في يوم الفخر بالسيرة والمسيرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الفخر في الشعر العربي، غرض من أغراض الشعر عند العرب، ونقرأ لكثيرين من الشعراء القدامى، هذا اللون من الشعر، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم:

وقد علم القبائل غير فخر

                 إذا قبب بأبطحها بنينا

بأنا العاصمون إذا طعنا

                وأنا الغارمون إذا عصينــــا

وأنا الحاكمون بما أردنا

                وأنا النـــــــازلون بحيث شينا

ونشرب إن وردنا الماء صفوا

                ويشرب غيرنا كدراً وطينا

ومنه أيضاً ما قاله صفي الدين الحلي في العصر الإسلامي:

سلي الرماح العوالي عن معالينا

                واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا

إلى أن يقول:

إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفـــــا

                أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا

بيض صنائعنا سود وقائعنا

                خضر مرابعنا حمر مواضينا

واليوم، عندما نقرأ مثل هذا الشعر لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، نجزم بأن الموروث العربي ما زال بخير.

إن سموه له باع طويل في كثير من أغراض الشعر بنوعيه: الفصيح والنبطي، ويتجلى في شعره دائماً رقي اللفظ، وسمو المعنى، وجمال الموسيقى، وتجانس الوزن والقافية.

وفي هذه القصيدة، التي بين يدينا، ينطلق سموه من المحيط المحلي إلى الإقليمي والعالمي، ليبلغ أقاصي بلاد العالم، رسالة تحمل في طياتها ما يدور اليوم في خلد صناع القرار، على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة.

فعندما يقول سموه:

ارفع الرايه إلى أعلى مكان

                وخبّر الدنيا وأهَلْها من نكون

يريد بذلك أن يبلغ العالم أن مؤسس الاتحاد، بشر العالم قبل عقود من الزمن، بما نحن اليوم حققناه على أرض الواقع.

نعم.... تمنى الشيخ زايد بن سلطان، رحمة الله عليه، قبل خمسين عاماً، أن يغزو الفضاء، إذن كان الوصول إلى المريخ من طموحاته، وكانت المسألة مسألة زمن فقط.

وها نحن اليوم، عيال زايد، حققنا له ما تمناه، كما أن بعض الناس شكك في قيام دولة الاتحاد عند قيامه، وشك في استمراريته، وها نحن عندنا العزم، على الاستمرار بعد أن قطعنا بنجاح نصف قرن من عمره، في البناء والإعمار والإبداع والابتكار، ومنافسة كبريات دول العالم في التصنيع.

وعندما يقول سموه:

وخلّهــــا تنتشي بسحر البيان

                رايعات الوصف ببحور ووزون

يريد بذلك أيضاً أن يقول: إن القيادة في دولة الإمارات، قيادة فعل قبل القول، لذلك، فلا داعي أن نتحدث نحن عن إنجازاتنا عبر خمسين سنة، بل الإنجازات تتحدث عن نفسها بنفسها، كما هو حاصل اليوم.

ومثل هذه الفلسفة البناءة، ورثها سموه عن والده الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي سابقاً، عندما قال له الصحافيون: نريد من سموك أن تحدثنا عن دبي وإنجازاتكم، فقال الشيخ راشد: افرضوا أني حدثتكم عنها، ونشرتم للعالم فجاؤوا، ولم يجدوا ما سمعوا مني، فما موقفي عندئذ؟ أليس الأولى أن نعمل في صمت، وندع دبي تتحدث عن نفسها وعن إنجازاتنا؟، هذه هي دبي والشيخ راشد بالأمس.

وها نحن والإمارات اليوم، فعلنا الكثير من غير بهارج، وقدمنا للعالم الكثير حتى درجة الانبهار، وأكبر شاهد على ما نقول ونفعل: إكسبو دبي 2020.

أسألكم، كيف استطاع إكسبو أن ينجح، رغم معاناة المنطقة ودول العالم من تداعيات «كورونا»، التي لا تزال مستمرة آثاره، وبقوة، ودولة الإمارات، بفضل قيادتها الواعية، أثبتت جدارتها بأحقية تسلم زمام القيادة والريادة، وهنا، يصح لي أن أقول فعلاً، مثل ما قال سموه:

وغنّ بأشعارٍ يخلّدها الزمان

                لحنها ما توصل لمثله اللّحون

مطربٍ بدعه ما يجري من لسانْ

                بدع فكرٍ حيّر اللي يبدعون

نعم نعم......... وصولنا إلى المريخ كان تحدياً منا لدول العالم، وإقامة إكسبو في مثل هذا الظرف الصعب، كان فيها تحدٍ كبير، لولا توفيق الله لنا، وصلابة هذه الأرض التي نقف عليها، وعزائم قيادتها، التي تربّت على نفــَس زايد، وحسّ راشد، المؤسسين الحقيقيين لدولة الإمارات قبل خمسين عاماً، وخلفهما حكام الإمارات جميعاً.

