المختصين في كل مجالات الاستزراع المائي من إنتاج ورعاية وتحاليل مختبرية بهدف تقديم الدعم والمساعدة لمنتجي الأسماك بالإمارة وبما يحقق استدامة وتنمية القطاع.

وأشار الوهيبي إلى أن الهيئة قامت أخيراً باستحداث خدمات تشخيص مختبرية وخدمات علاجية لأمراض الأسماك، حيث تم تفعيل وتطوير باقة من التحاليل المخبرية، والتي تشمل خدمة التشريح المرضي للأسماك، واختبارات الفحص الطفيلي لتشخيص الأمراض الطفيلية الداخلية والخارجية إلى جانب الزرع الميكروبي لتشخيص الأمراض البكتيرية للأسماك، وتدعمها سلسلة من تحاليل البيولوجيا الجزيئية بما فيها تحاليل التسلسل الجيني، والتي ستساعد في تحديد التحور الجيني في المسببات المرضية، ومعرفة وبائية ومصدر المسبب المرضي والخرائط الجينية للمسببات المرضية.

دعم

وأوضح أن قطاع الثروة الحيوانية في الهيئة يقوم بتقديم الدعم للمستثمرين الراغبين في ممارسة نشاط زراعة الأحياء المائية من خلال تقديم الدعم الفني لدراسات الجدوى للمشاريع وتوجيه النصح لهم بشأن الأنواع التي يرغبون في تربيتها وإنتاجها، بالإضافة إلى ذلك تقوم الهيئة بتنظيم الزيارات الإرشادية والتوعوية للمزارع القائمة بغرض تعريفهم بأفضل الممارسات الإنتاجية،

 

5 حوافز استثمارية

وقال: إنه من خلال تعاون الهيئة مع مكتب أبوظبي للاستثمار، وعند تطابق المشاريع الاستثمارية مع المعايير المعتمدة لدى الهيئة على 5 حوافز أساسية، وهي تقديم قيمة تنافسية لاستئجار الأراضي والأصول الاستثمارية، وتقديم المشورة الفنية والإدارية، وتوفير بيانات معتمدة ودقيقة عن القطاع الزراعي والغذائي، هذا بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للمستثمر للاطلاع على الدراسات الزراعية والغذائية وبحوث السوق، والإعفاء من الرسوم المستحقة للمساطحة لمدة سنتين.

الحد من الاستنزاف

وأظهرت الدراسات التي أجريت في مياه إمارة أبوظبي التي تشكل حوالي 72٪ من إجمالي مياه الدولة في الخليج العربي، بأن ثلاثة عشر نوعاً من الأسماك التجارية على الأقل، يتم صيدها بمستويات تفوق حدود الاستدامة، لذلك وإدراكاً للحالة البيئية لمصائد الأسماك وأهميتها الاجتماعية للتراث الإماراتي، تأتي خطوة برنامج المصائد السمكية المستدامة للحد من استنزاف الموارد والتعامل ولتحقيق الاستدامة في هذا المجال.

استغلال

كما تشير الدراسات الاجتماعية والاقتصادية في الدولة - وفقاً لهيئة البيئة -، إلى أن أحد الضغوط الرئيسية على المخزون السمكي يكمن في وجود عدد هائل من الصيادين يفوق الطاقة الاستيعابية لقطاع المصائد التجارية والترفيهية، حيث تتعرض أنواع الأسماك القاعية مثل الهامور والشعري - التي تشكل أغلب كميات السمك المصطادة - إلى استغلال مفرط بمستويات تفوق مستوى الصيد المستدام بحوالي خمسة أضعاف، أما الأنواع السطحية مثل الكنعد فهي تتعرض إلى استغلال مفرط بمستويات تصل إلى ثلاثة أضعاف مستوى الصيد المستدام.

شراكات عالمية

وريثما تستعد شركة بيور سلمون، لإنشاء مقرها الرئيس في إمارة أبوظبي، والمساهمة في تعزيز منظومة التكنولوجيا الزراعية فيها، يؤكد ستيفان فروز، مؤسس ورئيس مجلس إدارة «شركة F8 لإدارة الأصول» وعضو مجلس إدارة شركة «بيور سلمون» أن إنشاء المقر العالمي للشركة في إمارة أبوظبي في تكوين فريق عمل محلي قادر على تطوير الحلول الاقتصادية المستدامة، وترسيخ مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا المجال، وبدعم من مكتب أبوظبي للاستثمار، سوف تتقدم «بيور سلمون» نحو هدفها المتمثل في تزويد المنطقة بالبروتينات المغذية والصحية والمنتجة محلياً، وأوضح أن هذه الشراكة جزء من برنامج الابتكار التابع لمكتب أبوظبي للاستثمار والذي تبلغ قيمته 2 مليار درهم، ويهدف لتقديم الدعم للشركات المتميزة والقائمة على الابتكار لتمكينها من تحقيق النجاح والازدهار العالمي طويل الأمد لأعمالها انطلاقاً من إمارة أبوظبي.

 

 

260 ألف طن

يذكر أن المقر الرئيسي للشركة في إمارة أبوظبي سيعمل على إدارة مرافق الإنتاج العالمية الرئيسية للشركة في بولندا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وستتمكن «بيور سلمون» من خلال شراكتها مع «مكتب أبوظبي للاستثمار» من توظيف نخبة من المواهب والكفاءات العالمية، إلى جانب توسيع عملياتها بالتزامن مع تطلعات الشركة لأن تصبح أكبر منتج عالمي مستدام لأسماك السلمون، بإنتاج مستهدف يبلغ 260.000 طن سنوياً، هذا بالإضافة إلى إرساء علاقات تعاون أكاديمية قائمة على القاعدة المعرفية الخاصة بأكاديمية بيور سلمون، بهدف مشاركة خبراتها ومعارفها في مجال تربية الأحياء المائية مع منظومة الأعمال والتكنولوجيا في إمارة أبوظبي.

Email