وبالمناسبة، فإن الشاعر الكبير، الشيخ محمد بن راشد من القيادات المخضرمة، فهو يتذكر الماضي جيداً، وكذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لذلك يقول سموه:

وخبّر الدنيا بما كنّا وكان

                من حضاره بكلّ وصف وكلّ لون

عن مفاخر عاليه في كل شان

                وعن صروح وعن بساتين وعيون

نلاحظ أن سموه مرة يذكرنا بماضي الأمة وأمجاد الآباء الأولين، ومرة يذكرنا بما كانت عليه منطقة الساحل قبل قيام الاتحاد، حيث كانت الإمارات المتصالحة، وكانت مجهولة الهوية على مستوى العالم.

حيث كانت أعلام سبعة وإمارات سبع، لكنها لم تكن هناك دولة توحد هذا الشتات، إلى أن تسلّم الشيخ زايد مقاليد الحكم في أبوظبي عام 1966، فبدأ يفكر منذ ذلك اليوم، هو وعضيده الشيخ راشد بن سعيد حاكم دبي آنذاك، في إقامة دولة اتحادية، لذلك يقول سموه:

وسار ركب زايد حاديه الأمان

                وحط شعبه كلهم وسط العيون

الرقم واحد لنا في كل آن

                في اقتصاد وفي سياسه وفي فنون

وللفضا غازين مرخين العنان

                فوق للمريخ كونٍ فوق كون

في هذه الأبيات الجزلة، أشار سموه إلى إنجازات زايد، وهي إقناع الاستعمار بالخروج من المنطقة، وإقناع الإمارات السبع، بضرورة التلاحم، وتكوين كيان اتحادي واحد.

ثم بعد ذلك، وضع خططاً طموحة تهتم بالإنسان والأرض، وتحقق العدالة والأمن والأمان والاستقرار لهذه الدولة، وتوفر احتياجات هذا الشعب، من تعليم وصحة وسكن وحياة اجتماعية سعيدة وآمنة.

والأهم من ذلك، بناء اقتصاد حر وقوي، يحقق الاستمرارية والبقاء، رغم تكالب العالم على المنطقة، ومنافسة شعب هذه الدولة على الثروات النفطية، التي قد تنضب في أي ساعة.

وأشار سموه في هذه الأبيات، إلى أن الشيخ زايد لم يكن ينجح في مشروعه الوحدوي، لولا أنه، رحمه الله، قدم مصلحة وطنه وشعبه على مصالحه الشخصية.

فالشيخ زايد، رحمه الله، بذل الكثير، وضحى براحته الكثير، إلى أن أقام صرح هذه الدولة المعجزة، وغرس شجرة البقاء، بفضل إيمانه القوي بالله العظيم، وبفضل نظرته العادلة، وسياسته المعتدلة، التي تبنت قيم الإنسانية والتسامح والأمن والسلام.

ثم يقول سموه لشعب دولة الإمارات، وكأنه يريد أن يكون صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، شاهداً أيضاً على ما يقول:

مرّت الخمسين في خير وأمان

                وأبشروا بخمسين فيهن تفرحون

نعم مرت الخمسون سنة، والعالم يشهد على أننا أقمنا دولة، وبنينا حضارة ومفخرة، لا بالقول، بل بالفعل قبل القول، وقدمنا مساعدات وإغاثات لمن حولنا من المحتاجين، من باب الإنسانية.

وقد حصدنا ثمرة حسن النية، ووقوفنا مع العالم في شدائده، شكراً لله تعالى على ما أنعم علينا من النعم، ويكفي أن دول العالم اليوم، تعاني من جائحة «كورونا»، لكن الإمارات هي واحة أمن وأمان من الجائحة، لماذا؟ لأن الإمارات شكرت الله في السراء، فوقف معها رب العالمين في الضراء.

ثم إنها تملك الحاسة السادسة، فاهتمت بالبنى التحتية منذ سنوات، واتخذت إجراءات وقائية واستباقية، ولقد عودنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، على هذا النوع من العمل الجاد، فهو يطالب حكومته دائماً، أن يفكروا قبل أن يفكر الآخرون.

وعندما يقول الإمارات الأول، يريد أن يبرهن بأن الصحيح أن نفكر دائماً في أن نسبق، لا أن نواكب، فالذي يفكر في المواكبة، لن يأتي أولاً أبداً.

ولعل أبوظبي ودبي اليوم، نموذجان يصلحان أن يتصدرا عواصم العالم في تبني الكثير من الأفكار الطموحة، والمشاريع البناءة التي لم تكن تخرج إلى الوجود، لولا نبل القيادة والتنبؤ بالمستقبل.

هذا، ولم تنتهِ طموحات قيادة الإمارات عند الخمسين، بل العزم منعقد على مواصلة السير والمسيرة لإنجاح الخمسين سنة القادمة، وإنني اليوم، يحق لي أن أقول للقائدين الملهمين، الشيخ محمد بن راشد، والشيخ محمد بن زايد:

خلوة الخمسين تمت بنجاح

                حكمة الشيخين قادت للفلاح

هي تخطيــــــط لعهــــــــــد قادم

                لاح بالآمال في وجه الصباح

للإمـــــــــارات رؤى قد حُمّلت

                بطموحات تــُغـــــــذَّى بالكفاح

فخر أجيال على مر العصور

                «زايد» أسقى الروابي والبطاح

فلنبجّل نحن ما قد شــــــــاده

                ولنجـــــــــــــــدّد كلما هبت رياح

إن يكن «فيروسُ» يأس فاتكا

                فليكن «مسبار» آمال لقاح

Email